مهرجان مساحات شرقية يفتتح اعماله بندوة عن التأثير في الموسيقا الشرقية

بدأ مهرجان مساحات شرقية فعالياته أمس بعقد مؤتمر علمي حول التأثير في الموسيقا الشرقية يعالج فيه موضوعية هذا التأثير في الأطر التقليدية ويتناول هذه الظاهرة من منظور انثروبولوجي ثقافي وعلمي موسيقي.
وركز الدكتور محمود القطاط من تونس في مداخلته على التأثير الموسيقي عند العرب بوضعها في سياق التفكير الإسلامي العام عبر ربط الموسيقا بمعتقدات روحانية وصوفية لافتاً إلى أن ذلك يندرج ضمن توجه قديم موروث يركز على علاقة الأصوات بالطبائع البشرية والعناصر الكونية وعلى مبدأ التأثير الموسيقي وقد اتبعه وتعمق في شرحه المنظرون العرب الأوائل قبل أن يصير من ركائز المدرسة المغاربية الأندلسية.
وتناول القطاط في محاضرته العلاقة بين الموسيقا والطب والقدرة العلاجية للموسيقا حيث قال.. أعطيت أهمية كبيرة للقدرة التعبيرية والعلاجية للموسيقا ولآثارها على النفس الإنسانية وهذا الموضوع عميق ومتعدد المشارب وتتداخل فيه الموسيقا مع مجالات عدة فلسفية.. صوفية.. أخلاقية.. رياضية وطبية مبيناً أن الموسيقا علم متعلق بمجموعة من العلوم ومستخرج منها كعلم الهيئة وعلم الطب والفلك والطبيعة وأن له تعلقا بجميع العلوم.
وأضاف.. يعتبر العود آلة مرجعية في التأثير الموسيقي العربي ويجد كل من التأثير الموسيقي والعلاج الموسيقي تعبيرهما بوضوح في الخصائص التي ينسبها المنظرون لأوتار العود ومن خلاله للمقامات والإيقاعات حيث شكلت آلة العود وسيلة مرجعية أساسية أتم وأحسن ما صنع من الآلات وربطوا نغماتها بعوالم الأرواح والكون والأجساد.
كما أجرى الباحث القطاط تصنيفاً لما سماه المقامات والطبوع والتي تربط بين المقامات العربية وفروعها وذلك وفق خصائصه النظرية من تراكيب لحنية وقدرات تعبيرية وتأثيرية.
من جانبها أوضحت الدكتورة بشرى بشعلاني أن بحثها يهدف إلى التحقق من فرضية أن الطفل ما بين 8/12 سنة قادر على الإدراك السهل لمقومات الألحان ذات السلالم المقامية ذات المسافات المتوسطة وتنمية كفايته الإدراكية مع التقدم في العمر.
وأضافت انها اعتمدت في هذه الفرضية على دراسة ميدانية خلال عامي 2008 و2009 من خلال مقاربة في حيز علم الموسيقا وعلم النفس التربوي الموسيقي والمراحل التعليمية مبينةً أنه إن خضع الأطفال لإصغاء دقيق للمناهج الموسيقية المتمحورة حول الهيكلية الموسيقية بشكل منتظم على امتداد ستة أسابيع يصبح بإمكانهم تطوير ملكاتهم الموسيقية وتمييز الأبعاد الموسيقية ذات التقاليد الشرقية.
بدوره أوضح الباحث الفرنسي جان ديورينغ في محاضرة بعنوان الخاصية الاساسية للموسيقا الشرقية ان الموسيقا تؤثر على الانسان من النواحي البيولوجية والنفسية والعاطفية والروحية محاولاً مقاربة كل هذه الجوانب للوصول إلى رؤية موضوعية.
وقدم ديورينغ صورة عن المعطيات المختلفة في هذا المجال التي تجمع بين الثقافة الغربية والاساطير بهدف الوصول الى اعتقاد واضح راصدا ً التأثيرات الافتراضية للموسيقا على كل من المعادن والنباتات والحيوان والانسان .
وبدأ بالحديث عن تأثير الموسيقا على المعادن مبينا أن الاساطير التي تتحدث عن تأثير الموسيقا عليه قليلة نسبيا لكن هناك مجموعة من المقالات والابحاث لعدد من الباحثين المختصين في هذا المجال تحدثت عن تأثيرات مختلفة للموسيقا في بنية المعادن مشيرا إلى أن الاصوات والكلمات ذات تأثير على تجمد الماء وتبلوره .
ولفت إلى أن تأثير الموسيقا على الاذن لا يأتي فقط من خلال الاذن بل ان بنية الانسان المكونة اساسا من 80 بالمئة سائل تتأثر بحيث اذا سمعنا أشياء متناغمة يتخذ السائل شكلا متناغما.
وإذا سمعنا أشياء غير منسجمة يتولد لدينا متناقضات .
وانتقل الباحث الفرنسي الى تأثير الموسيقا على النبات فأوضح أن التجارب اثبتت ان النباتات تنمو بصورة أفضل مع الموسيقا حيث أنها تؤثر على الخلايا في هذه النباتات وتدفق السوائل عبرها .
وضرب ديورينغ مجموعة من الامثلة حول التأثير الروحي للموسيقا على الانسان مشيرا إلى عدد من القصص حول هذا الموضوع تنتمي إلى ثقافات مشرقية مختلفة.
