مصر و سوريا

 

قطعاً هناك ما يشد المصريين إلى سوريا، ربما رباط قديم كان يوماً أيام الوحدة التي مضت سريعاً، ربما شعور بالامتداد إلى الشمال إلى فكرة الشام القديمة التي كان يصل إليها قطار الشرق السريع قبل أن تقطعه إسرائيل، ربما لتقارب اللهجة والعادات والتقاليد والأمثال الشعبية، تزاوج بين أسر مازالت تحمل هنا أسماء شامية خاصة في دمياط عندما كان الميناء الشرقي المصري الأول وجذور أسماء مصرية لأسر هناك، صحافة وأدب وسينما ومسرح وغناء اختلط عبره السوري بالمصري حتى ذاب الخط الفاصل بينهما عبر الأيام والسنين، هزيمة قصمت ظهر الاثنين وانتصار مبهر تلاها أزال مرارتها، وأرواح شهداء صعدت إلى بارئها في نفس اللحظة، هناك عام ومشترك وواحد يجعل من المستحيل تصور مصر بدون سوريا أو سوريا بدون مصر.

ينتابني هذا الشعور دائماً كلما قمت بزيارة الى سوريا ومنذ أيام عدت من زيارتي الثانية لها رصدت عبرها مشاهد سورية لم تغب مصر عن معظمها، في اللاذقية مثلاً لاحديث إلا عن قافلة «شريان الحياة» التي وصلت منذ أيام إلى ميناء العريش تمهيداً لدخول حمولتها إلى غزة وتسليم مساعداتها لأبناء القطاع المحاصرين، الحديث لا ينقطع عن التواصل مع وزارة الخارجية المصرية لتذليل العقبات وتنسيق الجهود لإنجاح مهمة القافلة التي انتهت بالنجاح فعلاً، الحافلات الضخمة تتحرك باستمرار فى شوارع اللاذقية في اتجاهها إلى الميناء حاملة كل أنواع المساعدات من الشعب السوري إلى الشعب الفلسطيني هناك.

مصر من جديد في الصحافة السورية ولكن هذه المرة الحديث عن الدراما المصرية التي– كما يقولون– انتقلت بعض أمراضها إلى الدراما السورية أو في سبيلها إلى الانتقال الذى لا سبيل إلى مواجهته، ومنها تضخم النجم السوري وتنامى شعوره بالنجومية ومطالبته بأجر لم تشهده الدراما السورية من قبل وتدخله في اختيار المخرج واعتراضه على الخيارات التي يقدمها الكاتب وشركة الإنتاج حتى لو تناقض ذلك مع النص المكتوب،

يقولون: إن سقوف الأجور مازالت تُرفع والملايين تُدفع والبون يتسع بين أجور الصف الأول والثاني والثالث وهو ما لم يكن حادثاً في الدراما السورية، المصريون شطّار في التسويق بينما شروط تسويق العمل السوري صعبة لذا فمن غير المنطقي أن يطالب نجم سوري بما يحصل عليه نجم مصري أو أن يحصل في مصر على أجر يتعدى الملايين، يقولون: إن الدراما السورية تفرط في أعز ما تملك وهي ميزة البطولة الجماعية التي أعطتها من قبل ورقة رابحة، والنصوص باتت في خدمة رأس المـال بعـدما كـان النـص هـو السيـد فـي الدراما السورية وبدأت النصوص الهزيلة والضعيفة التكنيك تجد طريقها إليها.

الأسعار– مثلنا- ترتفع هي الأخرى في اللحوم والخضروات  في سوريا يقولون إنها ارتفاعات جنونية، البندورة على وجه التحديد- أي الطماطم- أصبحت حديث الساعة، لماذا؟ لأن التجار يصدرونها إلى البلدان المجاورة مثل الأردن والعراق ووصلت أسعارها إلى مايقرب من خمسة جنيهات مصرية وهي سابقة غير معهودة بالنسبة لهم وانتقل الحال إلى بقية الخضروات وإلى الفاكهة، الأغنام ولقرب عيد الأضحى تُصدر إلى السعودية وترتفع أسعارها تبعاً لذلك، التصدير وجشع التجار ضيق الحال على الأسر محدودة الدخل وارتفعت أصواتها تطالب بإحكام الرقابة الحكومية على الأسواق.

القطن أيضاً– مثلنا– أصابه جديد فى سوريا، في هذا الصيف ارتفعت حرارة الجو إلى درجة غير مسبوقة وزادت بمعدل من ٥ إلى ٩ درجات عن معدلاتها الطبيعية مما أدى إلى فقدان ما مقداره نحو ٥٠% من الحمل الثمري للنبتة الواحدة في معظم حقول القطن السوري، ومع نقص الإنتاج ارتفعت أسعاره ارتفاعاً لم تشهد مثله خلال عقود من الزمان كما يقولون، وبالتالي ارتفعت معه أسعار الملابس القطنية السورية التي تتميز بها السوق السورية وأصبحت الصناعة المحلية في ورطة, خاصة وهي لاتستطيع رفع أسعارها التصديرية خوفاً من فقدان المنافسة في الأسواق الخارجية، لذا فإن المطالبة بتقديم دعم استثنائي حكومى لصناعة النسيج في سوريا يتصاعد باستمرار.

على جدران وزارة التعليم العالي السورية إعلان عن مشاريع بحثية مشتركة مصرية سورية في مجال تدوير المخلفات وتصنيع غذاء الحيوان وإنتاج اللقاحات والأمصال وغيرها، وكان من المفترض أن يستقبل الإعلان مشاركات الباحثين السوريين والمصريين، اختلطت السياسة بالبحث العلمي فلم يتقدم أحد من مصر، شىء مؤسف.



د.درية شرف الدين

المصري اليوم