مصطفى علي .... استمرار للفينيقيين

مصطفى علي

 

رامان ال رشي - شام نيوز

كان يحمل الحجر و الطين على ظهره و ينزل بهما  تحت الأرض ليخرجهما إلى النور شكلا آخر و منحوتة  قادرة على أن تنقل ما يفكر وما يشعر به ،  فالفرد عنده قادر على تغيير التاريخ مثل الأنبياء و الفلاسفة ،  و هو برأيه  قادر على ذلك  بواسطة فنه  ،  لا سيما أن عمله الفني كان و مازال يتصل بالحضارات القديمة  ....

بدأ النحات مصطفى علي من أوغاريت  ، و ارتبط بها ارتباطا وثيقا ، فهو يشعر بانتمائه إليها في اللاوعي باعتبار أنها تخلق  في داخله شيء  قديم  ومدفون لارتباطها بجذور تاريخية فينيقية وبسبب معدنهم ( البرونز ) و ما تميز به الفينيقيون من  فنون تهتم بالطابع الروحي الجوهري على حساب الشكل ..

مع بداية التسعينيات بدأ الفنان السوري بمشاركة أساتذته بمعارض فنية  مهمة كالفنان نذير نبعة و الفنان فاتح المدرس ثم وجد نسفه فجأة عالقا في شباك التكرار ، فوجد السفر الحل الوحيد ليوسع آفاقه و ينفض الغبار عن تفكيره  ، و قرر السفر إلى إيطاليا لمدينة كرارا و أعاد دراسة  الأكاديمية  هناك حيث عاش مرحلة من الضياع و العبثية في السنة الأولى و الثانية ومن ثم بدأ يطّوّر طريقته في التفكير و أخذ البرونز حيزا كبيرا منه من حيث الطريقة البنائية بالإضافة إلى التقاط  أشياء مهملة و تحويلها إلى عمل فني مهم ...

بعد تلك المرحلة عاد النحات بمعرض عام 1993 بأعمال كان لها المنعطف الكبير في تجربته حيث دخل إليها الحس الميتافيزيقي و البنية التركيبية ، ومن ثم بدأت بعد ذلك مرحلة أخرى حين  اختار تدمر محطة أخرى في حياته حيث كان لمدافنها و أعمدتها أهمية خاصة بالنسبة له ، ففي تلك الفترة أعطى للموت أهمية و قيمة مثل الحياة تماما و عكس ذلك على  أعماله الفنية ، فقد أوحى له بعلاقة الأرض مع السماء و المسافة الفاصلة بين جوهرين إضافة إلى مسألة الوجود و العدم و بالتالي قاده هذا إلى التجديد الذي ليس هو باختراع و إنما موجود أمام العين كما يقول .

ومنذ ذلك الحين بدأ يعود بذاكرته إلى الوراء و يقتبس من الميثولوجيا الشعبية ، فوجدها أنها عبارة عن مخزون خاص من مخزون جمعي ، وقام ببناء أبراجا ً من الذاكرة و أضاف إليها أشياء مهملة  ليبني عليها أفكارا جديدة ، حيث  اشتغل بعد ذلك على عمل طوله 16 مترا ً يحمل موضوع الذاكرة و يشرح فيه عن استمرار الإنسان من الماضي إلى الحاضر  ، بالإضافة إلى أن الموضوع لديه ليس له أية قيمة إذا لم نختار المواد المناسبة لذلك بدأ بالعمل على التوليف بين الخشب و البرونز خاصة أن البرونز يمنحه  الفرصة لإمكانية التعبير بشكل أكبر ، فكانت الوجوه ضمن الصناديق و النوافذ و الأجساد البشرية  و تمثال المحارب  .

وجد مصطفى علي أيضا أن من واجبه الاهتمام بالمواهب الشابة فبدأ بتبني العديد من المشروعات الثقافية الفنية بالتعاون مع جهات أخرى  بهدف اكتشاف طاقات جديدة ، و من ثم بدأت عنده فكرة تحويل بعض حارات دمشق إلى حارة للفن التشكيلي  و قام بتشكيل بعض المعارض في الحوانيت القديمة و استضافة الفنانين العرب و الأجانب في البيوت  التي تشكل الأساس المميز للطابع المعماري في دمشق القديمة .

وقد نال النحات السوري مؤخرا  الجائزة الأولى لأفضل تصميم لنصب سيتم وضعه على سطح معهد العالم العربي في باريس، وذلك ضمن مسابقة أعلنها المعهد بمناسبة مرور عشرين عاما على تأسيسه ، وهو عمل أفقي مساحته 36 مترا مربعاً يضم عناصر زخرفية مستوحاة من التاريخ العربي كالدائرة والمثلث والمربع، تم جمعها بأسلوب خاص فيه كثير من الإشارات والرموز ،  و هو اليوم يحضر لمعرض آخر في مدريد مضيفا  مجموعة من الأعمال الفنية التي ستضاف إلى رصيده الفني