مسؤول سوري سابق:الحراك لا يمكن إلا أن يأتي برئيس منتخب

 

 

 

يندر أن يقوم مسؤول سوري حالي أو سابق في النظام بكتابة مقال يعبّر فيه عن رأيه أو يضع تصورات لمستقبل البلاد. منذ أيام وصل مقال من مسؤول سوري بارز وسابق في النظام (متقاعد وليس منشقا) وقد كتب فيه بعض آرائه السياسة بما يجري في البلاد وداخل النظام، وتوقعاته المستقبلية. سيريا بوليتيك، ينشر المقال -الذي يعبّر عن رأي كاتبه - كما هو دون تعديل في محتواه، وموقعنا لا يتبنّى مضمون المقال أو أي مقالات رأي وتحليلات لكتاب آخرين تُنشر في الموقع، علما أن المقال يحمل أهمية خاصة كونه بقلم مسؤول كبير وسابق في النظام، ونظرا لأنه يلقي الضوء على وقائع مهمة في سوريا. المسؤول المتقاعد وقّع مقاله باسم "محمد أديب السيد" وهو اسم معروف على نطاق ضيق كما أعلمنا، ونتحفّظ على اسمه الآخر المعروف في البلاد....  سيريا بوليتيك

نص المقال

مستقبل سوريا
حافظ الأسد كان بالسياسة بارعا" وبالقيادة فنانا" لم يخضع للضغوط إلا انه كان ينحني أمام العواصف تعرضت سوريا في عهده لأزمات داخلية وخارجية وخرج منها ببراعة .
ـ لم يساند العراق في حربه ضد إيران كبقية الدول العربية معتبر بان ذلك يدمر قوات البلدين ويخدم إسرائيل وخاصة في وقت رفعت فيه الثورة الإيرانية علم فلسطين على السفارة الإسرائيلية في طهران كما انه لم يقدم لإيران أي نوع من السلاح أو الذخيرة لان التاريخ لا يرحم من يساهم أو يساعد قتل أخيه
ـ شارك بالتحالف لتحرير الكويت إلا أن أوامره كانت للقوات السورية هي الدفاع عن السعودية وليس محاربة العراق
ـ فاوض من اجل السلام متمسكا بكامل الحقوق وفي نفس الوقت كان يتمنى أن لا يأتي اليوم الذي يوقع فيه مع الاسرائيلين
وصيته الوحيدة أن يوضع في قبره ترابا من الجولان المحتل
ـ استلم الدكتور بشار الرئاسة وكان من ضمن فريقه مجموعة من المتسلقين همهم مصالحهم الخاصة تمكنوا منذ البداية في إبعاد من كان وجوده يتضارب مع مصالحهم في المجالات الإعلامية والسياسية والأمنية والاقتصادية وأوصلوا إلى تلك المواقع من يحقق تطلعاتهم. كذبوا على الرئيس ولازالوا يكذبون
ـ الرئيس بشار الأسد أراد الإصلاح و التطور منذ البداية في كافة المجالات نجح في بعضها خاصة على الصعيد الاقتصادي والحزبي حيث قلص دور الحزب من قيادي إلى دور مراقب وتعرقل في مجالات أخرى وهناك عدة عوامل إضافة إلى التركيبة الداخلية عرقلة في الإصلاح من أهمها حرب العراق والضغوط التي تعرضت لها سوريا ومقتل الحريري وما تبعه من ذلك
أقام علاقات اقتصادية وسياسية ممتازة مع تركيا واقام علاقات سياسية مميزة مع قطر
وأقام أفضل العلاقات السياسية والاقتصادية مع العراق في عهد صدام حسين حيث كان لبعض أصحاب المصالح الخاصة دور في ذلك كانوا يصورون بان صدام حسين بعد الألفين ليس ما قبل الألفين وان خلافه
مع سوريا كان شخصيا مع الرئيس حافظ الأسد وقد استفاد العديد من تلك العلاقة وأصبحت سوريا بعيدة عن المعارضة التي دعمها حافظ الأسد والتي تحكم البلاد حاليا.

