مريانا مراش ... صحفية سوريا الأولى

مريانا مراش

 

مريانا مراش .... صحفية سوريا الأولى

 

1848  -  1919

للعاشقين بأحكام الغرام رضا        يمسون صرعى به لم يأنفوا المرضا

لا يسمعون لعذل العاذلين لهم               فلا تكنْ يا فتى للجهل معترضا

**********************

 

 

سهير الذهبي – شام نيوز

"حين أذكر مريانا مراش أذكر تلك الفترة الغامضة من الحياة الأدبيّة التي عرفتها حلب، والتي كانت تضمّ طائفة من الأعلام في طليعتهم رزق الله حسون، وعبد الرحمن الكواكبي، وجبرائيل الدلال، والشيخ كامل الغزي، وقسطاكي الحمصي وغيرهم من الأعلام، فكانت هواية الأدب تجمع بينهم وتؤلف بين قلوبهم برباط من الود وثيق، فلا يكاد أحدهم، ينظم قصيدة أو يكتب مقالة أو ينشئ مقامة حتى يبحث عن صديق أديب تتجاوب نفسه معه، وكثيراً ما كانوا يلتقون في منازل بعضهم يتناشدون الشعر وينثرون النكات ويتحدثون هذه الأحاديث التي تمس المعدة والمجتمع، فإذا تجاوزت هذه الأحاديث أنباء السياسة كانت الأحاديث مهموسة وفي جو من الخوف والذعر، إذ لم يكن العهد الحميدي الذي نشأوا في ظلاله ليسمح لهم أن يتحدثوا هذه الأحاديث بروح منطلقة..... في تلك الفترة نشأت مريانا مراش".. سامي الكيالي.

*****************

شاعرة وأديبة مرموقة , عازفة بيانو بارعة وصاحبة صوت جميل ,, وصاحبة أول صالون ادبي في المشرق .... كما انها  أول سيدة عربية سورية كتبت المقالة الصحفية.

ولدت مريانا مراش عام 1848 في حلب في بيت عريق يهتم بالادب والفكر والثقافة..  كان أبوها فتح الله مراش رجلا له اهتمامات ثقافية, وكانت لديه مكتبة نفيسة, وقد كتب في موضوعات مختلفة الا ان اعماله لم تجد طريقها الى الطباعة... واخوها هو الاديب فرنسيس مراش احد اركان النهضة الأدبية في شمال سوريا في القرن التاسع عشر.

دخلت المدرسة المارونية في الخامسة من عمرها, وانتقلت إلى المدرسة الانجيلية في بيروت, فدرست فيها مبادئ اللغة العربية والحساب وبعض العلوم..

درست مريانا مراش اللغة العربية على يد أخيها فرنسيس، واللغة الفرنسية في مدرسة راهبات مار يوسف... وبفضل ابيها برعت في الصرف والنحو والعروض, كما درست الموسيقى فكانت من أبرع العازفات على البيانو, وما أن اكتملت ثقافتها الأدبية حتى أخذت تنشر مقالاتها في الصحف والمجلات.

 كتبت في جريدة "لسان الحال", وفي مجلة "الجنان", مقالات انتقدت فيها استكانة الانثى في ذلك العصر, وحثت بنات جنسها على الثقافة والعلم والتحدي ورفض الواقع...ودعت الى الاسهام الفعلي للمرأة في الأداب و المعارف, و المشاركة في الصحافة, وساهمت بقوة في توعية نساء جيلها لضرورة رفع قيمة بناتهن  من خلال التعليم.

سافرت إلى اوروبا وانفتحت على الحضارة الغربية , الامر الذي شجعها على افتتاح صالونها الأدبي رغم اختناق الحياة الاجتماعية أيام الحكم العثماني, فكان أول صالون أدبي في المشرق بمفهومه الحديث,  لتسبق به كلا من الأميرة فاطمة اسماعيل وهدى شعراوي ومي زيادة.. وكان افتتاحه جرأة كبيرة منها في ذلك الوقت ومثالاُ على تحرر المرأة  ومشاركتها في الحياة الاجتماعية والادبية.

أما رواد صالون مريانا مراش فكانوا من أدباء حلب ومثقفيها آنذاك, أمثال رزق الله حسون, والأديب قسطاكي حمصي والمفكر التنويري عبد الرحمن الكواكبي, والصحفي عبد المسيح أنطاكي وجبرائيل دلال.. إضافة الى  جميل باشا والي حلب الذي  عرف باهتمامه بالمشاريع العمرانية والتعليمية,  والذي  امتدحته مريانا مراش في قصيدة لمساهمته في تطوير حلب....

وكان هؤلاء المثقفون يجتمعون في صالونها لتبادل الآراء النقدية واستعراض آخر نتاجاتهم الفكرية ومطالعة  كتب الأدب والتراث, ومناقشة الاوضاع السياسية , إضافة الى الاستمتاع بصوت المغني باسل حجازي وهو يؤدي الأدوار والقدود والموشحات الحلبية ….وكانت أحلى أوقاتهم تلك التي يقضونها في سماع مريانا وهي تعزف لهم الموسيقى أو تقرأ لهم قصيدة جديدة لها أو مقالة تود إرسالها الى الصحافة.

