من يتاجر بأحلام وآلام المرضى السوريين؟؟

 

 تيسير أحمد- شام نيوز


تحول ما يسمى (طب الأعشاب) إلى متاجرة بأحلام شريحة من المواطنين السوريين، والذين سعوا إلى هذا الخيار بعد أن فقدوا الأمل في الخيارات الطبية المعروفة.

وانتشرت مهنة طبيب الأعشاب التي لا تحتاج إلى دراسة ولا إلى شهادات كانتشار النار في الهشيم فبت ترى في الأسواق الشعبية أكشاكاً أو زوايا في محلات ترصف رفوفها بعشرات الزجاجات وتتكدس بالأكياس التي تحتوي على الأعشاب المجففة غريبة الشكل.

ويستطيع المراقب أن يحدد نوعية زبائن هذا النوع من "الطب المستحدث" بالوقوف خمس دقائق، إذ يغلب على الزبائن العنصر  النسائي وهناك بعض الرجال وغالبيتهم من المسنين.

يقول أحد أصحاب الأكشاك إن إقبال النساء على شراء بضاعته يعود إلى فعالية هذه المنتجات الطبيعية الخالية من المواد الكيميائية المؤذية.

ويؤكد أن ما يبيعه هو زيوت طبيعية لمختلف الاستعمالات، للشعر ولبعض الأمراض الجلدية وهناك وصفات عشبية تتعلق ببعض الأمراض المزمنة كداء الصدفية والأكزيما الجلدية وغير ذلك.

ويؤكد هذا البائع أن المخاطر الطبية لهذا النوع من الزيوت والأعشاب معدومة لأنها منتجات طبيعية وإذا كانت لا تنفع فهي لا تضر.

ولكن بعض الأطباء يرون الأمر من زاوية أخرى، فالعلاج بالأعشاب حسب الدكتور محمد سرحاني تحول إلى تجارة بأحلام الناس ومقولة ما لا ينفع لا يضر غير صحيحة لأن ما لاينفع يضر والأدلة على ذلك كثيرة.

 

ما لاينفع يضر


ويضيف الدكتور سرحان انه أتاه مريض يعاني من فتق نواة لبية أي ديسك بالمصطلحات الدارجة، وان أحد "أطباء" الأعشاب أوهمه بأن علاجه لديه. والمعروف أن مرض فتق النواة اللبية لا يمكن علاجه إلا بعمل جراحي للحالات المتقدمة  أو باتباع نظام معين في النوم والسير والحركة وحمل الأوزان وما إلى ذلك إن كانت الحالة غير متقدمة، فكيف يمكن أن يعالج بالأعشاب؟ لا شك أن هذا نوع من المتاجرة بأحلام وآلام الناس.

ويؤكد الدكتور سرحان أن ظاهرة التداوي بالأعشاب ليست بدعة سورية بل هي فرع كبير من فروع الطب يتخصص فيها الطبيب بعد أن ينهي سنوات دراسته الاعتيادية وليس أي جاهل يمكن أن يتصدى لهذا النوع من الطب.


ويرى أن الحاجة إلى طب بديل هي التي دفعت شركات الأدوية العالمية والجامعات الكبرى في العالم لأن تطور الأبحاث المتعلقة بهذا النوع من الطب، وهناك نتائج معينة لبعض الأعشاب والمستحضرات الطبيعية جرت دراستها واعتمدت من قبل كبريات مؤسسات البحث الطبي في العالم وهي التي ينبغي اعتمادها، وليس ما يجري حالياً من فوضى وشعوذة ونصب واحتيال.

ويحمل الدكتور سرحان بعض القنوات الفضائية وبعض المحطات الإذاعية المسؤولية عن هذا التسيب والفوضى التي عمت الساحة الطبية، فالكثير من الفضائيات التجارية والإذاعات تروج لما يسمى بطب الأعشاب وتستضيف في برامجها أشخاصاً غير مؤهلين وتلمع صورتهم حتى غدت أسماء بعضهم علامات تجارية عابرة للحدود.

