مصر تطوي صفحة "مباحث أمن الدولة"

قرر وزير الداخلية المصري منصور العيسوي، أمس، حل جهاز مباحث أمن الدولة السيء السمعة، مستجيباً بذلك لأحد المطالب الرئيسية لـ«ثورة 25 يناير»، فيما تواصلت الاستعدادات لإجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية يوم السبت المقبل، والتي رفضها حتى الآن معظم أحزاب المعارضة المصرية، بما في ذلك «ائتلاف شباب الثورة»، باستثناء جماعة «الإخوان المسلمين».
في هذا الوقت، وصلت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى القاهرة، في أول زيارة تقوم بها لمصر منذ «ثورة 25 يناير»، حيث من المتوقع أن تلتقي عدداً من المسؤولين، على رأسهم رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي، لبحث المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر بعد رحيل الرئيس حسني مبارك.
وأصدر العيسوي قراراً بـ«إلغاء جهاز مباحث امن الدولة بكافة إداراته وفروعه ومكاتبه في جميع محافظات الجمهورية»، كما قرر «إنشاء قطاع جديد في وزارة الداخلية يسمى قطاع الأمن الوطني يختص بالحفاظ على الأمن الوطني والتعاون مع أجهزة الدولة المعنية لحماية الجبهة الداخلية ومكافحة الإرهاب وفقا لأحكام الدستور والقانون ومبادئ حقوق الإنسان وحريته».
وأشار العيسوي، في قراره، إلى أن «اختيار وتسكين ضباط القطاع الجديد سيتم خلال الأيام القليلة المقبلة ليؤدي ذلك الجهاز دوره في خدمة الوطن، من دون تدخل في حياة المواطنين أو ممارستهم لحقوقهم السياسية»
ويطالب المتظاهرون، منذ سقوط مبارك، بحل هذا الجهاز الذي ينسب إليه العديد من «الجرائم»، من بينها الاعتقال والتعذيب حتى الموت، والاختفاء القسري، فضلا عن مراقبة الهواتف الشخصية والحياة الخاصة للمعارضين، واتساع نفوذه وتدخله في كافة قطاعات الدولة وخصوصا التعليمية والإعلامية.
في هذا الوقت، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم مرسوما بقانون يسمح بالتصويت في الاستفتاء على التعديلات الدستورية يوم السبت المقبل من خلال الرقم القومي. وأوضحت الحكومة المصرية أنه استناداً إلى هذا الإجراء يجوز لمن يوجد في وقت الاستفتاء في غير محل إقامته الثابتة في الرقم القومي أن يبدى رأيه في التعديلات الدستورية لدى أقرب لجنة استفتاء في المكان الذي يوجد فيه.
وفي السياق، قال رئيس اللجنة القضائية العليا المكلفة الإشراف على الاستفتاء محمد عطية انه «إذا تم رفض التعديلات الدستورية فإننا سنكون امام فراغ تشريعي سيتم سده من خلال مرسوم يصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة»، موضحاً أن هذا المرسوم سيتخذ شكل إعلان دستوري محدود يحدد معالم الفترة الانتقالية التي ستقود إلى سلطة جديدة ودولة مدنية حديثة.
واعلنت أحزاب وقوى سياسية عديدة، بما فيها ائتلاف شباب الثورة، رفضها للتعديلات الدستورية، معتبرة أنها غير كافية، وطالبت بوضع دستور جديد للبلاد، فيما اتخذت جماعة «الإخوان المسلمين»، وهي القوة السياسية الأكثر تنظيماً في البلاد، موقفاً مغايراً، حيث دعت إلى التصويت لصالح التعديلات الدستورية، باعتبارها خطوة أولى نحو إرساء الديموقراطية.
ودعا معارضون وحقوقيون مصريون إلى تنظيم احتجاج على التعديلات الدستورية يوم الجمعة المقبل. وصدرت الدعوة لتظاهرات الاحتجاج خلال مؤتمر حضره ممثلون عن «حزب الجبهة الديموقراطية» الليبرالي، وحزب «التجمع» اليساري، والحزب الشيوعي المصري، و«ائتلاف شباب الثورة»، و«الجمعية الوطنية للتغيير»، وحركة «مصريات من أجل التغيير»، و«المركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية».
