معرض إدوار شهدا في صالة تجليات.. حضور الاسطورة والثنائيات

يعتمد الفنان إدوار شهدا في معرضه الذي افتتح أمس في صالة تجليات على حالات فكرية تنتج صورتها الملونة دون أن ينطلق هذا الملون من تخطيط مسبق للوحة بل يرصد لها أدواته بكل ما تمتلكه من طاقات لونية وحساسيات تشكيلية عالية لتتكون في النهاية مشاهده المأخوذة من الواقع ولكنها تتحول إلى صيغ حيوية أكثر إدهاشاً من مصدرها.
وفي لوحات هذا الفنان شيء من الغموض إذ تضم العديد من الرموز والأساطير والمعتقدات.. المرأة في مقابل الرجل.. الملائكة والنباتات..الأطفال والوجوه.. التشكيلات المفردة والحشود ..الأجساد الكاملة والوجوه بتعبيراتها المتنوعة.. قصائد محمود درويش وصوراً له بألوان الحياة كلها.. سالومي وأليعازر وأطفال غزة وأغاني فيروز كلها تفرز حضورها الآسر في أعماله.
ويبقى حضور المرأة آسراً في لوحات شهدا لكن كل مرة بتكوينات مختلفة وألوان متجددة تتخذ مكانها في اللوحة ضمن صياغات لا تركن إلى اللوحات المنجزة وحلولها التقنية المجربة بل هناك دائماً فتوحات تشكيلية جديدة في كل لوحة وفي كل وجه ما يجعل من أعمال هذا الفنان بمثابة حقول تجارب على صعيد التكوين واللون والتقنية.
وتتميز لوحات هذا المعرض الذي يستمر حتى الواحد والعشرين من الشهر الجاري بانحيازها نحو اختزال العناصر التشكيلية في مقابل حضور لوني مكثف ومحكم يستجيب لفضاءات اللوحة الفسيحة ويتأقلم مع عمق المعنى ودلالاته دون أن يكون مجرد لون وظيفي يتخلى عن جمالياته في مقابل حضوره الباهت فاستخدام شهدا للون مأخوذ من عمق الحالة الشعورية لديه والذي يبني على أساها عناصره كلها على صعيد التكوينات والألوان.
وتظهر في لوحاته تداعيات الأسطورة ورموزها فضلاً عن كسر النسب والمقاييس الصحيحة محافظاً على الارتباط بالقيم التشكيلية الأصيلة عبر استخدام الجسد أو الوجه في لمسات تحريفية مقصودة تساهم في إضفاء المزيد من الألق إلى مضمون اللوحة مع إبراز الوهج اللوني المعادل لخيال الشاعر كأداة خلاقة في يد هذا المصور.
والفنان شهدا من الفنانين القلائل الذين انطلقوا من ثقافتهم ليبنوا مشروعهم التشكيلي ولا يزال يحافظ في لوحاته بعد كل هذه السنوات على خصوبة معرفته الشرقية إذ يقول في حديث خاص لوكالة سانا.. لوحاتي تعكس ثقافتي وأحاول فيها جميعها ألا أدخل في مجال الترميز بقدر انطلاقي من حالة تشكيلية لقضايا معرفية نابعة من ثقافتي وما تختزنه ذاكرتي باتجاه معادلها الصوري.
وأضاف: أستخدم اللون الخالص دون اللجوء كثيراً إلى الخطوط السوداء المحددة للعناصر التشكيلية فاللون عندي أساسي في اللوحة سواء أكان أسوداً أو خليطاً لونياً إلى آخره حيث تتحدد معالم لوحاتي من خلال طاقة اللون وتوهجه وتوتره ضمن فراغ اللوحة.
وشكلت مجموعة من اللوحات التي تناولت موضوع الشاعر الفلسطيني محمود درويش التيمة الأساسية للمعرض وفي هذا قال الفنان شهدا: اشتغلت على مجموعة من اللوحات منذ وفاة درويش عام 2009 تتناول قصيدة الجدارية ورغم أنني لا أحفظ الشعر غالباً إلا أنني أعوض عن ذلك بنقل إحساسي الشعري إلى اللون بطريقتي الخاصة.
بدوره أوضح الفنان والناقد التشكيلي أحمد كمال أن في لوحات شهدا تقنية لونية عالية يبرز فيه اللون واشتقاقاته وتناقضاته ولاسيما فيما يتعلق بحوارات الألوان الفاتحة كالأبيض مع الأبيض والأبيض مع الزهري والسماوي إضافة إلى شحن هذا اللون بالكثير من الأحاسيس والقدرة التعبيرية العالية.
ويتميز هذا الفنان بخصوصية تشكيلية كما يقول كمال إذ إنه يجعل من اللوحة بمثابة أغنية أو حقل من التساؤلات فهو يرى الحياة بمنظار أسطوري أي أنه يحول الواقع من مجرد تكوينات جامدة إلى تأملات عميقة تجمع بين الفرح والحزن دون أن يقود باتجاه أحدهما على حساب الآخر.
يذكر أن إدوار شهدا من مواليد دمشق 1952 وهو من الفنانين القادمين من محترفات كلية الفنون الجميلة عام 1976 والمتابعين للدراسة الأكاديمية في مرسم أناتولي كلانكوف بروسيا ولقد عرفته الأوساط الفنية والثقافية من خلال معارضه المنفردة التي أقامها منذ مطلع الثمانينيات إضافة إلى مشاركته في المعارض الجماعية إلى جانب مساهماته في مجال التصميم الداخلي وتنفيذ اللوحات الجدارية الخلفية.
شام نيوز- سانا