ويتابع الدكتور سرحان قائلاً: زرت قبل مدة مكان تغليف وتحضير منتجات إحدى العلامات التجارية البارزة وهي على اسم شخص معروف، وقد فوجئت بمستوى التدني في كل شيء، فالمكان غير صحي والتعبئة عشوائية والمواد المستعملة هي نفسها التي تباع في محلات العطارة التقليدية ولكن يجري تغليفها بطريقة حديثة ويوضع عليها الاسم التجاري المعروف وتباع بأسعار خيالية.

 

ريجيم غريب


ويقول عبد الناصر ع الذي يعاني من بوليب في المثانة أنه زار أحد الأطباء الذين يعالجون بالأعشاب، وبعد أيام حصل على موعد، فوصف له الطبيب المزعوم نظاماً غذائياً غريباً مستحيلاً ومع ذلك اتبعه ولم يستفد شيئاً، وكان شرط هذا "الطبيب" أن لا يشتري المستحضرات إلا من عنده وهذا ما كان، وبالنتيجة دفع مبالغ كبيرة على مواد تباع بسعر زهيد في السوق، ودفع أتعاباً تفوق أتعاب أي طبيب متخصص بأضعاف مضاعفة ولم يحصل على نتيجة إيجابية.

وعن هذا النظام الغذائي الذي اتبعه قال عبد الناصر: إنه نظام غريب من نوعه هو عبارة عن قمح كامل منقوع بالماء يؤكل عندما يصبح طرياً وعصير ملفوف بكميات كبيرة وأعشاب لم أتعرف منها إلا على شنبات الذرة، وكانت النتيجة أنني بعد أيام قليلة بدأت اشعر بآلام في المعدة نتيجة هذه الحمية والتي ذهبت (أي الآلام) عندما أوقفت هذا النظام الغذائي.

والطبيب المزعوم الذي يتحدث عنه عبد الناصر مشهور ولديه برنامج على إحدى إذاعات الاف إم السورية التي يتلقى عبرها مئات الاتصالات التي تستشيره ويرد عليها بأن الحالة المطلوبة تحتاج إلى معاينة مباشرة وهو ما يعني وقوع الضحايا في براثنه.

ويلجأ هذا "الطبيب" أحياناً إلى استئجار متصلين يشكرونه على النتائج المبهرة التي حصلوا عليها ويدعون الآخرين لتجريب وصفات الدكتور ... بشكل مباشر.

 

شريحة معينة


ويرى الدكتور أحمد كنعان وهو أستاذ في كلية التربية وعلم النفس أن زبائن هذا النوع من الطب معروفون فهم إما من فاقدين الأمل من الطب العادي، أي أنهم من أصحاب الحالات المستعصية، وهؤلاء لديهم نزوع طبيعي لتصديق ما لا يصدق، أملاً في الشفاء بعد أن أعياهم الأطباء والأدوية والصيدليات. وقابلية هذه الشريحة للتصديق ناتجة عن سريان الشائعات التي يبثها البعض عن حصول معجزات كشفاء مريض سرطان وهذا يحصل في الواقع ولكنه نادر الحدوث وهو استثناء لا يمكن اعتباره بأي شكل من الأشكال قاعدة يبنى عليها.

محل في سوق العطارين بدير الزور


ويرى الدكتور كنعان أن النوع الثاني من المؤمنين بهذا النوع من الطب النساء اللواتي يخضعن لغسيل دماغ يومي عبر محطات الفضاء المنتشرة والتي تتحدث لهن عن مزايا طب الأعشاب وانتشار ثقافة الريجيم على نطاق واسع بشكل بدا وكأن الطريق إلى الجمال هو الاعتماد على ما يسمى المستحضرات الطبيعية، وهذا الكلام صحيح من حيث المبدأ ولكن ما الذي يضمن أن هذه المستحضرات طبيعية، وخاضعة للشروط الصحية وقابلة للاستخدام الآدمي. كل ذلك مفقود ولا توجد رقابة عليه سوى رقابة الضمير إن كان موجوداً.