من يلمع صورة قسد إعلاميا..؟

"تجمع للنازحين بالقرب من حقل كونيكو"

شام إف إم - محمود عبد اللطيف:

 

لا تحتاج متابعة ملف المنطقة الشرقية الكثير من الجهد بالنسبة لكثير من وسائل الإعلام، إذا يبلغ الاستسهال في نقل الخبر من قبل وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية درجة النقل عن بيانات “قسد” حرفيا، أو عن صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التابعة والممولة من الكيانات السياسية المعارضة المنتشرة في عواصم العالم، ولعل من المضحك بمكان أن تجد خبرا نشرته “قسد” منقولاً لدى وسيلة إعلامية بعد نَسبِه لمصادر مفترضة لهذه الوسيلة.

 

وإن كان خبر العملية الانتحارية التي نفذها تنظيم “داعش” مستهدفاً تجمعاً للمدنيين على حاجز، أقامته “قسد” على الطريق الواصلة بين حقلي الجفرة وكونيكو بريف دير الزور الشمالي، مثالاً حاضراً عن هذه الأخطاء المهنية، فمن المفيد الإشارة إلى أن هذه الجريمة تشبه بحد كبير الجريمة التي ارتكبها التنظيم قبل شهر من الآن مستهدفا تجمعا للنازحين قرب منطقة "أبو فاس" في ريف الحسكة الجنوبي الغربي، حينها كان عدد ضخم من المدنيين يتجمع بالقرب من نقطة تفتيش أقامتها “قسد” أيضا للتدقيق بهويات النازحين من ريف دير الزور هرباً من قصف التحالف، وحينها أيضا قالت “قسد” أن “داعش” استهدف تجمعاً للنازحين دون أن توضح ما هو سبب هذه التجمع الضخم في منطقة مفتوحة.

 

في تفاصيل الجريمة الأخيرة لـ”داعش”، تقول مصادر” شام إف إم” إن نحو 50 مدنيا استشهدوا نتيجة لاستهداف التنظيم نقطة تفتيش أقامتها “قسد” بين حقلي كونيكو والجفرة، ولأن تحالف الميليشيات المدعوم من واشنطن لم يتعظ من تفجير "أبو فاس" ولم يستمع لمطالب المدنيين بفتح أكثر من نقطة تفتيش في المنطقة للتعجيل بمرور المدنيين نحو المخيمات، فمن الطبيعي أن يكون ثمة تجمع ضخم للمدنيين على هذه النقطة، بانتظار دورهم لمتابعة الطريق نحو المناطق شبه الآمنة في ريف الحسكة الجنوبي، وحين نشر “قسد” خبر الجريمة أسقطت الكثير من الحقائق كي لا يتم تحميلها أي مسؤولية في ارتفاع عدد الضحايا.

 

وفي الوقت نفسه تجاهلت قوات سوريا الديمقراطية، الحديث عن هجوم آخر للتنظيم بالتزامن مع جريمته باستهدف حاجزا لها بالقرب من قرية "الفدغمي" بريف الحسكة الجنوبي الشرقي، ولعل السبب في هذا التجاهل أن من قُتل في هذا الهجوم هم من عناصرها.

 

مسارعة وسائل الاعلام لتبني الخبر الذي نشرته قسد عن هذا التفجير تذكر بعدد من الملفات أقربها بيان سيطرة “قسد” على حقل العمر النفطي الذي سبق السيطرة الفعلية على الحقل بأسبوع، وحينها تبنت كل وسائل الإعلام تقريبا الخبر نقلا عن مصادر مفترضة، وهذا التبنّي فتح باب الجدل الاعلامي حول مصير الحقل ،على الرغم من أن “قسد” خالفت عادتها بتأكيد سيطرتها على أي نقطة من خلال ننشر تسجيلات فيديو لمقاتلي ميليشيا "الوحدات الكردية" فهي النقطة المقصودىة.

 

وبرغم تأخر ظهور تسجيلات فيديو من حقل العمر لأسبوع بقيت وسائل الإعلام على رأي “قسد”، إلى أن ظهر تسجيل فيديو لعناصر من الوحدات الكردية في الحقل وهم يقومون بتبديل راية التنظيم براية “قسد” فوق “تلحقل” المهدم بنسبة كبيرة نتيجة لغارات التحالف، دون أن تتطرق أي وسيلة إعلامية لتناول تفاصيل الأنفاق الذي تم بين الطرفين (داعش و قسد) حول تسليم الحقل ومساحات أخرى.

 

وكان الغاية من ذلك  تبرئة “قسد” من التفاوض مع “داعش”، على الرغم من إن هذا التفاوض حدث في أكثر من منطقة في سورية وكانت منبج أول هذه المناطق ولم تنهي الأمر بتسليم الرقة، وهذا التفاوض أكدته تسجيلات الفيديو التي أظهرت خروج التنظيم من المدينة المدمرة بشاحنات وحافلات متعددة الى مناطق ريف دير الزور الشرقي.

