مَنْ المخلوع: الشعب أم الرئيس؟

في كل وسائل الإعلام أصبح اللقب الرسمي للرئيس السابق هو «الرئيس المخلوع» رغم أنه يذهب إلى المحكمة بطائرة خاصة مجهزة طبياً، ويجلس في غرفة مؤمنة، على سرير مجهز أيضاً طبياً، ويرتدي نظارته السوداء التي تحجب عنه رؤية ما يُعكر صفوه، وربما تكون مجهزة بشفرة خاصة تمنع رؤية الشعب الذي يذهب لأكاديمية الشرطة بالأتوبيس أو بالميكروباص، أو ربما مشياً على الأقدام، ويرى الدنيا سوداء دون أن يرتدي نظارة سوداء، ويقف في الساحة المقابلة لأكاديمية الشرطة لساعات طويلة على قدميه، ويرضخ لأوامر رجال الشرطة والجيش الذين يقررون نقله من مكان لآخر بحجة الحفاظ على أمن المحكمة والمحاكمة والحاكم والمحكوم والمحكمين والمتحكمين، وكل واحد من الشعب لا يملك غير لوحة صغيرة كتب عليها شكواه ويرفعها بيده عالياً، ربما يقرؤها أحد من أصحاب القرار، وهذه الشكوى قد تكون لأم فقدت ابنها، أو زوجة فقدت زوجها، أو ابنة فقدت أباها، أو ربما لموظف مظلوم، أو أب مكلوم، أو شاب يبحث عن حلمه المدفون، أو فقير محروم. هو يجلس فى جناح خاص بالمركز الطبى العالمى مجهز بأحدث الوسائل الطبية الحديثة، بجميع الخدمات المعروفة وغير المعروفة، والشعب يعيش فى الشارع، مطالباً المجلس العسكرى والحكومة بتنفيذ مطالب الثورة والثوار، مطالباً بالقصاص من قتلة الشهداء، حالماً بأن يرى مصر كما تستحق أن نراها، مدافعاً عن آمال وأحلام ١٠٠ مليون إنسان يعيشون على أرض مصر، مجاهداً ضد ظلم الظالمين، حامياً لبلده ووطنه، مضحياً بحياته فى سبيل أن تبقى مصر، باحثاً عن أحلام مشروعة «العدل والحرية والكرامة»، وفياً لمن ضحوا بحياتهم من أجل أن نعيش نحن، ومن أجل أن تعيش مصر. شعب لا يطالب بأن يشرب مياهاً معدنية، أو أن يسكن وسط ملاعب الجولف، أو يركب سيارة هامر، أو يأكل أورجانيك (غذاء طبيعى من دون كيماويات)، أو يقضى عطلة نهاية الأسبوع فى جزيرة سيشيل، أو يقرأ الصحف على الآى باد (ipad)، ويسمع موسيقى على الآى بود (ipod)، أو يذهب إلى أكاديمية الشرطة بطائرة خاصة، أو يُعالج فى المركز الطبى العالمى، فقط يريد العدل والحرية والكرامة والوفاء بأهداف الثورة. فقد رحل مبارك، لكن على ما يبدو أن روحه لاتزال تسكن وتعشش داخل جسد الحكومة وأصحاب القرار، ولا أعلم ما الطريقة المناسبة لصرفها؟! فمازلنا نسمع الكلمات نفسها التى تتخلل التصريحات على مدار سنة كاملة مرت من عمر الثورة ومنها: (فى أقرب وقت ممكن، الإسراع فى تحقيق الأمن، الجماهير متطلعة، تأسيس آلية مستدامة، أصدرت تعليمات صارمة، تحقيق العدالة الاجتماعية، نواجه الصعوبات والتحديات، المواطن البسيط من أهم أولوياتنا، وأضيف إلى قاموس المصطلحات بعض الكلمات الجديدة بعد الثورة ومنها: القصاص للشهداء، أهداف الثورة المجيدة، شعب مصر العظيم، الثوار العظماء) وغيرها من الكلمات التى تتسع لبناء دولة تنافس أمريكا.
فما نحن فيه الآن يُذكرنى برجل كان يسير فى الشارع ورأى ابنه يتشاجر مع شاب قوى البنيان مفتول العضلات، وفجأة أسرع الرجل ورفع يده وصفع ابنه صفعة أسقطته على الأرض حتى يحميه من هذا الشاب، الذى لو تمكن منه سيقتله هو وابنه، فيقرر هذا الشاب القوى أن يترك الابن لأبيه يربيه بطريقته الخاصة، ولم ينتبه الشاب أن هذا الرجل صفع ابنه ليحميه وليس ليربيه.