نعم لـ 14 فبراير

لا يخفى على أحد ما يدور في الساحة العربية من الثورات والاحتجاجات الشعبية طلباً لتحسين المعيشة من خلال إيجاد الحريات ومحاربة الفساد ورفع الرواتب والأجور، وقد نجح الشعب في تونس ومصر في إسقاط أنظمتها وبرهن على قدرة الشعوب في التأثير والتغيير، وهذا قد أغرى بعض الشعوب في الدول الأخرى ــ العربية وغيرها ــ أن يحذوا حذو شعب تونس ومصر ــ ومنها جماعات في البحرين ــ بالدعوة إلى الاعتصامات والاحتجاجات في (14 فبراير)، نعم نحن مع 14 فبراير في محاربة الفساد وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين وهذه حقوق الشعوب التي أيدها الميثاق الوطني بكل وضوح، ولكن من الخطأ بيقين أن يظن أحد أن مملكتنا البحرين كأنظمة هذه الدول، وأن الثورات التي نجحت في تلك الدول ستنجح في البحرين، وهذا كلام من لا يقرأ الواقع ولا يفهم حركة الشعوب، إن ما يحرك الشعوب أو الأفراد هو ميزان المكاسب والخسائر، ماذا أكسب من خلال هذا الموقف وماذا أخسر، وعند تحكيم هذا الميزان بعيداً عن العواطف والانفعال نرى تبايناً كبيراً بين البحرين وتلك الدول، فعلى سبيل المثال:
1- التزوير في الانتخابات وقمع المعارضين بشتى الوسائل سمة ظاهرة في تلك الدول باتفاق الجميع، وهذا لم يكن بمملكة البحرين بشهادة المعارضين والمراقبين، كما لم تقمع المعارضة في البحرين، وما تم من حبس بعض الشخصيات والأفراد فلدواعٍ أمنية وقانونية يعرفها الجميع، وتطبقها أرقى الأنظمة الديمقراطية للصالح العام، ثم هذه الشخصيات لا تمثل ذلك الثقل كما تمثله الشخصيات الأخرى من المعارضة في البحرين.
2- لم يكن للمعارضة أي تمثيل في تلك الدول إلا تمثيلا صوريا، بخلاف البحرين فالمعارضة نجحت في الوصول إلى قبة البرلمان فمثلاً كتلة الوفاق لها 18 نائبا في البرلمان، أي أكبر تكتل برلماني، وأكبر جمعية سياسية مؤثرة في البلاد هي من المعارضة.
3- قضية الحريات وهي قضية مهمة جداً فتلك الدول تكاد تنعدم الحريات فيها وإن كانت تتشدق بها وقانون الطوارئ وقضايا التعذيب يشهد بذلك، بخلاف البحرين فالحريات سقفها عالٍ، وهي تنعم بجملة من الحريات لا تكاد تجدها في الدول المجاورة فضلا عن الدول الأخرى، فمثلاً رموز المعارضة موجودة في البحرين وبقوة من غير أي مضايقة أو منع فالشيخ عيسى قاسم والسيد الغريفي وغيرهما الكل يعلم من خلال متابعة الجرائد والانترنت مدى الحرية التي يتمتعون بها والمكانة التي يتبوأونها.
4- الحياة المعيشية في تلك الدول متدنية جدا والبطالة منتشرة بصورة مأساوية، بخلاف البحرين فالوضع فيها لا يقارن، أنا لا أقول إنها في أحسن حال لكنها نسبيا أفضل من تلك الدول التي نجحت فيها الثورات أو التي هي مرشحة لقيام الثورة فيها، ونحن نطالب كما يطالب الجميع بتحسينها.
5- اتفاق الإسلاميين وغير الإسلاميين والمثقفين والعامة والطبقات الفقيرة والوسطى وجميع الأحزاب والحركات في تلك الدول على ضرورة إحداث التغيير وإسقاط النظام، بخلاف البحرين فهناك شريحة الأغلبية من جميع الفئات لا ترى إسقاط النظام ولا تغييره، نعم تعديل بعض المواقف والقرارت ومحاربة الفساد في بعض الدوائر والسعي نحو الأفضل الكل يسعى إليه ومتفق عليه حتى عند الحكومة، ومواقف جلالة الملك وتدخلاته في عدة مناسبات تشهد بذلك.
ومن أراد معرفة الدول المرشحة لموجة الثورات الشعبية ومدى نجاحها فلينظر إلى النقاط التي ذكرتها ومدى وجود تلك النقاط وتوافقها مع الدول المرشحة، فهناك عدة دول عربية مرشحة لذلك ما لم تتدارك الأمر كالجزائر واليمن والمغرب وغيرها، ومنها إيران فهي من أكبر الدول المرشحة للثورة الشعبية لتشابه الظروف بينها وبين مصر إلى حدِّ المطابقة وربما أكثر، ولاسيما أنه قد حدثت فيها مظاهرات واعتصامات واحتجاجات كبيرة قبل سنوات، ومازال الاحتقان الشعبي فيها مستمراً.
علماً أني قد تنبأت بسقوط النظام في مصر بعد أحداث تونس مباشرة، وإن كان قد أنكره الكثيرون، لأني أعرف مصر وشعب مصر والتاريخ النضالي لشعب مصر جيداً، ولأننا يجب أن نقرأ الواقع والتحركات لأنها هي الحقيقة وليست التصريحات وما كتب على الورق، وهذا ما لم يقرأه وزير خارجية مصر ـ وغيره ــ عندما قال : "مصر ليست تونس... كلام فارغ، كلام فارغ".
وفي الختام أقول: إننا هنا لسنا بصدد الحكم بأننا مع مَن أو ضدَّ مَن ولكننا نقول يجب علينا أن نراعي المصالح، وأن نغلِّب المصلحة العامة على المصلحة الفردية والشخصية، وألا نقيس قياسات باطلة، وألا ننزل ظروف الدول الأخرى على البحرين.
محمد رفيق الحسيني - أخبار الخليج