مهد المسيحية بلا مسيحيين!!!

تيسير أحمد - شام نيوز

لست من المعجبين بنظرية المؤامرة ولا من المؤمنين بوجود حكومة خفية تسير العالم لتحقيق أهداف شيطانية، ولكن ما يجري على صعيد استكمال عملية إفراغ منطقتنا من المسيحيين يدعوني للتعجب.
من بغداد إلى الاسكندرية ثمة سؤال كبير، لماذا الآن؟ وما هي مبررات كل هذا التشنج الذي يدار بعقل تآمري أقل ما يقال فيه إنه مكشوف.

فجأة تعلن القاعدة حربها على مسيحيي الشرق، ثم بعد أيام تستهدف كنيسة في بغداد، وبعدها بأسابيع تفجير انتحاري أمام كنيسة في الاسكندرية.
يظهر "مفكر" إسلامي على شاشات التلفزة ليعلن عن تخزين أسلحة في الأديار المسيحية القبطية، ثم يظهر ناشط قبطي في الولايات المتحدة ليطالب بحكم ذاتي أو انفصال لأقباط مصر!

أليس هذا هو الشق العملي من نظرية "صدام الحضارات" لهنتنغتون الذي بشرنا قبل عقدين من الزمن بأن الصراع بين الحضارات والأديان قادم لا محالة؟

كان الصراع العقائدي بين مسيحيي الشرق (السريان والعرب والأقباط) مع السلطة الكنسية البيزنطية على أشده قبيل الفتوحات الاسلامية، ولذلك فتح هؤلاء أبواب مدنهم للعرب المسلمين الأوائل هرباً من الاضطهاد البيزنطي، فعاش المسيحيون والمسلمون في الشام ومصر والعراق ضمن إطار عقد مقدس لم يخل أحد ببنوده إلا إبان الحروب الصليبية. ومع كل الأزمات التي مرت بالبلاد عبر العصور ظل المسيحيون واليهود جزءً أساسياً من مكونات مدن الشرق القديم من بغداد إلى دمشق وحلب والاسكندرية والقاهرة.

لقد تكشفت أخيراً معظم الوثائق التي تثبت تورط الحركة الصهيونية وبعض الدوائر الغربية وبعض الأنظمة العربية في جريمة إجلاء يهود العراق ومصر تحديداً نحو إسرائيل، وهاهي الصورة تتضح أكثر في هذه الأيام حول جريمة أخرى يجري الاعداد لها من الممكن أن تؤدي إلى دق إسفين بين مسيحيي مصر ومسلميها، حيث بدأ البعض يتحدث عن سيناريوهات محتملة كثيرة ليس أسوأها هجرة أقباط مصر إلى كندا والولايات المتحدة، في حين تتحدث الاحصائيات عن هجرة معظم مسيحيي العراق إلى الدول الاسكندنافية وكندا والولايات المتحدة وأستراليا.

سواء علم الضالعون بهذه الكارثة أم لم يعلموا، فإن ما يفعلونه هو تنفيذ حرفي لنظرية صدام الحضارات سيئة الذكر.. فالمطلوب شرق متعصب بلون واحد، لكي تستمر الحرب على أعداء "طريقة الحياة الأميركية" لعقود قادمة.

الفارق بين السياسات الاستعمارية في القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين أن سياسات القرن الماضي كانت تتم في الخفاء ولا تتكشف وثائقها إلا بعد عقود طويل، أما سياسات قرننا الواحد والعشرين فإن خططها معلنة، ووثائقها متاحة للجميع على شبكة الانترنت.