مسلسل «عمر»:أكثر الأعمال الدرامية إثارة وجدلاً في رمضان 2012

سجل مسلسل «عمر» نفسه كأكثر الأعمال الدرامية إثارة وجدلاً في رمضان 2012 فقوبل بمواقف وآراء وحتى فتاوى متباينة من جهات وشخصيات دينية مختلفة.

ويروي مسلسل «عمر» وقائع الدعوة الإسلامية في بداياتها الأولى من خلال شخصية الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب، وهذا أمر يحمل في حدّ ذاته دلالاته وجماليته وأهميته التاريخية، وخاصة أنه أول من عمل بالتقويم الهجري، ولقب بالفاروق لأنه كان يفرق بين الحق والباطل ولا يخاف لومة لائم.
وتمركز الجدل الذي دار في العمل حول فكرة تجسيد شخصيات الصحابة لتشتعل حرباً باردة بين القبول والرفض.
وحاولت الجهة المنتجة ألا تجعل من المسلسل مجرد عمل درامي وفني بحت، بل اتجهت بالنص قبل إنتاجه إلى لجنة شرعية ضمت مجموعة من العلماء الإسلاميين.
ورغم كل الانتقادات التي تعرض لها إلا أن «عمر» للمخرج حاتم علي والكاتب وليد سيف كان الأكثر نجاحاً بتحقيقه النسبة الأعلى في المشاهدة بالوطن العربي وفقاً للعديد من الاستفتاءات.
وعُرض العمل على شبكة ATV التلفزيونية التركية، وغيرها من القنوات الإندونيسية والماليزية والإنكليزية، إضافة إلى شاشة «إم بي سي».
شارك في بطولة العمل الوجه الجديد سامر إسماعيل، مع غسان مسعود، تامر العربيد، مهيار خضور وآخرون.
وبشكل عام فإن الصورة أسرع في الانطباع على الذهن من الاستماع أو القراءة، وقصة سيدنا عمر الخليفة العادل قد ترسخت في ذهن كل من شاهد المسلسل الذي حقق نجاحاً لا بأس به، وقد تأثر الكثيرون بل بكوا لفراق سيدنا عمر للحياة بعد أن سدد له أبو لؤلؤة المجوسي عدة طعنات من خنجره المسموم على حين كان سيدنا عمر يؤم المصلين في صلاة الفجر بالمسجد، وعندما كان يتلو وصيته على رجال الدولة لإتباع السبيل القويم في الحكم.

