«مهنة» الفساد

 
 
 
 
عصام داري - الوطن
 
 
 
 
   
عمر الفساد من عمر الإنسان نفسه، مثله في ذلك مثل الدعارة، وربما الدعارة هي أشرف من الفساد، ولكم أن تحكموا! والحديث عن الفساد عندما يبدأ لا يمكن أن ينتهي، كأغنية الشيطان، فالفاسدون والمفسدون، على حد سواء، تلامذة الشيطان النجباء، وهناك من تفوق على الشيطان عندما ابتكر أساليب لا تخطر على البال، لتبرير فساده، أو لإيجاد السبل التي تسهل له هذا الفساد.

 


أختلف هنا مع الذين يتحدثون عن «ثقافة الفساد» إذ من غير المعقول أو المقبول أن نربط كلمة الثقافة التي هي معين الشعوب وتراثها المتوارث، وبين كلمة الفساد التي هي إحدى أكبر الرذائل والآفات والمعاصي، ومن المناسب اعتماد تسمية ملائمة ولتكن: «مهنة الفساد».

 


والسبب الذي أكتب فيه اليوم عن هذه الآفة التي تنخر مجتمعنا، ما يتداوله السوريون في أن الفساد هو أحد أسباب ما وصلت إليه سورية، ومنهم من يغالي في ذلك ويدعي أنه السبب الوحيد للأزمة في بلدنا.
وبغضّ النظر عن هذا وذاك، فإن الفساد أسهم إسهاماً كبيراً وخطراً في هذه الأزمة، بدءاً من الرشوة التي كانت بالقروش والليرات يتقاضاها ضعاف النفوس، مروراً بالمحسوبية والوساطات التي أوصلت غير المؤهلين والفاشلين إلى مراكز اتخاذ القرارات، وصولاً إلى أعلى درجات الفساد إن كان عبر حكومات ووزراء ومديرين أسهموا في ترهل الأداء، ونشروا الفساد وحاربوا كل ما هو نظيف وجميل في وطننا، وضعوا السياسات ورسموا الخطط الارتجالية التي أنهكت مؤسساتنا وحملتها خسائر هائلة، فتحولت إلى أرباح «جُيّرت» إلى أرصدتهم في البنوك والعقارات وسواها.

 


ونعترف أن «بعض الإعلام» كان فاسداً، وخاصة عندما كان يصور الفشل نجاحاً، والخسائر أرباحاً، والفاسد على أنه قمة النزاهة والإقدام والشجاعة والذكاء.

 


وللأسف الشديد، فإن الفساد في ظل الأزمة التي تمر بها سورية ازداد واستفحل بدلاً من أن يتراجع، فكشر «الفساد الرسمي» عن أنيابه لينهش في جسد المواطن، وساهم ضعاف النفوس من التجار والوسطاء والمحتكرين بحثاً عن الكسب السريع على حساب لقمة المواطن وحياته، فارتفعت الأسعار بشكل جنوني.. ويلقون بالمسؤولية على الدولار الذي صار بدوره مجالاً للمضاربات والتلاعب والفساد.

 


منذ سنوات طويلة ونحن نسمع عن نيّات حكومية لمكافحة الفساد، لكننا نسمع جعجعة ولا نرى طحناً، فالمسؤولون والسياسيون والإعلاميون ومرشحو مجلس الشعب، يلقون على مسامعنا الخطب العصماء عن الفساد وضرورة محاربته، لكن هذه الخطب تذهب أدراج الرياح حتى صارت سخرية المواطن.
فأين الهيئة القضائية المستقلة التي تحاسب الفاسدين، مهما علت مرتبتهم وكانت وظيفتهم؟
لا أريد إلقاء العظات، لذا سأختتم بقصتين أرى فيهما طرافة.

 


فمنذ زمن قال لي رجل طاعن في السن: إننا مسؤولون عن الفساد، ونربي أطفالنا عليه، فعندما يكون رضيعاً ترضعه أمه فور أن يبكي، وهذه رشوة، وعندما يكبر نعطيه قطعة حلوى أو «سكّرة» ثم تتطور الرشوة لتصبح نقوداً، وحين يصبح موظفاً يكون قد اعتاد على الرشوة.

 


والقصة الثانية تتعلق بفاسد «لطش» بعض المقالات من الصحف التي تتحدث عن الفساد وجمعها في كتاب اسمه الفساد، ولكن للأسف نسي أن يذيله بعبارة «سيرة ذاتية»!