معاريف - يعيد كتابة التاريخ

استطاع رئيس الحكومة السابق ايهود اولمرت أن ينشر فصلين من كتاب سيرته الذاتية. لا يدل كتاب اولمرت على حسب الفصول التي نشرت على المؤلف بل عن الناس في حياته أكثر الذين يفحص عنهم بعين ذاتية، وسيقولون هم بعين معوجة. من الصادق؟ الانطباع عن الفصلين الأولين واضح. الحديث عن تاريخ حياة حسنة البناء، مدمجة في التاريخ وقد أعيدت كتابتها على نحو ممتاز. يجب تناول هذا الكتاب بتشكك كبير لأن من الواضح أن المؤلف ما جاء ليأتي بالحقيقة بل بحقيقته التي تبدو أحيانا مثل نصف اكذوبة.
اختار اولمرت في الفصل الأول أن يتكلم على يوم الرابع من كانون الثاني 2006، اليوم الذي أصيب فيه رئيس الحكومة شارون بجلطة دماغية، وهو ما مهد الطريق لتعيين اولمرت. بدأ هذا اليوم بدءا جيدا كما يقول اولمرت مع مراسم انهاء بيع بنك لئومي من صندوق ساربروس. «ذكر الجميع أن تلك كانت مناقصة نزيهة وموضوعية وناجعة وأنها حولت في الأساس الى خزانة المالية مليارات الشواقل كنا محتاجين اليها جدا»، يقول اولمرت بلغة شعرية في كتابه الجديد.
نزيهة وموضوعية وناجعة؟ نذكركم بأن الشرطة أوصت بمحاكمة اولمرت على قضية بيع أسهم الدولة في بنك لئومي. ورفض المدعي العام للدولة موشيه لادور الطلب. واستأنفت حركة اوميتس على القرار الى المحكمة العليا. في بدء آب رفض القضاة التدخل في قرار لادور لكنهم وجهوا انتقادا قاتلا الى اولمرت وبيعه النزيه الموضوعي. قضت القاضية عدنا اربيل ومريم نئور وعوزي فوغلمان أنه «يوجد في سلوك اولمرت أكثر من سبب للعيب ازاء حقيقة أنه لم يبلغ عن تضارب الأمور الذي كان موجودا فيه على أثر صداقته مع صاحب المليارات فرانك لوي، من المشترين المحتملين»، كتب القضاة.
إن بنك لئومي مثال فقط على تشويش الواقع في الكتاب. يخصص اولمرت جزءا كبيرا من الفصل الأول كما قلنا آنفا لارئيل شارون الذي تلقى منه التركة الثقيلة. يسمي اولمرت شارون «الرجل الكبير والصلب والمتفائل، الرجل المصنوع من مواد متميزة». لو كان اولمرت صادقا مع نفسه ومع قرائه لخصص فصلا أيضا لمنافسته شارون في رئاسة الليكود في الانتخابات التمهيدية التي جرت في نهاية 1999.
ليس هذا محل دخول معركة الانتخابات تلك التي ورطت عمري شارون بتجنيد أموال بخلاف القانون، وزجت به عدة شهور في السجن. ويحسن فقط أن نذكر ما لن تقرأوه في السيرة الذاتية. اعتقد اولمرت آنذاك أن شارون كبير السن لا يؤدي عمله، ويجب نقل الصولجان الى تيس فتي مثله. «لا يوجد في الحكومة وزير سيئ كهذا»، قال اولمرت عن شارون الذي تولى وزارة البنى التحتية. أي انه باختصار ليس كبيرا ولا صلبا ولا مصنوعا من مواد لا نعلم كيف هي.
يختار اولمرت تصفية الحساب مع رئيس الحكومة نتنياهو الذي يسميه باستخفاف «بيبي»، ومع طائفة من الوزراء السابقين (شمعون بيرس وشتريت وديختر وباراك وموفاز وليفني) ومع ايهود باراك خاصة الذي «قطع كل من عمل معه الصلة به». يسخر اولمرت من هذه الجماعة التي وقفت عنده في الدور لطلب وظائف عندما أصبح رئيس حكومة بالفعل. لا يكتب بطبيعة الأمر عن الايام التي راود فيها شارون وطلب اليه أن يدمج في قيادة الليكود. لم يتحمس شارون دائما ووزن اولمرت آنذاك أن يترك الحياة السياسية تماما ويتجه الى الاعمال. انتخب آخر الأمر للمحل الثالث والثلاثين فقط في قائمة الليكود في الانتخابات التمهيدية في كانون الاول 2002.
يزعم اولمرت ان باراك «متردد، ويعوزه القطع والقدرة على القرار». يبدو هذا غريبا شيئا ما من فم شخص قالت لجنة تحقيق رسمية إنه أظهر عدم استقرار وعدم مسؤولية واستخفافا وتقديرا مخطوءا في الأيام الحاسمة من حرب لبنان الثانية. ويصعب أيضا أن نأخذ مثالا على التقدير ممن عين عمير بيرتس، وهو أيضا من نجوم تقرير فينوغراد، وزيرا للجيش وصديقه الجيد ابراهام هيرشزون، وهو اليوم سجين في سجن الحرمون – وزيراً للخزانة العامة.
لا يحل أن ننسى أن باراك هو الشخص الذي فجر حكومة اولمرت في أيار 2008 على أثر قضية تلانسكي وعجل عزل رئيس الحكومة. ومن هنا يأتي الغضب في السيرة الذاتية. إن سلسلة ملفات الاحتيال التي يحاكم عنها أولمرت اليوم في المحكمة اللوائية في القدس تبرهن على أن باراك كان على حق لا من يعيبه في كتابه.
معاريف - شلوم يروشالمي