احتجاج وتحريم ودعوى
ما أن بُث «البرومو» الأول للعمل حتى أصدر الأزهر بيان أعلن فيه رفضه لظهور الصحابة على الشاشة، وحاولت عدة دول عربية تنظيم تظاهرات احتجاجية بعد إشهار فتوى تحريمية لعرض المسلسل، والبداية من السعودية الذي بددت فيها قوات الأمن تظاهرة أمام مبنى مجموعة الإم بي سي في الرياض، ووجه مفتي الديار السعودية رسالة إلى الفضائيات مفادها أن يتقوا الله وألا ينفقوا أموالهم في الباطل، لأن هذا خطأ وجريمة، مؤكداً أن كل من تبنى فكرة هذا المسلسل ومن شارك فيه مخطئ، معللاً أن هذه الأعمال التي تتناول سيرة حياة الصحابة والأنبياء لا يرجى منها خير، وانضم ثري سعودي إلى هذه الحملات معلناً استعداده التكفل بتقديم الأموال التي أنفقت على إنتاج المسلسل مقابل وقف عرضه.
وجاءت فتوى التحريم في الإمارات من هيئة كبار العلماء ونصت الفتوى على أن الصحابة وتحديداً الخلفاء هم جميعاً في محل القداسة والتبجيل، وقالت إن الازدراء بهم، بأي طريقة يعد طعناً في الدين، واستفزازاً لمشاعر المسلمين.
أما في الكويت فرفضت محكمة كويتية البت في قضية رفعها محامٍ كويتي على مجموعة إم بي سي.
وفي مصر أقام أحد المحامين دعوى قضائية لمنع عرض لمسلسل مستنداً إلى عدم شرعية تجسيد شخصيات الصحابة، وطالب في دعواه بوقف القناة التي ستقوم بعرض المسلسل ووقف أي قناة أخرى ستقوم ببثه.
وبعيداً عن الفتاوى.. اعتبر بعض الكتّاب أن العمل قصة درامية وليست تاريخية إذ إنها بعيدة عن الأحداث التاريخية الحقيقية كما يقولون، فتجد في المسلسل أحداثاً وعناوين تاريخية حقيقية لكن في محتواها ونصها وتمثيلها مجردة من الحقائق ومتسلسلة من أجل أن تلفت انتباه الشباب الجيل الجديد الذي بدأت ثقافته تسمى ثقافة المشاهدة لا ثقافة القراءة والذي مرجعه يكون مسلسل عمر وفيلم الرسالة فقط دون أن يلتفت إلى ما تحويه هذه الأعمال.
وفي السياق ذاته تقدّم المخرج الإيراني رضا كرشاسبي بدعوى قضائية على حاتم علي قائلاً: إنه هو مَن كتب سيناريو المسلسل على حين نسبه مخرج العمل إلى نفسه، وإن قصة «عمر» كتبت على أساس سيناريو فيلم «أبو طالب».
كما دشن عدد كبير من الناشطين على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» حملات على المسلسل طالبوا فيه بوقف عرضه على الفضائيات، ومحاسبة القائمين عليه، لما رأوه فيه من تجاوز تجاه صحابة رسول الله، وأكدوا أن المسلسل يقوم بتشويه صورة الفاروق عمر بن الخطاب، معبرين عن قلقهم من جهة أخرى من ارتباط اسم الصحابي باسم الممثل الذي جسد الدور.
في هذه الأثناء قال حاتم علي إن العمل يهدف إلى نشر رسالة الإسلام السامية، وقيم التسامح والمحبة والعدل والإحسان التي عمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على نشرها خلال خلافته، وهو ما سيساهم في تغيير الفكرة المغلوطة التي رُسمت في ذهنية بعض المجتمعات الغربية عن الإسلام والمسلمين.

رأي معتدل
وكان للدكتور سلمان بن فهد العودة أحد أعضاء الهيئة الشرعية المشرفة على العمل رأي معتدل وقال إن دور اللجنة كان تاريخياً، وإن الذي كتب النص هو وليد سيف وهو منتمي للتاريخ الإسلامي ومحب للخلفاء الراشدين، وسبق له أن قدم مجموعة أعمال منصفة.
وتابع: إن هناك فرصة بتغيير عقليات الناس وتوجيهها عن طريق الأعمال الهادفة، ليس بالضرورة أن تكون وعظاً مباشراً، ولكن تحمل رسالة إيجابية جيدة، وأظن أن مثل هذه الأعمال قيمة، والرقابة للمجتمع وليست للسلطة الدينية، والمشاهد هو الحكم، وهذا جزء من الحراك الإيجابي، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن في هذه الأشياء اختلافاً، الخلاف موجود ونحترمه، لكن يجب ألا نحوله من خلاف فقهي إلى منصة لفرض الآراء، البعض يراه مباحاً من منطلق شرعي بل يرون فيه خيراً كبيراً. وختم بالقول: الآن هناك ميدان منافسة، وإذا لم تقم أنت بالعمل قام به غيرك. الآن هناك صراع إعلامي مع الغرب، ونشر عادات ومفاهيم منحرفة، يراها الناس ويتأثرون بها ويطبقونها من خلال التلفاز، ولاسيما على الأطفال في سن التكوين والغضاضة.

وجه جديد وخطأ فادح
اعتمد المخرج حاتم علي على الوجه السوري الجديد سامر إسماعيل لأداء دور الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لأنه لم يسبق له الظهور في أي عمل، في محاولة منه لتجاوز أي إشكالات حول التاريخ الفني والشخصي للممثل، ومن ثم تجنب انتقادات وجهت لأعمال أخرى.
ورغم أنه أمن انتقادات هذه النقطة بالذات، فإن الجدل تواصل حول مدى مقدرة ممثل مبتدئ عملياً على أداء دور بهذه الضخامة لشخصية بهذا الوزن الديني والتاريخي والإنساني، ويعتبره البعض أكبر دور يسند لممثل في تاريخ الدراما والسينما العربية حتى الآن.
ويُعتقد أن أكبر الأخطاء التي وقع فيها المخرج دبلجته صوت سامر إسماعيل واستبداله بصوت الفنان الأردني أسعد خليفة صاحب الصوت الهادر، وهذا ما جعل شخصية عمر فنياً شخصية آلية غير مبهرة تتحرك بنمط واحد، وتتكلم بطبقة صوت واحدة لا تتغير بتغير المواقف، فبدت شخصية عمر غير جذابة، ومرتبكة، وغير معبرة كما يجب عن صاحب الشخصية الأصلية.

