نحو الحلول السياسية العاجلة والشاملة

 

عصام حوح - قاسيون

تؤكد الوقائع الملموسة على الأرض أن الأزمة الوطنية تتعمق أكثر فأكثر بسبب مواقف القوى المختلفة الفاعلة على خط الأزمة، فيرتفع يوماً بعد يوم منسوب الدم السوري بسبب العنف والعنف المضاد، وما زال ملف المعتقلين والمفقودين مفتوحاً، ويتدهور الوضع الاقتصادي، وما يدل على ذلك تراجع قوة الليرة السورية أمام سلة العملات وتشير توقعات المختصين إلى تفاقم ذلك خلال الفترة القريبة القادمة، مما ينذر بإنهاك الاقتصاد الوطني في المجالات كافة.

وتشهد الأسواق فلتاناً في أسعار مواد الاستهلاك الشعبي، مما يؤثر سلباً على مستوى معيشة المواطنين، مضافاً إليها عدم توفر بعض السلع الإستراتيجية كالمحروقات، وتزداد مظاهر الفلتان الأمني بتفشي حالات الجريمة والقتل والخطف في بعض مناطق البلاد، وعلى أثر كل ذلك يزداد طرداً قلق المواطن السوري على حياته ومستقبل البلاد.

وفي المسار الإقليمي نجد أن الدوائر الامبريالية المأزومة والمحكومة بالتراجع، تحاول أن تصعد الموقف ضد إيران عبر التهديد بالحرب كأحد أشكال تفريغ الأزمة، وتحاول بناء قواعد عسكرية في ليبيا على الحدود المصرية تحسباً لتطورات في غير مصلحتها على الساحة المصرية، إلا أنه بات من الواضح تراجع دور تلك الدوائر بسبب عمق الأزمة الرأسمالية وتوازن القوى الجديد الآخذ في التشكل عالمياً على أثر ذلك، فالموقف الروسي يتجذر يوماً بعد يوم في رفض الهيمنة الأمريكية، وبدأ يأخذ زمام المبادرة في العديد من الملفات الدولية، ومنها الأزمة السورية، وترتفع نبرة التحدي في تصريحات ومواقف الساسة الروس الذين باتوا يضعون الخطوط الحمراء غير المسموح تجاوزها أمريكياً، وتتخبط أيضاً محاولات الأنظمة الإقليمية والرجعيات العربية للتحكم بمسار الأزمة السورية منذ مبادرتها الملغومة وانتهاءً بتصريحات وزير الخارجية القطري الأخيرة، والتي يقصد منها إحياء فكرة تدويل الأزمة، أي أنه ثمة مناخ دولي وإقليمي يتبلور لمصلحة سورية كوطن وشعب ولكن النظام مازال وفي أغلب الحالات يعتمد على الأرض تلك المعالجات التي لم تثبت الوقائع عدم جدواها فحسب بل أثبتت أنها تعمقها أكثر فأكثر، وهذا ما لا يسمح باستثمار هذا المناخ الدولي لمصلحة البلاد,أي أن طريقة إدارة الأزمة من جانب النظام لا تنسجم مع الظرف الدولي الإيجابي، والذي لا يستطيع أحد ضمان استمراره في ظل وضع عالمي مضطرب بكل إحداثياته، وهنا تبرز المفارقة المرة!؟

إن توازن القوى الداخلي في البلاد الذي تشكل بعد انطلاق الحركة الاحتجاجية السلمية المشروعة، والتشابكات الدولية والإقليمية مع الأزمة السورية ومستوى الخطر الذي وصل إليه الوضع بعد عشرة أشهر على الأقل في بعض المناطق، وبعد أن تم التفريط بفرص عديدة، إن كل ذلك يتطلب منطقاً جديداً في التفكير والعمل، منطقاً يعتمد الحلول السياسية الشاملة دون تباطؤ لأن الزمن ليس عنصراً محايداً في المعادلة السورية الراهنة, لا بل وكما أثبتت الوقائع كلما تأخر اعتماد الحل السياسي الشامل فإن الزمن يلعب دوراً إلى جانب القوى المعادية لمصالح الشعب السوري،

ومن هنا كان من الضروري الإسراع في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وهي حكومة استثنائية وفي ظرف استثنائي، حكومة مؤقتة لها مهمة محددة، وهي تأمين أجواء الخروج الآمن من الأزمة، حكومة فاعلة وصاحبة قرار فعلي محررة من كل أشكال الوصاية، حكومة واسعة بالمعنى النوعي، تضم ممثلي كل القوى الحية والنظيفة في النظام والمعارضة الوطنية والحركة الشعبية، تكون أداة لحل الأزمة حلاً وطنياً كخطوة أولى ولابد منها على طريق التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل. إن خطوة تاريخية كهذه، وفعلاً نوعياً بهذا المستوى كفيل برد كل أشكال التدخل الخارجي على أعقابه، وكفيل بتعرية قوى المعارضة المشبوهة، التي جعلت من دماء السوريين سلعة في بازار المشاريع الدولية، وكفيل بردع تلك القوى المتطرفة المتطفلة على الحركة الشعبية والمدعومة من الخارج، وأخيراً كفيل بزج الأغلبية الشعبية في المعركة بما يخدم كرامة الوطن والمواطن.