مستنقع الجماعة

«لم تخلق دور العبادة للمهاترات السياسية».. هكذا تحدث أحد أبطال نجيب محفوظ في واحدة من قصصه القصيرة، وأظن أننا بحاجة لأن نتذكر ونعي معنى هذه العبارة الآن، فنحن في موسم انتخابات، وكثُر استعمال المساجد والكنائس في الدعاية الانتخابية.. الصحف تنقل بعض هذه المظاهر، لكن يجب أن نعترف بأن الصحف تركز على بعض الشخصيات الشهيرة والمعروفة للرأي العام، لكن الكثير من غير هؤلاء يفعل ذلك بضراوة، ففي إحدى دوائر الوجه البحري يخوض مرشح مستقل الانتخابات، وهو ينتمى إلى حزب الأغلبية، لكن حزبه لم يدفع به، وينافسه مرشح مستقل، لكن المنافس ينتمي إلى جماعة الإخوان، والواضح أن المستقل الوطني أقوى، لكن من سوء حظه أنه يمتلك مزرعة للعنب، وقرر المنافس تدميره من هذه النقطة، حيث وقف أحد الخطباء على المنبر في صلاة الجمعة ينصح المصلين بألا يمنحوا صوتهم لمن يزرع محصولاً يباع رأساً إلى مصانع الخمور. ليحول إلى خمر حرّمها الله سبحانه وتعالى، وتحولت الكلمة إلى كرة ثلج تكبر وتكبر، حتى صار الرجل فى نظر جماهيره سكيراً وعربيداً وداعية فجور، وهكذا.. ونحن فى مجتمع يمنح الناخب صوته ليس للبرنامج ولا للأفكار، بل للانطباع العام عن المرشح، ونحن كذلك مجتمع لا يدقق فيما يطرح عليه من كلمات ومعلومات قد تكون مغلوطة وعشوائية، ليست هذه الواقعة الوحيدة، نعرف أن لدى الجماعة خطباء فى المساجد، يستغلون المنابر للتنديد بالخصوم وبالمنافسين تلميحاً حيناً وتصريحاً حيناً، حتى لو لم يتم ذكر الأسماء. وخطورة ما تقوم به الجماعة من توظيف واستخدام للدين فى غير محله أن ذلك يهدر مبدأ الدولة المدنية، الذى يجب أن نسعى لتكريسه، وأنه يحول الدين من إطار يجب أن يكون جامعاً للناس، يجعلهم أكثر تسامحاً وأكثر تقبلاً لبعضهم البعض، إلى إطار للاستقطاب وللتحزب السياسى، وقد علمنا التاريخ أن استخدام الدين على هذا النحو يدمر معانى وقيم التدين، فضلاً عن أنه يأخذ السياسة إلى مجال التسلط والاستبداد. الخطورة الأخرى أنه فى ظل التنافس الحاد فى الشارع، فإن كل طرف يحاول أن يجارى الآخر، وجدنا التنافس أيام عيد الأضحى المبارك فى نحر الذبائح، فعل ذلك الجميع «وطنى.. وفد.. إخوان، المسلم والمسيحى.. المرشح والمرشحة»، وحين يحاول طرف فى المعركة أن يؤمم الدين لصالحه، فلابد أن نتوقع من المنافسين أن يحاولوا فعل ذلك، وهكذا وجدنا مرشحة معارضة تذهب إلى الكنيسة وإلى المسجد.. ووزيراً مرشحاً يؤم المصلين، وهذا ليس دوره، وجدنا وزيراً آخر يحدد المواعيد لجماهيره فى المسجد، رغم أن هناك مقار للحزب، ويجب أن يكون للمرشح مقر يتواجد فيه أو يذهب إلى جماهيره فى ناد أو مضيفة أو دار مناسبات، والحقيقة أن محاولة مسايرة الجماعة فى ذلك خطأ فكرى وسياسى فادح، يهدد معنى ومفهوم الدولة المدنية الذى يجب أن نعمل على تعميقه ويصبح جزءاً من وعينا العام وثقافتنا المصرية والعربية. وكان الأولى بالسادة الوزراء المرشحين أن يكونوا أكثر حرصاً على ذلك، ولا يصح أن تجرهم منافسة الجماعة إلى اللعب بأدواتها وآلياتها، وعلى الأرضية التى تحددها هى.
وبودي لو أن هؤلاء السادة جميعاً الذين يحاولون استغلال الدين ذاته أو دور العبادة فى المعركة الانتخابية يستوعبون جيداً تجربة د. أحمد فتحى سرور، الذى يخوض الانتخابات فى دائرة السيدة زينب، وهو يطوف بمحال الكشرى والجزارة ولحمة الرأس والمخابز، وتجد صوره مع هؤلاء وأولئك، لكن الرجل لم يحاول مرة أن يتورط ويزج بمسجد السيدة زينب ومقامها - رضى الله عنها - فى هذا المعترك، رغم أن مريدى السيدة ومحبيها بالملايين، ولو أن الرجل استسهل قاعدة النفاق الدينى والتملق الرخيص للجماهير لكان يكفيه أن يذهب إلى المسجد والمقام، لكنه لم يفعلها، رغم أن فى الدائرة خصوماً وأصواتاً من الذين يجرون الدين جراً إلى مهاترات السياسة.
حلمي النمنم - المصري اليوم