تساؤل مشروع
بعد نيله الموافقة من لجنة علماء دين متخصصين، اشترطت هذه اللجنة على الممثل سامر إسماعيل عدم تأدية أي دور لسنوات عدة أو ربما مدى الحياة سواء على مستوى الظهور التلفزيوني أو السينمائي أو المسرحي أو حتى الإذاعي، إلى أن ينسى الناس تقمصه شخصية الفاروق «عمر» صاحب الشخصية الفذة والمؤثرة في التاريخ الإسلامي.
لكن المثير للجدل هو عدم الاشتراط على غسان مسعود الذي لعب دور الصحابي أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه وأول الخلفاء الراشدين وهو صديق الرسول صلى الله عليه وسلم ورفيقه في درب الهجرة والملاذ في غار ثور ومُصدِّقه وناصره.
والكلام نفسه ينطبق على الممثل السوري تامر العربيد الذي أدى دور عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين الذي بذل نفسه وماله وجاهه في نصرة الإسلام، والممثل التونسي غانم الزرلي الذي أدى دور علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو رابع الخلفاء الراشدين وابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي شهد الغزوات مع الرسول الأعظم وكان له شأن عظيم، وأظهر شجاعة عجيبة، وأعطاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اللواء في مواطن كثيرة.
والسؤال: لماذا لم تسر الشروط التي فرضت على مؤدي شخصية الفاروق عمر على بقية مؤدي باقي الخلفاء الراشدين؟

مساحة محدودة
لم ينجز الكاتب وليد سيف نصه إلا بعد 600 يوم تقريباً من البحث والكتابة من خلال القراءة والاعتماد على المراجع والمصادر الجديدة منها والقديمة للوقوف على الحقائق التي تعشش في بطن التاريخ.
وحافظ الكاتب في نص المسلسل وحواراته على طريقته المعتادة في جُلِّ أعماله، من حيث تثقيف الحوار الدرامي، وضخ مفاتيح العمق والتأمل في تلك الحوارات.
وكتب وليد سيف حواراته انطلاقاً من وعي حقيقة الزمان، أي نهايات العصر الجاهلي وبدايات الدعوة الإسلامية، وهي مرحلة الشعر الجاهلي وتعليق عيون القصائد على باب الكعبة، والدراما في سياق كهذا لا تحتمل أن تأتي بلغة عادية ولا حتى جميلة، بل لغة متفوقة تنافس الصورة على رغم جبروت الصورة وجاذبيتها، لنعثر على الكثير من ذلك في سلاسة التعبير وفي الاختيارات الصائبة للمفردات، ولكن بالأخص في الحوارات التي تزاوج بين البلاغة كجماليات شكلية، وبين المعنى والمضمون، كمواقف للبشر في عيشهم وصراعاتهم واختلافاتهم.
ورغم أن الدراما ليست مجالاً ملائماً تماماً لإبراز ما يمكننا أن نسميه لغة حوار، ولكنها مع ذلك لا تحقق جماليتها من دون هذه اللغة، هذه الجمالية تعني تحقيق حيوية الحوار وتناغمه مع الوقائع الدرامية بذلك المعنى الذي يحقق التوازن بين الفكرة والمعنى، وبين الصورة والتاريخ بملامحه الكثيرة.
وبالتأكيد فإن هذا المسلسل هو أصعب عمل قدمه الكاتب في حياته، لأن مساحة السرد الدرامي محدودة جداً بالنظر إلى أهمية الشخصيات في ذاك الزمان.
يذكر أن وليد سيف شاعر وكاتب قصة قصيرة فلسطيني فضلاً عن كونه من أشهر مؤلفي الدراما التاريخية وله الكثير من الأعمال في هذا المجال ومنها: الزير سالم، الخنساء، شجرة الدر، صلاح الدين الأيوبي، ربيع قرطبة، ملوك الطوائف، التغريبة الفلسطينية، صقر قريش وغيرها من الأعمال الدرامية السورية.