 

الأزمة في سوريا
بدأت الأزمة في سوريا جراء مشكلة أمنية في مدينة درعا ارتكبت من قبل مسؤولين هم بالأساس عبء على النظام ولم تنجح سوريا بمعالجتها بطريقة سياسية واتسعت الأزمة باتجاه مناطق أخرى بمظاهرات سلمية ثم تحولت إلى أعمال عنف بشكل تدريجي من قبل الطرفين
الرئيس بشار الأسد منذ البداية أمر بعدم إطلاق النار حتى دفاع عن النفس ومن ثم وبعد إلحاح العسكريين وافق على التعامل مع المسلحين وفق الظروف.
على صعيد الإصلاح خطى عدة خطوات من أهمها تغير الدستور إلا أن تلك الخطوات لم تنفذ لان المعارضة المسلحة لا تقبل اقل من إسقاط النظام.

 

الموقف الدولي والإقليمي المعارض لسوريا
- مارست الإدارة الأمريكية ضغوطا هائلة على سوريا من اجل تغيير سياسة النظام منذ بداية الأزمة وعندما تطورت الأوضاع تحركت تركيا التي تربطها علاقات قوية مع سوريا لإقناع سوريا بإجراء إصلاحات سياسية ومشاركة الإخوان المسلمين بالحكم وعندما فشلت بذلك نجحت في إقناع الإدارة الأمريكية بان الإسلام المعتدل كما هو في تركيا الذي بدا ينجح في بعض الدول العربية وسيقيم أفضل العلاقات مع أمريكا وسيقف سدا في وجه إيران وطبعا سيحقق مصالح تركيا التي فشلت في الانضمام إلى الاتحاد الأوربي وان سوريا هي بوابة الوطن العربي لذلك لابد من تغيير نظامها من اجل تحقيق مصالحها
قناعة الإدارة الأمريكية بالطروحات التركية غيرت من سياسة أمريكا من تغير السياسة في سوريا إلى تغيير النظام ودفعت خلافاتها في المنطقة في هذا الاتجاه .
- قطر: التي تربطها علاقات مميزة مع سوريا وخاصة أميرها شنت حرب إعلامية سياسية ضد سوريا معتبرة أنها معركتها وهذا طبيعي لان قطر تنفذ سياسات ولا ترسم سياسات منذ أن تسلم أمير قطر الحكم من والده بطريقة ديمقراطية.
- فرنسا: تحركت بقوة ضد سوريا لأنها تعتبر سوريا هي من أبعدت حليفها الحريري عن الحكم حيث لم يعد لها نفوذ في لبنان وتحرك معها ضد سوريا بكل إمكاناته المالية والإعلامية سعد الحريري

 

بالمقابل كان تحرك مجموعة دول أهمها:
ـ روسيا: التي اعتبرت سياسة أمريكا في الشرق الأوسط بتغير الأنظمة وفق لمصالحها ضررا في المصالح الروسية لذلك وقفت إلى جانب سوريا سياسيا وعسكريا بشكل يفوق التوقعات حتى أنها تنسق مع سوريا سياسيا في أدق التفاصيل
ـ إيران تأتي في الدرجة الثانية والتي رأت في مجمل التحركات استهداف لها لذلك وضعت إمكانياتها الاقتصادية دعما لسوريا
ـ الموقف البارز والمهم كان العراق والذي دعم سوريا سياسيا واقتصاديا ويأتي ذلك بعد اضمحلال النفوذ الأمريكي وازدياد النفوذ الإيراني والسوري في العراق
مواقف الدول الثلاثة أبعدت فكرة الحل العسكري كما أضعفت لدرجة كبيرة الحصار الاقتصادي.
الوضع السياسي والأمني في سوريا
هناك شبه إجماع إلى أن البلاد بحاجة إلى إصلاحات بكافة المجالات إلا أن هناك انقسام حول كيفية تحقيق هذه الإصلاحات
القسم الأول:
يريد تغيير النظام بالكامل ولديه قوى ودعم داخلي وخارجي إعلامي وسياسي ومالي ويتركز نشاطه في محافظات حمص ودرعا وادلب (وهي مناطق حدودية) ومن ضمنهم مجموعات مسلحة تصلهم الأسلحة من تركيا ولبنان والأردن كما انضم إليهم عددا من العسكريين حتى أصبحوا عدة ألاف ويعتبر مجلس اسطنبول هو الأكثر نفوذ في تلك المناطق هذا القسم ومعه مجلس اسطنبول غير قادر على تغيير الوضع العسكري أو إسقاط النظام وهو يعلم ذلك إلا أن هدفهم إيجاد حالة تستدعي التدخل الخارجي لإسقاط النظام وتسلمهم الحكم.
القسم الثاني:
وهو القسم الأكبر في سوريا وخاصة في حلب ودمشق وبقية المحافظات الأخرى هؤلاء يريدون إصلاح في كل المجالات قسما منهم له ثقة بالرئيس الأسد وقسما آخر يخاف من المجهول القادم إذا سقط النظام والأقليات تخاف من أن يأتي نظام إسلامي متشدد ويخشون من التدخلات الخارجية كما حصل في ليبيا
كما أن أعمال العنف التي جرت في بعض المحافظات السورية والتفجيرات الأخيرة في دمشق دفعت بالكثير للمطالبة بالأمان فقط
و الأهم من ذلك أن مؤسسات الدولة لازالت متماسة ومتمسكة بالرئيس وخاصة الجيش والأمن والجيش السوري معروف بأنه وطني وعقائدي منذ الستينات فكان ينقلب على أي رئيس يشك بمواقفه الوطنية لذلك لا يمكن لأحد أن يراهن على انشقاق الجيش

