معجزة تشرين

تيسير أحمد- شام نيوز
لا تقتصر معجزة حرب تشرين التحريرية على النتائج العسكرية التي حققتها فقط، بل تتجاوزها إلى نتائح وجدانية وفكرية مثلت النقطة المضيئة الأولى في تاريخ العرب الحديث والمعاصر، بعد قرون وعقود طويلة من الهزائم والانتكاسات، وفقدان البوصلة.
حرب تشرين التحريرية باختصار هي التي أنقذت الأمة العربية من خطر الانقراض، فبعد سلسلة الهزائم المتتابعة أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي، المدعوم من الدول الغربية، تبين إن هذا الجيش، الذي قيل إنه لايقهر، ما هو إلا هيكل كرتوني سرعان ما انهار عندما أطلق الجيشين السوري والمصري الطلقة الأولى. تتحدث الوثائق الإسرائيلية هنا عن انهيار مادي ومعنوي كبير، يفوق ما وصلنا عبر وسائل إعلام تلك الفترة، ولولا الجسر الجوي الأميركي والمساعدات غير المحدودة التي تلقتها إسرائيل في الأيام الأولى للحرب لكان أثراً بعد عين.
إن أبرز نتيجة من نتائج حرب تشرين التحريرية إدراك العرب والعالم أن قرار الإبقاء على الكيان الإسرائيلي هو قرار أميركي وغربي، وأن أساطير القوة الذاتية والعقائدية لهذه الجيش لم تعد تنطلي على أحد في العالم.
ولكن كيف كانت البداية على الجبهة السورية؟
يقول الدكتور رزق الياس صاحب كتاب «سيرة تحرير الجولان» إن حرب تشرين التحريرية التي جاءت لغسل آثار عدوان حزيران ١٩٦٧ والذي كان من نتائجه احتلال إسرائيل لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان ومحاولة العدو الإسرائيلي تكريس حالة من العجز في الوضع العربي.
ويؤكد الدكتور إلياس أهمية الرؤى التي وضعها القائد الخالد حافظ الأسد لحرب التحرير التي كتبها رجال قواتنا المسلحة الباسلة بدمائهم ومن ورائهم جماهير شعبنا ففي هذه الحرب ضرب المقاتل العربي أروع أمثلة للبطولة والتضحية والفداء وألحق بقوات العدو أفدح الخسائر وأثبت كفاءة عالية في التعامل مع ظروف الحرب الحديثة بكل تقنياتها ما أدى إلى سقوط أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر.
الخطة العسكرية السورية
وضع القادة العسكريون السوريون خطة حرب تشرين، كما يشرح الكاتب الدكتور رزق الياس في وفق الأسس التالية:
إن الجولان المحتل ذو عمق ضيق يتراوح بين 20 إلى 25 كيلو متراً، ومثل هذا العمق هو في حدود المهمة اليومية لقتال فرق النسق الأول وفق نظام قتال القوات المسلحة السورية ولاسيما أن الوضع الطبوغرافي للجولان يعطي مزايا لمصلحة المهاجم، إذ تنحدر ميول النصف الغربي لأراضي الجولان انحدارا حادا باتجاه نهر الأردن وبحيرة طبريا مشكلة وديانا عميقة ، كما أن النهر والبحيرة يعدان من الموانع الطبيعية التي توفر شروطا أفضل لقواتنا المهاجمة لصد احتياطات العدو القادمة من العمق.
ونظرا لوجود قوات إسرائيلية بحجم محدود في الجولان ، فإن قوات النسق الأول المكونة من ثلاث فرق مشاة سورية معززة تستطيع تدمير هذا التجمع والوصول إلى نهر الأردن ، وقد أوضحت نسبة التفوق التي كانت قائمة آنذاك أن التفوق العسكري هو في مصلحة القوات السورية بنسبة ثلاثة إلى واحد.