وقد وصف قسطاكي الحمصي هذا الصالون قائلاً:
" كان منزلها في حلب مثابة الفضلاء وملتقى الظرفاء والنبهاء وعشاق الأدب."

ويبدو ان طرح مريانا مراش للأفكار التنويرية ودعوتها المرأة الى النهوض من واقعها , كان انعكاسا لقضايا شغلت نساء تلك السنوات, وبداية ولادة حركة نسوية سورية.. فقد تم عام 1880 تأسيس جمعية علمية أدبية نسائية من قبل سيدات سوريات رائدات , اطلقن عليها اسم (باكورة سوريا) , و كانت أهدافها مستوحاة من أفكار مريانا مراش وزميلاتها المتعلقة بتفتيح عقول النساء وتطوير وضعهن الاجتماعي, وبداية المطالبة بالمساواة بين الجنسين.... وبعد عام من اطلاق جمعية باكورة سوريا استطاعت مراش ان تطبع كتابا جمعت فيه خطب عضوات الجمعية التي حملت عناوين عديدة مثل :  الغاية التي خلق الإنسان لأجلها، وتهذيب العقل، والكتب ومطالعتها، والارتقاء، وحياة الإنسان وواجباته، وحقوق النساء.

انتقدت مراش  أساليب الكتابة المقعرة في ذلك العصر وكانت باستمرار تدعو الى تطوير طرق الكتابة والانشاء وتنويع الموضوعات.

نظمت عدة قصائد ومقطوعات في أغراض شتى، وجمعت أشعارها في ديوان صغير بعنوان "بنت فكر" الذي طبع عام 1893 في بيروت برخصة من "نـِظارة المعارف الحلبية" , وتعود قصائدها المنشورة فيه إلى سنوات   1888 و 1876 و1881 و 1877 ، وأقدمها يعود إلى عام  1874.... واحتوى الديوان قصائد امتدحت فيها بعض رجال الدولة والدبلوماسيين الذين كانوا يترددون على صالونها, اضافة الى قصائد عاطفية اتسمت بالرقة والعذوبة.

في عام 1874 توفي أخوها فرنسيس فحزنت عليه ورثته بأجمل قصائدها حيث قالت:

         
مالي أرى أعين الأزهار قد ذبلت       ومال غصن صباها من ذرى الشجر
مالي أرى الروض مكموداُ وفي كرب          والماء في أنة والجو في كدر
قد غاب شخصك هذا اليوم عن نظري       جادت عيوني بدمع سال كالمطر

وفي الغزل نظمت في رجل عشقته قصيدة قالت فيها:


بذكر المعاني هام قلبي صبابة             فيا نور عيني هل أكون على القرب
عين الشمس في رآك للعين تنجلي                فتنقل للأبصار ما حل بالقلب

وفي مديح السلطان عبد الحميد قالت مريانا مراش:


الله أكبر أنت الحي والصمد         مقصود كل البرايا واحد أحد
حمدا وشكرا فقد وليتنا ملكا             ذا حكمة لم ينلها قبله أحد


الناقد والأديب قسطاكي حمصي وصفها بقوله: "كانت مريانا مراش رقيقة الشمائل، عذبة المنطق، طيبة العشرة، تميل إلى المزاح، وقد تمكن منها داء العصاب في آخر سني حياتها حتى كانت تتمنى الموت كل ساعة... كانت مريانا مراش لـزمنها من الشاعرات المشهورات، فإذا ذكرت عائشة التيمورية في مصر ووردة اليازجي ووردة الترك في لبنان، ذكرت مريانا مراش في سوريا..".

كما وصفها سامي الكيالي بالقول: " لقد عاشت مريانا مراش حياتها في جو من الغم والألم ، من الموسيقى والأدب، عاشت مع الأدباء والشعراء ورجال الفن، قرأت ما كتبه أدباء الإفرنسيين وأدباء العرب, فتكوّن عندها ثقافة تجمع بين القديم والحديث، كانت تأنس إلى هذه الأجواء التي تغمرها أنغام الموسيقى ونفحات الأدب، وكانت حياتها شبيهة بحياة ميّ أديبة العرب، مع فارق الزمن في ملابسات حياة العصر، فتحت صالونها للرجال المرموقين فكانوا يجدون عندها هذه النفحات التي تّذهب عنهم سأم الحياة وضجر العمل، كما فعلت ميّ تماماً، ومن المفارقات الغريبة أن يتمكن الداء العصبي من الاثنتين في أخريات حياتهما، وكانتا كلتاهما عصبيتي المزاج، وقد يرجع هذا إلى فرط حساسيتهما، ولئن كان الكبت الجنسي هو الذي أورث مياً هذا الداء. فما كانت مريانا كمي ولاسيما وقد ركبها الداء العصبي وهي متزوجة ولها أولاد.."

توفيت مريانا مراش عام 1919  في حلب التي ولدت فيها  وكان عمرها واحدا وسبعين عاما.