ملح السلطة

 

 

ديانا جبور - بلدنا

  

لماذا يتعثَّر الأداء الإعلامي المحلي ويتساوق ويتناغم الإعلام الكوني في تعاطيه مع سورية؟
لماذا يختطف الإسلاميون الثورات العربية؟
لماذا يتمترس كلُّ طرف وراء روايته وكأنه يحتكر الحقيقة فتبدو الدولة شرَّاً مطلقاً، والمحتجّون ملائكة بالمطلق، أو العكس بالعكس؟..
لماذا خفت صوت العلمانية في سورية وهي الرائدة في تبنِّيها دولة ومؤسسات؟
هل يستطيع المحلِّلون البرهنة على "شماتتهم" بأنَّ ربيع الثورات العربية لن يتأخَّر في اجتياح الغرب الرأسمالي بسبب أزماته العميقة؟

أسئلة أرَّقت معظمنا دون إجابات شافية، خاصة أنَّ كبارنا، أو معظمهم، لوَّثهم دنس اليومي، ما دفعني، شخصياً، إلى النكوص إلى مدوِّناتي السابقة، لعلّي أجد فيها ما يردُّ على تلك الاستعصاءات، ومن بينها خفوت نبرة التميّز لدى مثقّفينا في أزمتنا الراهنة.
 
من ضمن ما قرأته قبل سنوات، كتاب بعنوان “هرطقات” للمفكِّر السوري جورج طرابيشي.
 لن أقدِّم قراءة في الكتاب أو عرضاً له، فقد تأخَّر الوقت، لكني سأشارك القارئ متعة الإمعان في مقبوسات من المؤلّف قد تفيد في تقديم مفاتيح للولوج إلى عالم جديد، وربما إغلاق الباب على عالم جهنّمي نحترق في أتونه ولا نعرف كيفية إطفائه، وهاكم بعضها حسب تسلسل التساؤلات السابقة:
“الخطاب الأيديولوجي موجَّه دوماً من صديق إلى صديق ضد عدو. أما الخطاب العلمي، فقادر على انتزاع الاقتناع من كلا الطرفين”.
“حيثما قامت جدلية المقدّس والمدنّس، كانت الغلبة للثاني، فالمدنّس يسعى دوماً إلى إحاطة نفسه بهالة المقدّس”.
“الدين عابر للتاريخ، والعلمانية تعني تحرير الدين من ثقل التاريخ”.
“لا ديمقراطية مع رجل المباحث، ولا ديمقراطية دون رجل الشرطة، فالمجتمع المدني سيرتدّ إلى غاب فيما لو غابت الدولة”.
“منطق تأثيم الدولة وتبرئة الأمة والشعب يحمل بين طياته على عكس مدّعاه الديمقراطي؛ جرثوم شمولية جديدة”.
“الأنظمة العربية لا تتحمَّل انتخاباً حرَّاً، ولكن المجتمعات العربية لا تتحمَّل رأياً حرَّاً، ومجتمع لا يريد الديمقراطية في السياسة ولا الفكر.. هو مجتمع يستسهل الديمقراطية ويختزلها في آن معاً.. ومن الاختزال ما قتل”.
“عندما تستزرع بذرة الديمقراطية في غير تربتها الأصلية، فإنها تكون، ما لم يضاعف كمّ مجهود الرعاية، أسرع إلى الموات، أو للتحوّل إلى عشب سام”.
“الأزمة آلية أساسية من آليات النظام الرأسمالي، وهي بمثابة العتلة، أو المقفز الذي يفيده في التراجع خطوتين إلى الخلف للقفز ثلاثاً إلى الأمام”.
“المثقف ملح السلطة، فإن فسد الملح فبماذا يملح؟”.
جورج طرابيشي مثقَّف لم تفسده السلطة ولم تفد منه..