 

كما تم تجاهل دور “قسد” في تدمير الرقة بالتشارك مع التحالف، ونسب الدمار إعلامياً لـ”داعش” على الرغم من أن القصف الجوي والمدفعي من قبل واشنطن وأدواتها هو من تسبب بهذا الدمار وأسفر عن استشهاد أكثر من 4000 مدني وجرح وفقد آلاف أخرين، والمحزن أن غالبية وسائل الإعلام كانت تتبنى أرقام “المرصد المعارض” أو صفحات تابعة للمعارضة حول حصيلة الضحايا، على الرغم من أنها أرقام لم تشر إلى حجم الكارثة الإنسانية في المدينة المنكوبة المدمرة بنسبة تفوق الـ ٩٠٪.

 

وحاولت هذه الأرقام، التقليل من حجم الضحايا المدنيين لتلميع صورة التحالف و”قسد”، وكان الكثير من وسائل الإعلام شريكاً في هذه الجريمة الإعلامية.

 

وفي ريف دير الزور أيضا، كان ثمة تفاوض مباشر بين “قسد” و”داعش” لتسليم مناطق شاسعة من المحافظة دون قتال، ولأن “قسد” وصفت هذا التفاوض بجملة "وساطة عشائرية"، فقد تبنت وسائل الإعلام هذا التوصيف على الرغم من إن وجهاء العشائر العربية منقسمين من حيث الإقامة بين دمشق وتركيا، وعلى الرغم من خلو مناطق دير الزور من المدنيين تقريبا، فإن من بقي هم نسبة تقل عن 10 % من سكان المناطق التي يتم التفاوض عليها، بهدف فتح طريق لـ”قسد” نحو البوكمال الأكثر حيوية في حسابات المرحلة الحالية من الصراع الميداني في المنطقة الشرقية.

 

هنا تَبرز عدد من المعلومات حول حقول النفط بحسب مصادر محاية لـ”شام إف إم”، تؤكد أن أجزاء من حقل العمر ما زالت تشهد وجود مجموعات لـ”داعش” على خط تماس مباشر مع “قسد” في الحقل، ولم تثبت “قسد” إلى هذه اللحظة بتسجيل فيديو كما تفعل في العادة حين تدخل منطقة جديدة، كما إن هذه الميليشيات تمتلك أوامر مشددة من التحالف الأمريكي بضرورة رسم خارطة ميدانية توقف تقدم الجيش السوري نحو مناطق شرق الفرات، لذا اتفقت مع “داعش” ليسلمها قرى "جديد عكيدات – جديد بكارة – الصبحة"، وما زال التفاوض قائما لتسليم مدينة البصيرة التي تعد من المناطق الحيوية اقتصادياً على مستوى "الزراعة" و "النفط".

 

وتقول معلومات “شام إف إم” حول عملية التفاوض التي تتم في ريف دير الزور الشرقي، أن قائد ميليشيا “مجلس دير الزور العسكري” التابعة لـ”قسد” المدعو "أحمد أبو خولة"، والمدعو "أحمد الموسى" القيادي السابق في “داعش” والمنظم حديثا لـ”قسد” يقودان مفاوضات مباشرة مع “داعش” دون أي وساطة، ويتم من خلال هذه المفاوضات استلام مناطق شرق دير الزور من التنظيم دون قتال، وينضم السوريين منهم الى صفوف "قسد"، وهي تفاصيل تحاول الأخيرة إخفاءها وإنكارها إعلامياً، لتبقى أمام الرأي العام العالمي بصورة المحارب الديمقراطي للإرهاب، وهذا قد يعزز موقفها على طاولة التفاوض حين يتم فتحها لبحث ملف فدرلة الشمال السوري.

 

المصيبة أن وسائل الإعلام الدولية تعمل ضمن مناطق “قسد” بتوجيه من هذا التحالف الميليشياوي، والمصيبة الأكبر أن وسائل إعلام عربية ومحلية ومن بينها أحيانا وسائل الاعلام الرسمي تعتمد من يقدمه المراسلون من معلومات مستقاة من بيانات “قسد”، ومن الطريف جدا أن تجد الخبر منقولا من قبل هؤلاء المراسلي، حرفيا دون عناء في التأكد من صحة البيان ومطابقته لأرض الواقع أو عدمها.

مع التذكير بأن انعدام مصادر المعلومات في منطقة ما، ليس معيباً بحق أي وسيلة إعلامية خاصة وأن مناطق الميليشيات الخارجة عن سلطة الدولة السورية، محرمة على أي وسيلة إعلامية أخذت اصطفافا سياسيا لصالح دمشق.

 

لذلك فإن ”قسد” تمنع دخول الإعلام التابع للحكومة السورية، ولعل وزارة الاعلام السورية مطالبة بضبط هذه الحالة دون سواها، كي لا يتم تلميع صورة “قسد” إعلامياً بقصد او بغيره.