معركة "ماملكت أيمانكم" تؤسس لوعي رقابي جديد

تيسير أحمد- شام نيوز
قليلون جداً الذين انتبهوا لأبعاد ودلالات ونتائج "معركة" مسلسل "ما ملكت أيمانكم" بين الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، والمخرج نجدت أنزور. ففي اليوم الأول من رمضان كنا على موعد مع تصريح للشيخ البوطي يستشرف فيه مصيبة قادمة إلى المنطقة فسرها بأنها مسلسل ما لملكت أيمانكم، وطالب بوقفه فوراً ومنعه من العرض لأنه مسلسل "إجرامي" بحق الإسلام.
فما كان من المخرج إلا أن طلب من الشيخ انتظار نهاية المسلسل لكي يصدر حكمه عليه، فاستجاب الشيخ لهذا المطلب وانتظر حتى انتهى المسلسل وأبدى رأيه الرافض لبعض ما جاء فيه، وخصوصاً الجانب المتعلق بما يسمى "القبيسيات"، غير أن لم يصل إلى النتيجة التي توصل إليها في بداية المعركة!.
في المقابل وفي العاصمة اللبنانية اندلعت معركة أخرى حول مسلسل إيراني مدبلج عن السيد المسيح، وتم إيقاف المسلسل مراعاة للحساسيات اللبنانية.
وثمة حساسيات أخرى في غير مكان عربي ظهرت إلى العلن وتم حذف بعض المشاهد وربما بعض الحلقات من المسلسل. فإلى ماذا تشير هذه المواقف؟
لاشك في أن سقف الرقابة على المسلسلات قد ارتفع عندنا بما لايقاس، فبعض المشاهد في مسلسل "تخت شرقي" ما كان لها أن تمر في أي دولة عربية أخرى، أما معركة "ما ملكت أيمانكم" فهي سابقة لم تحصل في أي بلد عربي آخر قبل اليوم.
أهم ما في نتائج هذه المعركة أن الشيخ البوطي بما يمثله من وضع ديني التزم بقواعد اللعبة، وانتظر حتى انتهى المسلسل، ولم يبد رايه طوال فترة العرض، التزاماً بالاتفاق الشفهي بينه وبين المخرج نجدت أنزور، ثم عبر عن رأيه بالمسلسل دون مواربة أو مبالغة، فالقضية التي علق عليها هي قضية جزئية بالنسبة للمسلسل ككل، والأمر لم يصل لا إلى التكفير ولا إلى التخوين ولا إلى أي شيء آخر، رأي مقابل راي فقط.
ولذلك فإن معركة "ما ملكت ايمانكم" يمكن أن تؤسس لوعي رقابي جديد، ينسجم مع التطورات التي تشهدها مختلف مناحي الحياة في بلدنا، بحيث تأخذ الجهات الوصائية مكانها الطبيعي أي ممارسة الرقابة وإصدار التوصيات الرافضة أو المؤيدة دون أن تصل إلى مرحلة المنع المسبق، وخصوصاً في القضايا الإشكالية التي تحتمل أكثر من رأي وأكثر من وجهة نظر.
لقد استعارت بعض الجهات الوصائية في مجتمعنا، خلال المرحلة السابقة دوراً ليس دورها، وهذا الدور حملها أعباء أكثر مما تحتمل، فاتحاد الكتاب العرب، منع الكثير من الأعمال الروائية والقصصية والشعرية، باعتباره جهة وصائية على الأدب في بلدنا، ولم تكن أسباب المنع منطقية دائماً فقد تدخلت الأهواء والنزعات الشخصية في بعض القرارات وهو ما حمل الاتحاد خصوصاً ودوائر الرقابة الحكومية أعباء كانت بغنى عنها، فمن المستفيد من منع كتاب عن الشعر الحر ذي النزعة السوريالية الغامضة، إلا بعض الصحف ووسائل الإعلام المتربصة التي تنتظر مثل هذه الأخبار لتطلق حملاتها ضد البلد.
والأمر نفسه ينطبق على مؤسسة السينما التي مارست خلال سنوات ماضية وصاية على ما يشاهده الجمهور السوري من الأفلام، حتى وإن وصل الأمر بأحد مديري المؤسسة لأن يمنع فيلما تونسياً بسبب إساءته لبلد عربي شقيق، في الوقت الذي كان يعرض فيه الفيلم نفسه في عاصمة هذا البلد الشقيق المُساء إليه. وهو ما رتب حملات صحفية معادية حاولت النيل من صورة بلدنا.
طبعاً لايعني كلامنا هذا بأي شكل من الأشكال أننا ضد الرقابة الحكومية، فالرقابة ضرورية وفي مسائل محددة منصوص عليها بالقوانين، وهي معروفة للقاصي والداني وموجودة في كافة دول العالم بما فيها دول العالم الغربي، ولكن المقصود في هذا الحديث رقابة الجهات الوصائية على الأعمال الثقافية والفكرية والفنية، التي يفترض بها أن تصدر بشأنها توصيات فقط، تمثل وجهة نظر واحدة من مجموع وجهات نظر أخرى.
ِ