مسحورة يا شيخ المشايخ...


 هيام حموي. البعث

  

لبعض المفردات وقع خاص إن لم نقل سحر خاص: على سبيل المثال كلمة "حظ" أو كلمة "كنز" أو "سرّ" أو مصطلح "عجيب" أو "معجزة" أو "مستحيل"، بالذات عندما تقترن هذه الكلمات بأرقام تجعلها أكثر فرادة، كأن تكون العجائب سبعا أو المستحيلات ثلاثا، قبل استدعاء رابعتها الأندر من الندرة.
هي مفردات توقظ في أعماق النفس فضولا بلا حدود، وتستفزّ داخل الوجدان ملكات التحدي فتبدو كأنها تفتح في الذهن أبوابا كانت موصدة وباتت تطل على آفاق واسعة شاسعة تنطلق فيها المخيلة جامحة معربدة بلا عقال.

 


يذكر البعض، ربما، الأثر الذي تركته في رؤوس الطفولة الغضة حكاية روتها بعض عجائز الأسرة، جدّة أو عمّة أو خالة، بوحي من  مغامرات "ألف ليلة وليلة"، حين  خرج ذلك المارد من مصباحه السحري ووضع نفسه تحت تصرّف الشاب المحظوظ علاء الدين، أو عندما تمكن السندباد البحري من التخلص من براثن الغول أو النجاة من أذى الساحرة الشمطاء بمجرد لمسة من عصاه السحرية.

 
سعة الخيال نعمة وهبتها الحياة للإنسان كي يرتاح قليلا من عناء الواقع ووطأة متاعبه، تساعده في الإبداع إذا عرف كيف يستغلها، تعينه على القيام بجولة ممتعة ضمن عوالم أحلام اليقظة، استعدادا للإبداع أو لمجرد الترفيه عن النفس، شرط أن لا تتحوّل المسألة إلى طبيعة ثانية تكتفي بانتظار المعجزات الخارجية والصدف الغرائبية كما في بعض الأفلام السينمائية التي أنتجتها في منتصف القرن الماضي السينما الهندية أو المصرية، عندما كانت تتعقد الأمور إلى حد لا يُطاق وتوصد كل الأبواب في وجه البطل الصادق الشجاع الذي تضافرت الأحقاد والشرور ضده، وتكأكأ عليه "وحش الشاشة" بملامح فريد شوقي و"شرير الشاشة" بقسمات محمود المليجي، وقد انضم إليهما "همبكة" بضحكة توفيق الدقن الصفراء، فلا يبقى أمامه من منفذ نجاة سوى أن يرمي بنفسه من الشباك هربا من قدره المحتوم، في اللحظة ذاتها التي تمر فيها من تحت النافذة المذكورة سيارة نقل محمّلة مثلا بشحنة مفروشات وثيرة فيسقط  الحزين المضطهد، وبمعجزة غير متوقعة، فوق فراش وثير يطير به إلى حيث سيجد البطلة الملهوفة  الباكية تنتظره لتطبع على وجنته قبلة النهاية السعيدة قبل أن يُسدل الستار في صالة العرض، وتضاء الأنوار ويتنفس المشاهد الصعداء وهو يحمد الخالق على نهاية الكابوس.
تسير الأمور اليوم وكأن البعض لا يتحرك، ولا ينوي أن يتحرك، لمجرد أنه بانتظار المعجزة الخارجية الخارقة التي ستنهي الكابوس المرعب المخيّم على سمائنا، والذي باغت أحلام يقظتنا ولم نكن مستعدين لنزوله علينا على الإطلاق، نحملق مندهشين مذعورين بما تعرضه شاشات آثمة لا تترك أدنى فرصة لاحترام حرمة الموت...

  


الطرفة البالية والمكرّرة تذكرنا بأن من ينتظر هبوط الثروة عليه في هيئة جائزة كبرى من اليانصيب الوطني عليه أن يشتري على الأقل بطاقة واحدة من هذا اليانصيب، والسلبية التي اعتمدتها نسبة كبيرة من الأشخاص يقفون في المنطقة "الرمادية" حسب التعبير الذي بات مكرّسا،،(ويقول العارفون إنهم أغلبية)، بانتظار معجزة الخلاص من الكابوس الجاثم على الأرواح، هذه السلبية على الأرجح لا تصنع المعجزات.

 

 


يقول واحدهم: في غياب كذا وكذا، لم يعد هنالك ما يمكن عمله سوى انتظار المعجزة المستحيلة، وأثناء الانتظار، يقوم باقتراف الموبقات والمخالفات مفترضا إهمال الآخرين من حوله، فيساهم بدوره في الإهمال والتقاعس، ما يجعل المعجزة أصعب تحقيقا، فتبتعد أكثر فأكثر.

 

 


 عندما عُرضت مسرحية الرحابنة، "جسر القمر"، في مهرجانات بعلبك عام 1962، أدرك كل من شاهدها أنها تشير إلى الأحداث الدامية التي عاشها لبنان خلال عامي 1957 ـ 1958. المياه التي كانت تجري تحت الجسر الواصل بين القريتين مقطوعة بسبب النزاع، وعند الجسر صبية "مسحورة" حبيسة الحقد بين الطرفين، لا يمكن أن ينفك الرصد عنها إلا بعودة الألفة والمحبة بين الأهالي المتخاصمين.

 


يوم اشتد العنف بين القريتين، تظهر صبيّة الجسر لتشير إلى وجود الكنز الذي سيفكّ السحر والرصد: "كل واحد ينبش حدّو... صوت المعول أحلى من رنين السيف... والسلام كنز الكنوز... يا شيخ المشايخ