ميقـاتي يتفـادى الانـزلاق إلى سـجال مع المحكمـة وبيلمـار

يجمع المتابعون للاتصالات الجارية حول تشكيل الحكومة الجديدة على تضافر عوامل عدة، سياسية و«تقنية»، داخلية وخارجية تؤخر التشكيل، أخطرها العامل الخارجي المتعلق بضبط ايقاع تحرك التحقيق الدولي واجراءات وخطوات المحكمة الدولية والقرار الاتهامي المرتقب بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، على ايقاع التحرك السياسي اللبناني.
ظهر ذلك - وفق المتابعين - في اكثر من مناسبة وقامت به المحكمة الدولية مرارا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تعديل قواعد الاثبات والاجراء بحيث تتيح للمحكمة المحاكمة الغيابية للمتهمين المفترضين، وهو التعديل الذي حصل اثر إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عدم التعاون مع المحكمة بسبب الانتهاكات التي عددها وقتها لما يفترض ان يكون عليه سلوك المحكمة، بما فُسّر بأنه رد على نصر الله «بأننا سنلاحقك وعناصرك ولو غيابيا».
وجاءت التسريبات المتلاحقة عن المحكمة والمدعي العام القاضي دانيال بيلمار حول اتهام «حزب الله» ومواعيد صدور القرار الاتهامي ومضمونه، وتنامي الطلبات الغريبة وغير المنطقية لبيلمار واعادة تحريكها مع انها تعود الى شهر ايلول الماضي، لتثبت بالملموس ان تحرك المحكمة انما يرتبط ارتباطا وثيقا حصرا بما يقوم به حزب الله من اجراءات لمواجهة تسييس المحكمة، ولمواجهة اي تغييرات سياسية وحكومية في لبنان، كان اخرها اقصاء الرئيس سعد الحريري عن موقع السلطة وتسمية الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة الجديدة.
ويرى المتابعون ان اعادة اثارة طلب بيلمار لبصمات الشعب اللبناني و«داتا» الاتصالات وغيرها، في ظل المساعي الجارية لتشكيل الحكومة، وترقب ردود الفعل الرافضة لمثل هذه الطلبات، والتلويح بمقاطعة دولية وبعقوبات على لبنان اذا اخلّ بالتزاماته الدولية حيال المحكمة والقرارات الدولية الاخرى، انما يهدف الى ممارسة مزيد من الضغط السياسي على الرئيس ميقاتي، لمنعه من الانطلاق في تشكيل الحكومة او على الاقل لدفعه الى التزام «ضوابط التشكيل» بما يؤمن توجه الجهة السياسية المسيرة للمحكمة الدولية، وهو محاصرة حزب الله وحلفائه في الاكثرية الجديدة، واطلاق يد المحكمة ومن يدعمها في التأثير على اللعبة الداخلية اللبنانية.
وتقول مصادر مطلعة على موقف ميقاتي، ان استخدام موضوع طلبات بيلمار في الصراع الداخلي هدفه التجييش لحشد الجمهور في 13 اذار، ومحاولات ملتوية لجر ميقاتي الى سجال لا يريده، والى الزامه بتعهدات مسبقة، وتحميله مسؤولية ما يمكن ان يحصل علما انه دستوريا مسؤول فقط عن تشكيل الحكومة، لا عن اي قرارات او توجهات رسمية للبنان هي في صلب مسؤولية حكومة تصريف الاعمال.
يضاف الى ذلك الاجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة الاميركية بحق احد المصارف اللبنانية بحجج مختلفة منها تبييض الاموال و«تمويل الارهاب» وتبين ان سبب هذه التهمة هو وجود متمول لبناني شيعي في مجلس ادارة المصرف! وقد فُسّرت هذه الاجراءات على انها من ضمن الضغط على ميقاتي وحزب الله، وتشير بعض التسريبات في هذا الاطار الى وجود نيّة اميركية بملاحقة مصرفين آخرين أحدهما مصرف كبير يهتم بالاغتراب، لوجود متمول شيعي فيه ايضا، ولكن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي عاد من اميركا قبل يومين، التقى امس الاول السبت، الرئيس ميقاتي وابلغه رسميا ان «لعبة المصارف» انتهت على النحو المعروف، وان لا جديد في الموضوع، لكن تسريب هذه المعلومات دليل على حجم الضغوط التي يتعرض لها الرئيس ميقاتي والاكثرية الجديدة لعرقلة اقلاع الحكومة. عدا عن ان استخدام هذه اللعبة في الخلاف الداخلي سلاح ذو حدين ينعكس سلبا على جميع الاطراف.
هذا التوجه السياسي لعمل المحكمة الدولية والضغوط الاميركية على القطاع المصرفي إضافة الى رغبة ميقاتي بتمرير احتفال «قوى 14 اذار» ليبني على الشيء مقتضاه، اضافة الى ترقب صدور القرار الاتهامي، كانت من بين الاسباب السياسية لتأخير تشكيل الحكومة، ما دفع بعض الاطراف السياسية في الاكثرية الجديدة الى الاعتقاد بوجود «قرار سياسي كبير» بتأخير التشكيل، وليس مجرد وجود خلافات حول «تقنية» التشكيل.

 

 

المصدر:السفير