من ساحة التحرير... إلى ساحة العاصي !

غسان يوسف . البناء
هل الحراك الجاري في سورية حراك شعبي أم فئوي يختص بفئة معينة حتى لا أقول طائفة محددة؟! الوقائع تثبت أن المظاهرات انطلقت من مناطق سورية يعيش فيها أفراد ذوو فكر إسلامي متطرف، والكل يتذكر أن بداية الاحتجاجات ترافقت مع تحريض واضح من شيوخ معروفين بانتماءاتهم وتطرفهم كالشيخ يوسف القرضاوي حيث كان يدأب في كل خطبة جمعة على تحريض المحتجين لا بل ويفتي لهم بالجهاد ضد الدولة حتى أسكت الله لسانه !
ومن ثم سمعنا شيوخا في السعودية يفتون بجواز قتل ثلث الشعب السوري (الشيخ صالح اللحيدان) ليسعد ثلثاه الآخران، وهنا السؤال: ما المقصود بالثلث؟ وما المقصود بالثلثين؟ في حين كان هؤلاء أنفسهم يفتون بتحريم التظاهر في بلادهم ! كما ترافقت هذه الفتاوى مع بث دائم لقنوات تحريضية مذهبية من عواصم خليجية يقودها السوري عدنان العرعور – ذو التاريخ الأسود - الذي دأب على تحريض الطوائف في سورية بعضها على البعض الآخر.
ومن تابع المظاهرات التي كانت تخرج تأييدا لما يجري في سورية في مدن وعواصم عربية كان يشاهد فيها اللون الطائفي الواحد، كتلك التي خرجت في (طرابلس - شمال لبنان) وبيروت وعمان والقاهرة وأنقرة، أنقرة التي دأبت على إصدار مواقف غير دبلوماسية ضد دمشق كما سهلت ودعت إلى عقد مؤتمرات إسلامية لمعارضين سوريين، حتى أن برهان غليون نفسه رأى أن هذه المؤتمرات تفوح منها رائحة التعصب الديني، لنكون أمام مشهد واحد في عواصم عربية وإقليمية مترافق مع معزوفة فضائيات التحريض والفتنة (الجزيرة، العربية... الخ) التي كان لها الدور الأبرز في تدمير العراق وخراب ليبيا !
مشهد يراد له أن يكون نسخة عما شهدناه في ميدان التحرير في القاهرة يوم الجمعة 29 تموز الماضي حيث تواجد التيار الديني بقوة وأعلن أفراده أن مصر ستكون دولة إسلامية دون أي مراعاة لمشاعر الآخرين من الشعب المصري سواء من الأقباط أم الأحزاب الليبرالية أو اليسارية التي انسحبت لتترك المشهد يعلن عن نفسه، وليتشابه منظر القاهرة في ذلك اليوم مع منظر قندهار أيام حكم طالبان، حتى أن الإعلامية بثينة كامل المرشحة لانتخابات الرئاسة المصرية أعلنت أن " ما شهدته ساحة التحرير كان احتلالاً سعودياً معلنة "موت الثورة؟".
ما أردت أن أقوله أن ما حدث في مصر يراد له أن يحدث في سورية، وأن الحديث عن ثورة في سورية ما هو إلا تضليل وكذب تروج له فضائيات عربية معروفة التوجهات، وأجهزة عربية وإقليمية تعمل لحساب أجهزة استخبارات عالمية من خلال تضخيم ما يحدث والتهول به في ضوء تصريحات غربية حاقدة على سورية لا لشيء إلا لأن سورية لا تريد السير في طريق الاستسلام والتطبيع مع "إسرائيل"!
والسؤال: ما الذي يجعل الغرب يسكت عن تقطيع جثث مئات السوريين ورميهم في نهر العاصي سواء في جسر الشغور أم في حماه؟! وهو الذي يدعي أنه يلاحق الإرهاب .. تصوروا لو أن واحدا من هؤلاء الإرهابيين كان يسير في شوارع واشنطن، ألم تكن لتتعطل أميركا كلها وتستنفر جميع أجهزة استخباراتها وكذلك الحال في فرنسا وبريطانيا؟!
لذا، على الذين يدعون أنهم يريدون دولة مدنية لكل السوريين - والمقصود هنا المعارضة - أن يعودوا إلى رشدهم لأن هذا الحراك لا يمت لهم بصلة - اللهم - إلا في العداء للنظام الحالي، وما جرى في ساحة التحرير في مصر مخطط له أن يحدث في سورية، وهو ما صرح به الشاعر السوري أدونيس الذي نبه من الصبغة الدينية للاحتجاجات !
ألم تسألوا أنفسكم لماذا كل المظاهرات تخرج بعد صلاة الجمعة؟ ولماذا الدعوة إلى التصعيد في شهر رمضان بعد صلوات التراويح؟ ولماذا نأى علماء الشام بأنفسهم عن هذا الحراك وعلى رأسهم العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي؟ ألا يدل هذا على مذهبية الحراك وأدلجته؟!
أخيراً، لكل من يعرف بالديمغرافية والجغرافية السورية .. يعرف مدى خطورة هذه الحركة الهادفة لإقامة نظام إسلامي متطرف يلغي الآخر كما كان الحال في أفغانستان إبان حكم طالبان، أو كما هو الحال في السعودية.
وهنا لا بد أن نشير إلى مسألة في غاية الخطورة وهي أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عندما اجتمعت بعدد من ذوي الاتجاهات الإسلامية (محمد العبد الله، رضوان زيادة، مرح البقاعي) سألتهم كيف سيجري التعامل مع الأقليات بعد رحيل النظام الحالي؟ وفي هذا أوضح دليل على أن واشنطن تخطط لتسليم سورية إلى جماعات إسلامية تكون النواة الحقيقية لتفتيت هذا البلد على غرار ما يجري في ليبيا وإشعال حرب أهلية فيه. وهي تعرف مسبقا أن هؤلاء لن يقبلوا بالآخر، ومن هنا كان سؤالها عن الأقليات، أو أنها تريد حكما إسلاميا مشابها لحكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا، ذلك الحزب الذي لا يهمه أن تكون في بلاده أكبر قاعدة للأطلسي وتقيم علاقات إستراتيجية مع "إسرائيل". ومن كان له عقل فليعتبر!
وهنا لا بد أن نلاحظ أن هذا السيناريو يستند إلى مشاركة فعالة ونشطة من جانب ما يسمى دول الاعتدال العربي بدعم مالي واضح مما فاضت به خزائنهم مترافقا مع أبواق فضائية اختارت أن تكون معركتها الإعلامية موجهة ضد قلب العروبة النابض بدلا من أن توجهها باتجاه من يحتل فلسطين ويستبيح مقدساتها!