بذخ إنتاجي
من الجوانب المبهرة في المسلسل هذا البذخ في الإنتاج، من تصميم للديكورات والمناظر من صنع المهندس ناصر الجليلي، حيث شكلت هذه الرؤية عامل إبهار على مستوى عالٍ في الدقة والتنفيذ ومراعاة التفاصيل الصغيرة.
وأجريت معاينات في المغرب استغرقت 20 يوماً حتى تم الاستقرار على مكان يتطابق بنسبة 90% لشكل مكة قبل الإسلام، وتم بنائها كاملة في نحو مئة يوم بشكل مدروس بدقة لمراعاة الفروق والمسافات بين المنازل والكعبة وزوايا الكادرات.
كما استغرق فريق العمل نحو شهرين في بناء المدينة المنورة في دمشق، كما أن بناء قصر كسرى في إستوديوهات خاصة بالمسلسل في دمشق، استغرق نحو سبعة أشهر وكان به 160 باباً، و360 شباكاً، وتم زرع 70 نخلة أمامه، هذا السخاء الإنتاجي غير المسبوق كلف نحو 200 مليون ريال سعودي.
وتطلّب تصوير العمل بأكمله 170 يوماً، ذهب 50 منها لتصوير المعارك وحدها، والمشاهد الدرامية استغرق تصويرها أكثر من 120 يوماً، وكلا النـــوعين من المَشاهد يحتاج أيضاً إلى كومبارس.. والكومبارس لم يستــخدم فقـــط في المعارك بل في مشاهد أخرى درامية، كالطواف حول الكعبة، وفي المســـجد النبوي، وفي فتـــح مكة، وكذلك في المشاهد الخارجية، ومسيرات الجيوش، بمعنى أن هناك نحو 300 إلى 400 كومبارس يومياً في المشاهد العادية.

نقلة نوعية
في عام 1977 أحدث فيلم «الرسالة» للمخرج الراحل مصطفى العقاد نقلة سينمائية نوعية من خلال محاكاته لفترة الرسالة النبوية، وتناول وقتها مختلف الأحداث والتحولات التي مرت بها الدعوة منذ انطلاقتها.
كما تم رصد قصص إسلام بعض الصحابة في فترة البعثة التي كقصة بلال وعمار بن ياسر وحمزة ووحشي وخالد بن الوليد، وما تخلل ذلك من أحداث وصولاً إلى الفتح العظيم فتح مكة.
وقد ظهر الفيلم بنسختين عربية وإنكليزية حيث قام الفنان المصري عبد الله غيث بأداء دور حمزة بن عبد المطلب في النسخة العربية، على حين قام بأدائها في النسخة الإنكليزية الفنان العالمي أنطوني كوين.
ولم يكن الفيلم وقتها أفضل حالاً من «عمر» فوقف الأزهر ومعه بعض المؤسسات الدينية في العالم العربي موقفاً مناهضاً للفيلم، ويمكن تفهم ذلك بحكم أنها التجربة الأولى في إنتاج أعمال سينمائية حول بداية الرسالة، لكن الخلاف الرئيسي دار حول تجسيد أدوار شخصيات لبعض الصحابة أمثال حمزة بن عبد المطلب وخالد بن الوليد.
وتعرض المخرج مصطفى العقاد لانتقادات لاذعة، ولكن بعد عرضه وجد الدعاة الإسلاميون أن الفيلم حقق للدعوة الإسلامية الكثير. كما قدمت الدراما الإيرانية مجموعة من المسلسلات بينها مسلسل عن النبي يوسف عليه السلام، وآخر عن السيدة مريم العذراء، وثالث عن الحسن والحسين، وتستعد السينما الإيرانية الآن لإطلاق أول فيلم عن الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) نفسه في العام المقبل.

وأخيراً
إننا كأمة عربية وإسلامية نحمل تاريخاً زاهراً وحضارياً، أحوج ما نكون قي هذا الوقت بالذات إلى إعادة نسج التاريخ وتقديمه بطرق مختلفة ليكون عبرة لنا نحو مستقبل أفضل.
فالواقع الثقافي العربي أصبح بحاجة ماسة لتذكيره بالرموز الدينية التي كان لها الأثر الكبير في صنع التاريخ الإسلامي، وبالتالي مخاطبته عبر وسائل متطورة بعيداً عن التقليدية والنمطية.