القائد الخالد حافظ الأسد يتفقد القوات العربية السورية على الجبهة عام 1973
ومع عدم توقع عبور الاحتياطات المعادية جسور نهر الأردن قبل 24 ساعة، أي قبل وصول قوات النسق الأول المهاجمة إليه، وضمانة لذلك قرر أن يتم إرسال طلائع متقدمة ومفارز إنزال من القوات الخاصة لمسك الجسور والمضائق المهمّة خلال تسع ساعات من بدء الهجوم.
ثم إن وجود احتياط مشترك قوي في البنية العملياتية للقوات السورية مكون من فرقتين مدرعتين ولواء مدرع يؤمن صد الضربات المعاكسة لاحتياطيات العدو بنجاح .
وإن توضع قوات العدو في الجولان كان يشير إلى أن تركيز جهودها الرئيسية هو باتجاه القنيطرة، الأمر الذي جعل اختيار الضربة الأساسية للقوات السورية باتجاه كودنة– الخشنية– جسر بنات يعقوب اختيارا مناسبا، ولاسيما أن هذا الاتجاه هو أقصر الاتجاهات إلى وسط الجولان وعمقه ويسمح بزج الأنساق الثانية ومناورتها على جانبي قوات العدو، ويتلاقى مع اتجاه الضربة الثانوية الموجهة من شمال القنيطرة بهدف تجزئة قوة العدو الموحدة في الجولان وتدميرها.
ونظراً لظروف الجبهتين السورية والمصرية المختلفة قررت القيادة السورية التضحية بعنصر المفاجأة على الجبهة السورية، من أجل إفساح المجال للقوات المصرية بتحقيق هذا العنصر الحاسم في سير المعارك.
يقول الدكتور رزق إلياس: " استنادا إلى ما حدث على الجبهتين السورية والمصرية، فإن المفاجأة التي أصيبت بها القوات الإسرائيلية في سيناء هي مفاجأة شاملة، إستراتيجية، عملياتية وتكتيكية، بينما اقتصرت على كونها مفاجأة تكتيكية للقوات الإسرائيلية على الجبهة السورية، إذ إن القوات السورية فاجأت الإسرائيليين بقدرتها على اختراق الدفاعات والتحصينات المبنية بإحكام شديد، في وقت كانت الوحدات الإسرائيلية على علم بهجوم القوات السورية، وتقوم باتخاذ التدابير اللازمة للدفاع وصد الهجوم، وهي حال ، يصفها الياس بأنها من أصعب حالات الهجوم في العلم العسكري.
وبناء على ذلك جذبت جبهة الجولان كامل طلعات الطائرات الإسرائيلية في بداية المعركة، في وقت كان الجيش المصري يعبر تحصينات قناة السويس، ليحقق المفاجأة على الإسرائيليين بصورة كاملة نظرا لظروف المعركة المناسبة تماما التي تأمنت له على حساب ظروف القوات السورية، وبينما كان جنود الجيش الإسرائيلي في الجولان على أهبة الاستعداد في حصونهم، كانت مدافع الجيش المصري تقصف الدبابات الإسرائيلية على خط بارليف وعناصرها ما زالوا بلباس النوم، حتى إن فرقة الدبابات الإسرائيلية 252 المتمركزة على بعد 70 كم شرق قناة السويس كانت بحالة اصطفاف بالأرتال خارج معسكراتها ونقاط تمركزها.
ومع ذلك كله ومن أجل تحقيق الجزء الثاني من خطة الهجوم، أي إدارة المعركة على «أرض العدو» فقد اندفعت القوات البرية السورية على محوري الهجوم الجنوبي والشمالي بسرعة قياسية ونجحت منذ الساعات الأولى للمعركة ، خاصة في القطاع الجنوبي من خرق دفاعات العدو عنوة، فوصلت طلائع الدبابات السورية في الجولان إلى منطقة الرمثانية– السلوقية– المشتى، وإلى خسفين، وكذلك إلى مقربة من مفرق المنصورة شمال القنيطرة.