من جهته، شدد المرشح البارز للرئاسة المصرية محمد البرادعي، في تعليق كتبه على موقع «تويتر»، على أن «نظاماً جديداً يساوي دستوراً جديداً تعده لجنة تعـكس كافة الآراء والاتجاهات، وتعبر عن الإرادة الوطنية»، معتبراً أن «استمرار العمل بدستور مبارك يمثل اهانة للثورة».
وأشار البرادعي إلى أنه «حتى خلال الستة أشهر المقررة يمكن إعداد دستور ديمقراطي جديد»، متسائلاً «لماذا العجلة على حساب الديمقراطية؟». وأضاف «بعيداً عن خلط الحقائق، فإن التصويت بنعم لصالح لتعديلات يعني انتخابات في ظل دستور سلطوي ومشوه وانتخاب لجنة لوضع دستور جديد من برلمان لا يمثل كافة أطياف الشعب»، مطالباً باختيار «لجنة لوضع دستور جديد إما بالانتخاب أو بتعيين شخصيات لها مصداقية ممثلة لكافة طوائف الشعب واتجاهاته كما تم في العديد من الدول... لن نخترع العجلة».
من جهة أخرى، وصلت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى القاهرة، بعد ظهر أمس، في اول زيارة لها إلى مصر منذ قيام «ثورة 25 يناير» وسقوط نظام مبارك في 11 شباط.
واستهلت كلينتون زيارتها لمصر بإجراء محادثات مع وزير الخارجية المصري الجديد نبيل العربي، على أن تلتقي المشير طنطاوي، ورئيس الحكومة المصري عصام شرف، وعدد من الشخصيات السياسية.
وقالت كلينتون، عقب لقائها مع العربي، إنه من الضروري أن يتواكب الإصلاح السياسي في مصر مع الإصلاح الاقتصادي. وأوضحت «أجرينا محادثات شاملة تطرقت أيضا للموقف الاقتصادي في مصر بشكل خاص، لأننا نعلم أنه من الضروري أن تتواكب الإصلاحات السياسية مع الاقتصادية».
وأشارت كلينتون إلى أن محادثاتها مع نظيرها المصري تناولت سبل إجراء انتخابات نزيهة في مصر بشكل يؤدي إلى انتخابات نيابية ورئاسية ناجحة. وأضافت «سرني النقاش الذي أجريته مع وزير الخارجية والذي تعرض أيضا لضرورة إعادة بناء جهاز الشرطة. كما أكدت كلينتون أن محادثاتها في القاهرة تناولت سبل خفض أعداد البطالة في مصر، مشيرة إلى أنها اصطحبت معها في زيارتها لمصر شخصيات اقتصادية أميركية لبحث سبل التعاون الأميركي مع مصر في هذا الاتجاه.
وتابعت «نرى مصر، أم الدنيا، تنهض، وتشهد ميلادا للديموقراطية، أهنئكم على ذلك». ووعدت بدعم القرار الذي يتوصل إليه المصريون بشأن مصيرهم الديموقراطي.
وكان «ائتلاف شباب الثورة» أعلن مقاطعته الزيارة نظراً لـ«الدور السلبي» للإدارة الأميركية تجاه «ثورة 25 يناير» وما يجري في المنطقة العربية، فيما قال المتحدث باسم «الإخوان المسلمين» عصام العريان إن الجماعة لم تتلق دعوة للاجتماع مع كلينتون، كما أنها سترفض لقاء كهذا في حال دعيت إليه، محذراً من أن أي تدخل أميركي سيجهض الثورة المصرية ولن يدعمها.
وقال مسؤول أميركي طلب منه تلخيص رسالة كلينتون خلال الزيارة إن «ما سيحدث لاحقا هو على ذات القدر من الأهمية لما حدث من قبل، فالانتقال إلى الديموقراطية صعب ولا يؤدي إلى نتائج بين عشية وضحاها، ولا ينتهي مع أول انتخابات ناجحة».