وأكد أن الموسيقا تبث الرحمة في النفس وتعطي طمأنينة كبيرة لذلك يجب تسخيرها من اجل خير الانسان والارتقاء به وبذل الجهود المختلفة ليصبح تذوق الموسيقا علما قائما بحد ذاته .
وخلص إلى القول إنه يجب على كل باحث متخصص في الموسيقا جمع التراث والكشف عن ما اعتبر لوقت طويل نوعا من الخرافات والجمع بينها وبين العلم الحقيقي للوصول إلى نتائج منطقية تكون أكثر إقناعا .
أما الباحث نداء أبومراد من لبنان فقدم محاضرة بعنوان نمذجة تأثير الموسيقا النفسي في المشرق على أساس أنساق أنثروبولوجية ثقافيّة" عالج من خلالها فرضية موضوعية للتأثير الموسيقي في الأطر التقليدية، وذلك انطلاقًا من رسم ثلاثة أنساق أساسية توحيدي تلاويّ وصوفاني إنشادي وسراني لازمي.
وتحدث عن اندراج الظاهرة الموسيقية من منظور أنثروبولوجي ثقافي، بخاصة في علاقتها مع الحيز الطقسي حيث تتشكل على أساسها ثلاث وضعيات إدراكية مقترنة بأحوال نفسية نموذجية خاصة بكل نسق.
كما قدم مدخلا أوليا لموضوع مقاربة التقاليد الموسيقية الحية في المشرق العربي على أساس نماذج تصنيفية في سياق معالم الظاهرة الموسيقية المتعددة الزمن اللحن، شدة الصوت، الرنة، الجهاز الصوتي النسيج، النوع، إستراتيجية الإنتاج، الأسلوب، الشكل، طريقة التجسيد، التنظير، طريقة الانتقال، وبخاصّة من منظور تاريخي يرتكز على أنساق أنثروبولوجية ثقافية مميزة.
ولفت إلى أن دراسته للموسيقا اكدت على ضرورة الانطلاق من النص الموسيقي بحد ذاته وان الثقافات المختلفة نظرت إلى الموسيقا من خلال نظرة فلسفية وكونية ووظفتها طقسيا مع وجود ارتباطات متنوعة للموسيقا خاصة بالحيز العلاجي.
مقاربة نمذجية للتقاليد الموسيقية بالمشرق العربي
كما تناول الباحث أبو مراد من خلال محاضرته الثانية بعنوان مقاربة نمذجية للتقاليد الموسيقية في المشرق العربي الموسيقا كظاهرة إنسانية تعتمد على نظام صوتي وعلى دلالات وكأنما هي لغة غير كلامية.
وأشار أبو مراد في محاضرته التي ألقاها في قاعة الدراما بدار الأسد للثقافة والفنون ضمن مؤتمر عن التأثير في الموسيقا الشرقية والذي يقدمه مهرجان مساحات شرقية إلى أن هذه المعطيات الدراسية للموسيقا الشرقية يمكن تحليلها وتوصيفها وتصنيفها ونمذجتها من منظور علمي موسيقي على أساس الزمن واللحن والنبرة والنسيج والجهاز الترنيمي أو العزفي وغيرها كما أن هذه التصنيفات يمكن أن تقدم طرق علمية لدراسة الموسيقا.
وتحدث الموسيقي أبو مراد عن خصوصيات تميز هذا النموذج الموسيقي مستشهداً بمدارس موسيقية عديدة فهذه المدارس الشرقية مثل موسيقا محمد عبد الوهاب وغيرها هي نصوص قابلة للدراسة من خلال ما وصلنا منها عن طريق الاسطوانات والأقراص والوسائط المتعددة إلا أن هذه الدراسة هي دراسة توصيفية غير قابلة للنموذجية.
وقام أبو مراد بتعريف الظاهرة الموسيقية من وجهة نظر الاختصاص بأنها ظاهرة إنسانية ذات وجه صوتي اكوستيائي قابل للنموذجة من مناظير بنيوية عابرة للزمن وحاملة للدلالة.
وأشار الموسيقي إلى أن الترميز في اللغة ينبني على أساس مستويين الأول يأخذ بعين الاعتبار تقطيع النص إلى وحدات ذات حد أدنى من الدلالة التي تسمى صيغم والثاني يأخذ بعين الاعتبار تقطيع الصيغم إلى وحدات صوتية أصغر تسمى صوتم موضحاً أنه يتم تطبيق الدراسة على الحيز الموسيقي المشرقي من خلال مفهوم الدلالية المقامية في النصوص الموسيقية الخاصة بالتقاليد الشرقية.
وقدم الموسيقي بحثه في الموسيقا الشرقية وفق دلالات علمية ونظريات تعتمد على المفاهيم الاختصاصية الموسيقية مفصلاً أنواع الموسيقا ومستوياتها كظاهرة صوتية أدائية إنسانية.
يذكر أن أبو مراد أستاذ في علم الموسيقا وهو مدير المعهد العالي للموسيقا في الجامعة الأنطونية في لبنان ويرأس تحرير مجلة التقاليد الموسيقية وله عدة دراسات منشورة في موسوعات ومجلات علمية وصدر له 12 قراصاً مدمجاً وشارك في مهرجانات موسيقية دولية مرموقة.
يشار إلى أن المؤتمر يقام بالتعاون مع المعهد الفرنسي لدراسات الشرق الأدنى والمجتمع العلمي العربي للموسيقا والجامعة الانطوانية في لبنان وجامعة نانتير في باريس بإشراف علمي أكاديمي من الباحثين.