جنود سوريون يأسرون جندياً إسرائيلياً في حرب تشرين التحريرية
ويؤكد الدكتور رزق الياس أن نجاح القوات السورية بخرق الدفاعات الإسرائيلية خاصة في القطاع الجنوبي دفع وزير الحرب الاسرائيلي موشي ديان إلى التفكير بسحب قواته من الجولان والانتقال إلى مواقع دفاعية تقليدية غربي نهر الأردن.
لقد خاضت القوات السورية معارك بطولية قاسية في الأيام الأولى للحرب، نفذت خلالها اختراقات متعددة لدفاعات العدو، منها إنزال ناجح على مرصد جبل الشيخ الذي نفذته القوات الخاصة، وكذلك إنزال على تل الفرس، ووصلت حتى كفر نفاح– محور التابلاين، ودخلت القنيطرة.
غير أن النتائج على الجبهة المصرية والإعلان عن وقف المعارك، دفع قوات الجيش الإسرائيلي إلى زج معظم قواتها باتجاه الجبهة السورية حتى تمكنت من إعادة الوضع على الجبهة السورية إلى ما كان عليه قبل الحرب تقريبا، بل بدأت بتنفيذ حرب جوية عنيفة في العمق السوري على المنشآت الاقتصادية والحيوية، لكن الدفاعات الجوية والمقاتلات السورية الباسلة منعتها من تحقيق هذا الهدف.
ونتيجة للمواقف المصرية المستهجنة أثناء الحرب، فقد قررت القيادة السورية الاستمرار بالمعركة ولو بشكل منفرد، خاصة بعد تمكنها بمساعدة الاتحاد السوفييتي من إعادة بناء القوات بشكل يسمح بحرب استنزاف طويلة ترهق العدو وتجبره على القبول بالقرارين 338 و339 اللذين أصدرهما مجلس الأمن في الأيام العشرة الأولى للحرب.
والآن وبعد 37 عاماً على هذه الحرب المعجزة بكل المقاييس، نستطيع أن نقول إن نتائجها ما تزال حية حتى اليوم، في دور سورية الإقليمي والعربي الذي بني على أساس نتائج حرب تشرين، و الذي لم يستطع أحد أن يتجاوزه على الرغم من المنعطفات الكبرى التي مرت بها المنطقة منذ عام 1973، والتي عصفت بالكثير من الدول والأنظمة، فحرب تشرين كرست سوريا قلباً للعروبة النابض، ومركز دعم وإلهام لكل المقاومين العرب، وجميع الانتصارات التي حققتها المقاومات العربية ما هي إلا ثمار في شجرة تشرين الوارفة.
القائد الخالد يرفع العلم في سماء القنيطرة المحررة
مثلت مشاركة الدول العربية في الجهد الحربي لملحمة تشرين الخالدة علامة فارقة في تاريخ العرب المعاصر، وشكلت هذه المشاركة دعماً معنوياً كبيراً للشارع العربي الذي لمس في تلك الأيام ان مقولات التضامن العربي ليست حبراً على ورق بل هي دماء حقيقية دفعها جنود الدول العربية التي أرسلت قوات مساندة لسورية ومصر.
