مصر... ثوار 25 يناير يطالبون المجلس العسكري بتسليم السلطة

عاد ثوار "25 يناير" بمظاهرة جديدة في ميدان التحرير بقلب العاصمة المصرية أمس في مظاهرة دعت إليها قوى سياسية شبابية وشارك فيها 18 ائتلافا وحركة سياسية، للمطالبة بتسليم السلطة إلى رئيس وبرلمان مدنيين منتخبين في موعد أقصاه (أيار) المقبل.
وفي الوقت ذاته، يخشى كثيرون من إجراء الانتخابات في ظل حالة الانفلات الأمني التي تشهدها البلاد، بالإضافة لتأهب قيادات سابقة في حزب مبارك التنافس في الانتخابات المقرر إجراؤها نهاية الشهر المقبل.
ومنذ يوم 28 كانون الثاني الماضي انهار جهاز الشرطة الذي اعتمد عليه نظام مبارك في مواجهة خصومه السياسيين، وسط اتهامات القوى السياسية بضلوع قيادات شرطية في بقاء حالة الانفلات الأمني، وشيوع ظاهرة البلطجة في الشارع المصري.
وكانت القوى المعارضة لنظام مبارك تتهم الشرطة المصرية ومرشحي الحزب الوطني (المنحل) بالاستعانة بـ"البلطجية" خلال انتخابات البرلمان. وفي أعقاب الثورة المصرية استضافت فضائيات مصرية خاصة عددا من "مسجلي الخطر" الذين قالوا إن ضباط شرطة كانوا يستعينون بهم خلال الانتخابات، لإفساد عمليات الاقتراع في الدوائر التي يوجد بها منافسون أقوياء لمرشحي حزب مبارك.
وأكد الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة المحسوب على التيار السلفي، استعداده للدخول في اعتصام مفتوح بالميدان حتى وضع جدول زمني يتضمن تسليم السلطة لرئيس منتخب، وطالب أنصاره الموجودين في ميدان التحرير بالاعتصام، مشددا على ضرورة الدعوة لإجراء الانتخابات الرئاسية في 30 نيسان المقبل.
واحتشد أكثر من خمسة آلاف متظاهر في الميدان من التيارات المختلفة في مقدمتهم شباب ائتلاف ثورة "25 يناير" وحركة شباب "6 أبريل" ومختلف الأحزاب ومواطنون من غير المنتمين إلى أي تيارات سياسية للمشاركة في جمعة "المطلب الواحد".
لكن جماعة الإخوان المسلمين ومعها الجماعة الإسلامية رفضت المشاركة، وقالت إنه ينبغي إعطاء السلطات فرصة لتلبية مطالب الثوار، في ظل وعود من المجلس العسكري والحكومة بتحقيق ذلك، وعلى الرغم من مشاركة ائتلافات وجبهات داخل الدعوة السلفية في المظاهرة؛ فإن حزب النور السلفي رفض المشاركة.
من جانبه، قال محمد ماهر، عضو ائتلاف شباب الثورة لـ"الشرق الأوسط" إن "الحركات والأحزاب اتفقت على تحديد مطلب واحد للمجلس العسكري بتحديد موعد أقصاه 5 نيسان المقبل لبدء إجراءات الترشح لانتخابات رئاسة مصر، على أن تجرى الانتخابات 5 أيار المقبل".
وبلغ عدد المنصات بالميدان منصتين، حيث رفع المتظاهرون أمامهما المصاحف واللافتات التي تنادي بإحياء التراث الإسلامي، وغلب القرآن الكريم والأناشيد الدينية على المنصة الأولى، بينما اعتمدت القوى السياسية على الهتافات الثورية والأغاني الوطنية في الثانية.
وقام المتظاهرون بعمل جنازة رمزية للأحزاب المصرية، وحملوا نعشا كتبوا عليه "الأحزاب المصرية طراطير الثورة"، وعن النعش قال عمرو عبد الرحمن، عضو تحالف ثوار مصر لصحيفة "الشرق الأوسط" إن "النعش يمثل وفاة الأحزاب والقوى السياسية لأنهم يتصارعون على السلطة متجاهلين الفقراء ويتاجرون بدم الشهداء والثورة التي راح ضحيتها المئات".
واستمرت حركة سير السيارات بشكل طبيعي داخل الميدان، وقام المتظاهرون بتوزيع أنفسهم على إشارات الميدان لتنظيم حركة المرور، خاصة في ظل غياب رجال الشرطة ورجال القوات المسلحة عن الميدان.
وحذر الشيخ حازم صلاح من إقدام المجلس العسكري (الحاكم) على إلغاء الانتخابات البرلمانية، ورفض أي وضع مميز للمؤسسة العسكرية في الدستور الجديد للبلاد، قائلا: "هذا الأمر دونه أعناقنا، فنحن لا نقبل أن يأتي فصيل ليؤدي خدمة ثم تصبح له سلطة فوق أعناق الناس"، مؤكدا أنه في أن اللحظة التي سيصدر فيها المجلس العسكري قرارا بإيقاف الانتخابات البرلمانية ستكون شرارة البدء لينطلق بعدها الشعب دون انتظار أي شيء.
