مع السلامة

 

 

ليس في هذا العام، ولا في الذي سبقه فقط، نفر من أيامنا بدلاً من استمهالها أو التوقف، إشفاقًا على أنفسنا من عام يمضى من أعمارنا.

صارت الرغبة في الفرار سمة مشاعرنا عند أذناب الأعوام، نسعد باحتراق الزمن سعادتنا بتبديد المال الحرام، وتنشر الصحف جردة لأيام سنة كالتي سبقتها، يموت فيها المصريون إذا خرجوا إلى الطرقات المجنونة ويموتون إذا تحصنوا ببيوتهم المغشوشة، يموتون إذا شاركوا في الانتخابات المزورة النزيهة ويموتون إذا هبت الريح.

ومن الطبيعى ألا يكون هناك جديد تحت شمس الثقافة فى سماء ملبدة بالعوادم الضارة، اللهم إلا المزيد من الانهيار للمسرح والسينما، وهذا تحصيل حاصل، بسبب سياسات الصهللة والاستعراض الثقافى بالمؤتمرات والمهرجانات المسفة فى ضخامتها، لكن السبب الأساسى يكمن فى الهزيمة الساحقة لخيال التأليف أمام خيالية الواقع.

الضلال اللذيذ، أو هذيان الحائط كما وصف «سارتر» السينما يومًا، لا يمكن أن يزدهر إلا فى ظل واقع عادى، واقع عاقل لا يعانى الضلال السخيف، فعندما تكون الحياة واقعية وحلوة وصادقة، يحاول الناس أن يستكملوها بالخيال اللذيذ، ليستمتعوا بخفة الهذيان ساعة أو ساعتين فى قاعة مظلمة.

كذلك لا يمكن أن يجد المسرح جمهورًا يدفع من قوت يومه ليشاهد المشخصاتية فى عرض للتقمص، بينما يحصل الجمهور على العرض مجانًا طوال الأربع والعشرين ساعة فى بلد تعليمه ليس تعليمًا، بل يشبهه، ومرتباته ليست مرتبات بل تشبهها، وحياته السياسية سيرك تحمل بوابته لافتات مؤسسات.

للأسف ليس بأيدينا إلا اللجوء إلى العرافين طمعًا فى محاولة معرفة غيب العام المقبل، العرافون يمكنهم أن يقولوا أى شىء اعتمادًا على قوة النسيان التى يخلفها الإحباط على مدار العام، ليستأنفوا فى نهايته التنبؤ بالجديد عامًا وراء العام، مثلهم مثل أى طاغية، بلا خوف من حساب على ما قالوا فى العام السابق.

لكننا نعيش عصر ثورة المعلومات، وما تهمله ذاكراتنا يحفظه الإنترنت، ومن يخطر بباله أن يسلى نفسه بما تنبأ به العرافون، سيجد تحليلات سياسية ابتلعها الناس فى ديسمبر الماضى بوصفها نبوءات، وها هى السنة تمضى من دون أن تتحقق.

الفلكى التونسى حسن الشارنى، يقدمه الإعلام العربى فى نهايات العام بمفخرة تنبؤه بمصرع الأميرة ديانا، معتمداً فى المنطقة العربية ويعلو صوته على صوت متنبئى العالم، لا لأنه الأكثر مهارة، بل لأن عالمنا العربى، العصى على التأويل، لا يعنى أحدًا سوانا.

وقد توقع الشارنى أن يشهد عام ٢٠١٠ اضطرابات كبيرة، وزلازل وحرائق كثيرة وأن يتعرض الأمين العام لحزب الله لمحاولة اغتيال، وأن تجرى محاكمة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش وأن يتم الكشف عن وثيقة تثبت وفاة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن منذ عام ٢٠٠٦. كما تنبأ بأن يكون ٢٠١٠ عام الاضطرابات السياسية والمناخية والحسم فى العديد من الأمور المتعلقة بالقضايا المصيرية، حيث تظهر شخصيات جديدة، وأخرى تختفى فى ظروف غريبة وفجائية، قد تصل لحدود مأساوية.

ومن يقرأ هذه التنبؤات وينظر إلى أحداث العام لا يمكن أن ينتظر تنبؤات أبوعلى الشارنى للعام المقبل. يبدو أن الرجل اعتمد على المنطق السياسى فى عالم بلا منطق، فالاحتباس السياسى يرشح الكثير من البلاد إلى تغيير مأساوى، والتغيير الديمقراطى الذى شهدته أمريكا كان يفتح - حسب المنطق السياسى - الباب لمصالحة أمريكية مع العالم، وكان من الممكن أن تكتمل دهشة انتخاب أوباما بمحاكمة من هذا النوع، لكن المؤسسات الأمريكية التى تعرف ما تصنع حولت أوباما إلى داعية سلام عديم النفع، لم يحقق فى ثلاث سنوات ما كانت تحققه الأم تريزا فى شهر.

 

عزت القمحاوي - المصري اليوم