وفيما يلي تعداداً لمساهمات الدول العربية في حرب تشرين:
الدول العربية المشاركة في حرب تشرين التحريرية
العراق
أرسل العراق فرقتين مدرعتين و 3 ألوية مشاة وأسراب طائرات إلى الجبهة السورية وبلغت مشاركة العراق العسكرية على النحو التالي :
•30,000 جندي
•250-500 دبابة
•500 مدرعة
•73 طائرة هي:
الجبهة المصرية: سربين من طائرات هوكر هنتر
الجبهة السورية: سربين من طائرات ميج 21
3 أسراب من طائرات سوخوي 17
الجزائر
شاركت الجزائر حرب تشرين التحريرية على الجبهة المصرية بالفوج الثامن للمشاة الميكانيكية ، كان الرئيس الجزائري هواري بومدين قد طلب من الاتحاد السوفياتي شراء طائرات وأسلحة لارسالها إلى المصريين عقب وصول معلومات من جاسوس جزائري في أوروبا قبل الحرب مفادها أن إسرائيل تنوي الهجوم على مصر وباشر اتصالاته مع السوفييت لكنهم طلبوا مبالغ ضخمة فما كان على الرئيس الجزائري إلى أن أعطاهم شيكاً فارغاً وقال لهم اكتبوا المبلغ الذي تريدونه، وهكذا تم شراء الطائرات والعتاد اللازم ومن ثم إرساله إلى مصر ،
و هذه بعض إحصائيات لما قدمته الجزائر لهذه الحرب التي كانت هي ثاني دولة من حيث الدعم للحرب .
التعداد البشري:
•2115 جندي
•812 ضابط صف
•192 ضابط
•العتاد
البري:
•96 دبابة
•32 آلية مجنزرة
•12 مدفع ميدان
•16 مدفع مضاد للطيران
•الجوي:
•سرب من طائرات ميغ 21
•سربان من طائرات ميغ17
•سرب من طائرات سوخوي7
•مجموع الطائرات : حوالي 50طائرة
ليبيا
أرسلت ليبيا لواء مدرع إلى مصر إضافة إلى سربين من الطائرات عددها 54 طائرة ميراج كالآتي:
•20 ميراج 5de
•20 ميراج 5dr
•2 ميراج 5ds
•12 ميراج 5dd
ليكونوا سربين واحد بطيارين مصريين واخر بطيارين ليبيين.
الأردن
شاركت القوات الأردنية في الحرب علي الجبهة السورية بارسال اللواء المدرع 40 واللواء المدرع 90 إلى الجبهة السورية.
المغرب
شارك المغرب بلواء مدرع على الجبهة السورية ووصل قبل بداية الحرب بأسابيع قليله.
كما شاركت بلواء مشاة على الجبهة المصرية ووصل إلى مصر بعد بداية الحرب.
وإرسال سرب اف 5 قبل بداية الحرب إلى مصر.
السعودية
قدمت القوات المسلحة السعودية الدعم الأتي للجبهة السورية
•لواء الملك عبد العزيز الميكانيكي (3 أفواج)
•فوج مدرعات بانهارد (42 مدرعة بانهارد + 18 ناقلة جنود مدرعة + 50 عربة شئون إدارية)
•فوج مدفعية ميدان عيار 105 ملم
•فوج المظلات الرابع
•2 بطارية مدفعية عيار 155ملم ذاتية الحركة
•بطارية مضادة للطائرات عيار 40 ملم
•سرية بندقية 106-ل8
•سرية بندقية 106-م-د-ل20
•سرية إشارة
•سرية سد الملاك
•سرية هاون
•فصيلة صيانة مدرعات
•سرية صيانة +سرية طبابة
•وحدة شرطة عسكرية
السودان
أرسلت السودان لوائين مشاة إلى الجبهة المصرية بالإضافة إلى كتيبة وحدات خاصة.
الكويت
أرسلت الكويت تشكيلين:
•على الجبهة السورية: قوة الجهراء المجحفلة تقدر ببلواء مكون من 4 كتائب ، كتيبة دبابات وكتيبة مدفعية وكتيبة مشاة آلية وكتيبة مشكلة من مشاة + المغاوير وسرية دفاع جوي وباقي سرايا الأسناد.
•على الجبهة المصرية: كتيبة مشاة متواجدة قبل الحرب و سرب هوكر هنتر مكون من 5 أخر أيام الحرب وبقي في مصر حتى منتصف 1974.
تونس
أرسلت تونس كتيبة مشاة قوامها حوالي 1000 جندي إلى الجبهة المصرية نشرت في منطقة دلتا النيل.