وقال أبو إسماعيل "علمنا بنية المجلس العسكري في اتخاذ قرار بإلغاء الانتخابات البرلمانية حال حدوث اضطرابات أثناءها". وتابع: "هذا الميدان هتف للجيش، كما لم يهتف أحد من قبل؛ لكنهم أخذوا الهتاف لتأجيل تسليم السلطة لأهل البلد"، محذرا من مخاطر بقاء الجيش في السلطة.
وقال داود حسن، عضو اللجنة التنسيقية لجماهير الثورة لـ"الشرق الأوسط": "نطالب برفض ترشح أي عسكري في الانتخابات الرئاسية، وإقالة أسامة هيكل، وزير الإعلام، من منصبه المتهم بالتحريض على الفتنة الطائفية في أحداث منطقة (ماسبيرو) الأخيرة"، مضيفا "إننا لا نسعى لخروج الجيش من السلطة الآن إنما نطالب بجدول زمني واضح ومعقول".
وفي خطبته بالميدان، أكد الشيخ مظهر شاهين، إمام وخطيب التحرير أن المطالبة بجدول زمني لتسليم السلطة في موعد أقصاه نيسان (أبريل) المقبل ليست من باب تخوين المجلس العسكري؛ إنما من باب أحقية الثورة والشعب في معرفة المستقبل. وطالب خطيب الثورة، بضرورة تشكيل مجلس مدني يتفاوض باسم الثورة المصرية، ليس من شأنه أن يحكم؛ ولكنه يعبر عن الثورة. كما طالب بضرورة تجميد الأحزاب التي خرجت من عباءة الحزب الوطني (المنحل) واستبعاد رموزه عن الحياة السياسية.
وفي ذات الشأن، انطلقت مسيرة تضم المئات من ميدان الجيزة إلى ميدان التحرير شارك فيها نشطاء، مرددين شعارات طالبوا فيها بتنحي المجلس العسكري وتسليم السلطة للمدنيين، ووقف المحاكمات العسكرية للثوار، وتطبيق قانون الغدر وعزل أعضاء الحزب الوطني السابقين سياسيا.
وشهدت محافظات مصر مسيرات ومظاهرات للتأكيد على المشاركة في مظاهرة "المطلب الوحيد"، ففي الإسكندرية شهد ميدان القائد إبراهيم مشاركة الآلاف في جمعة "المطلب الوحيد"، وقام الشيخ أحمد المحلاوي بإلقاء خطبة الجمعة التي حث فيها على وحدة الصف ونبذ الفرقة بين المصريين في اختيار مرشحي الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، مشيرا إلى أنه أيضا تقع أمانة أثقل وأشد على المرشحين أنفسهم، لأنهم معرضون لإغراءات، ولا بد أن يكونوا على قدر تلك الأمانة.
وعلى الرغم من مشاركة القوى السياسية في الانتخابات المقبلة تقول قياداتها إن هذا النظام المختلط يسمح لمن يسمونهم بـ"فلول الحزب الوطني (المنحل)" بالمنافسة على مقاعد البرلمان مستغلين العصبيات العائلية والقبلية والمال السياسي، وهو ما ينذر باستخدام "البلطجية" مرة أخرى. وطالبت القوى السياسية بإصدار مرسوم بقانون للعزل السياسي يحرم قيادات وكوادر حزب مبارك الذي قضت محكمة مصرية بحله لإفساده الحياة السياسية في البلاد، من العمل السياسي لعامين. وكان المجلس العسكري قد وعد عددا من رؤساء الأحزاب المصرية بإصدار المرسوم، لكن الدكتور عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء، قال على صفحته الخاصة على الموقع الاجتماعي "فيس بوك"، قبل يومين، إن العزل السياسي في يد الناخب المصري، مما قد يشير إلى التراجع عن إصدار القانون.
وكانت قيادات وكوادر من الحزب الوطني (المنحل) قد هددت، في وقت سابق، بأن تشعل صعيد مصر إذا أصدر المجلس العسكري قانون العزل السياسي. وتأهبت تلك القيادات لخوض المنافسة على المقاعد الفردية، كما نجح عدد منهم في تأسيس أحزاب سياسية تخوض المنافسة من خلال القوائم الحزبية، وسط خشية القوى السياسية من عودة قيادات النظام السابق إلى البرلمان مرة أخرى.
وبينما قال أحد قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة في تصريحات صحافية إن الدولة ستضرب بيد من حديد كل من يحاول عرقلة العملية الانتخابية والتأثير على سيرها بصورة آمنة، أكدت مصادر مطلعة لـ"الشرق الأوسط" أن عددا من "البلطجية" المشهورين في المناطق الشعبية بالقاهرة حصلوا بالفعل على مبالغ مالية تصل إلى 5 آلاف جنيه (نحو ألف دولار) لكل منهم كمقدم لمعاونة مرشحين محسوبين على نظام مبارك في معركتهم الانتخابية.
وأشارت المصادر إلى أن المقابل المادي لـ"البلطجية" وصل إلى نحو 30 ألف جنيه لكل مجموعة منظمة، بالإضافة إلى السيدات اللاتي يستخدمن في الاعتداء على الناخبات أمام اللجان الانتخابية للضغط عليهن للتصويت لصالح مرشح بعينه.
شام نيوز - صحف