التوقعات حول الأزمة
من المستبعد أن تحث في سوريا حرب أهلية أو طائفية لان الشعب السوري بمعظمه حضاري ولديه أحزاب وقوى علمانية واسعة مع العلم بان هناك تحريض طائفي ومذهبي إلا إن تأثيره يبقى محدود في القرى وأطراف المدن وان التدخل الخارجي أو إنشاء منطقة عازلة أصبح أكثر بعدا عما قبل بسبب التحالفات الإقليمية والدولية والتي يمكن ان نسميها الصراع على سوريا
مبادرة الجامعة العربية على الرغم من أنها انطلقت في ظروف ضغط هائل على سوريا كانت منذ البداية مشكوك بها إلا أن نصيحة روسيا لسوريا قبلت بها ولكن بحذر .
صحيح أن هناك تحولات ايجابية وخاصة بالموقف المصري والسوداني تجاه القيادة السورية إلا انه يبقى الأهم الموقف الأمريكي
حتى الآن تسير الأمور بشكل جيد وإذا استمرت حتى النهاية على نفس المنحى ستصل إلى نتيجة جيدة فانه من المؤكد بان الرئيس الأسد سيخرج ويعلن عن عدة أمور هامة من أبرزها :
حوار وطني وحكومة وحدة وطنية وإصلاحات شاملة
أما في حال فشل مبادرة الجامعة العربية فان ليس أمام القيادة السورية ونتيجة ضغط الشارع إلا أن تحسم الأمور أمنياً وفي نفس الوقت تقدم إصلاحات واسعة في كافة المجالات ولهذا انعكاسات داخلية وخارجية وقد تستمر الأزمة الأمنية طويلا .
حاليا المهم في الأمر أن النظام قبل بالمراقبين و يعني ذلك تقدم الحل السياسي على الحل الأمني وفي كل الحالات سيكون القرار في نهاية المطاف سياسي فالرئيس بشار الأسد منذ البداية مع الحل السياسي وقد عارضه الكثيرون حتى المقربين منه وإن نسبة كبيرة من الشعب معه وترى في سياسته هذه منحى إيجابي وتأمل التخلص من معارضيه ومن الفاسدين مع أن ذلك جاء متأخراً / أي أن يقوم بعملية إصلاح شاملة/.
فالمطلوب حاليا هو مراقبة الشارع وحركته لأن الرهان على الشارع فإذا تمكن النظام من كسب الشارع وحل مشاكل المواطنين سيكون الحل السياسي هو الأفضل, أما إذا فشل فسيعود الوضع إلى ما قبل ذلك وقد يكون أسوأ.
حتى الآن الوضع لا يزال مرضي وفي كل الحالات لا يمكن أن تحكم سوريا بعد الآن من حزب واحد, فحزب البعث كان له دوراً بارزاً في الفساد وما وصلت إليه البلاد وهو لا يمكن أن يقوم بأعمال إصلاح فساد عم كافة إدارات الدولة, كما أن المعارضة الخارجية لا يمكن أن تحكم سوريا بمفردها لأن كل من يأتي بدعم خارجي يعتبره السوريون مكروه ومقيت لذلك لابد من قيام حكومة وحدة وطنية تمثل فيها كل القوى الوطنية في سوريا وإن الحراك الذي تعيشه سوريا لا يمكن إلا أن يأتي برئيس منتخب من الشعب مهما طال الأمد.

 

محمد أديب السيد - سيريا بوليتيك