نقطة ساخنة.. كثرة الطباخين!!

 

عدنان عبد الرزاق.سيريا أوول 

 

فعلاً ما يجتاح القرار الاقتصادي، وأثناء طبخه على وجه التحديد، أزمة بكل ما تعنيه الكلمة، إن لم تتبدَ آثارها اليوم، فالأرجح أن تمثل غداً وبحضور- ربما – يفوق قدرتنا على تمريرها أو مداراتها...أو حتى التكيف معها .

 

من مخاطر الأزمات، كالتي نعيش، أنها تمكّن أياً كان من التسلل إليها، ليأخذ دوراً ضمن المهرجانات الكلامية وحملات الوعظ والإرشاد، ليحقق- البعض- غاياته ومصالحه ومصالح من في مصلحته تحقيق مصالحهم، ذلك أن " فعل الثورة " يحدث اختلاطاً وفوضىً تضيع بموجبها الحدود بين الأشياء و تمتزج فيها الحقيقة بالزيف والواجب بالحق والوطنية بالعمالة والرجولة وأشباهها باللؤم ....ما يفتح الباب لمن يرغب- تحت دوافع كثيرة – ليقف ويفتي ويقول دون الحاجة لإثبات صدقية وصحة أقواله، ليس لأن الواقع يجيز الوجهين، بل لأن إثبات العكس مضيعة للوقت، ذاك الخطر-الزمن -  المسلط على رقاب بنى الدولة جميعها، ما يجيز للقوالين المراهنة على ضعف الذواكر- شعبية ووطنية – لإخفاء سوءاتهم والتمادي بطروحاتهم .

في المقابل، ثمة مساعٍ  ومحاولات جادة يمكن وصفها بالوطنية، لأن منطلقها وغايتها هو الإنسان وديمومة بقاء الاقتصاد منيعاً عن الانهيار، رغم صعوبة الإجابة عن: من أين تأتي الوطنية وكيف تتجلى خلال الملمات؟! لأنها مفهوم  عُلوي لاتُختبر بالوقائع عبر التجارب، بقدر ما تُغرس في الكائن عبر مراحل تنشئته، فيبقى ملازماً ومتلازماً بها لا يزيغ أياً بلغت التبدلات وتنوعت الانزياحات .

عود على بدء، ثمة تخبط في اتخاذ القرارات الاقتصادية خلال الأزمة الراهنة، أو هكذا يبدو للمراقب على اختلافه، متخصصاً كان أم مراقباً أو حتى منتفعاً أو متأذياً، ما يفرض البحث في كيفية اتخاذ القرارات وأسباب ومبررات اتخاذها، واضعين بالاعتبار دوماً أن هدف القرارات والخطط الاستراتيجية قد تتعدى المصالح الآنية والحالات النفعية دون إهمال الإنسان ، سواء لجهة معيشته ومزاجه ودفعه على الإنتاج ، أم حتى دوره في المساهمة بصياغة الخطط واستصدار القرارات، على اعتبار أنه مكوّن أساس ليس في مصلحة صناع القرار إقصاؤه .

في معنى آخر، أيمكن لصناع القرار الانطلاق من معدة الجائعين وعدم عمل العاطلين فقط أثناء رسمهم خططاً إنقاذية، أم ترى الأهم هو استمرارية عجلة الاقتصاد بالدوران والمصارف بتوفر السيولة والموارد برفد الخزينة، على اعتبار أن الكل ينعكس على الجزء وإن بنسب أقل وانطلاقاً من مقولات الضرورة والأولويات .

في تقريب للواقع السوري ، ثمة كائنات بأحشاء لغوية رقيقة وناعمة، وإن شئتم، سحرة لغويون يعزفون على الأوتار الخطأ في الزمان الخطأ، فتخرج سيمفونية الاقتصاد الكلي نشاذاً منفراً ينعكس إيذاءً وتخديشاً على كل السامعين.

الآن ثمة من ينادي برفع أسعار حوامل الطاقة انطلاقاً من أكلافها الحقيقية، وكذا بعض السلع والمنتجات ومنها الخبز، دون النظرإلى العقابيل التي يمكن أن تتأتى عن هاتيك أفعال.
في المقابل، ثمة دعوات للاستدانة والتمويل بالعجز والتمادي في سياسة الدعم لعكس حالة بحبوحة واستمالة المواطن.

وما بينهما، ارتجال في الحل هنا وتخبط في المعالجة هناك لاتنم عن  انسجام بين الفريق الاقتصادي الحكومي ونأي من الفريق غير الحكومي الذي آثر الانتظار رغم تأذي مصالحه وربما تهديد وجوده .

ومقرون مع ذلك فتاوى وآراء لا تمت للواقع المتأزم الذي نعيش بأي صلة أو دراية، إن من الإعلاميين أو الآكاديميين أو حتى من الصقور في الداخل والخارج .
أمام حالة الاختلاط هذه، ألأكثرنا تفاؤلاً أن يتصور حالة الطبخة الاقتصادية الناتجة عن كثرة اتجاهات وأنماط الطباخين، والتي سنأكل منها ملزمين إذ لا خيارات تذكر في واقع خلصنا خلاله إلى أن الاقتصاد السوري هو الهدف وتهديم بنية الدولة هو الغاية، بغض النظر عن الأدوات والوسائل والتكتيكات .

خلاصة القول:قد لا يكون من بد لإعادة تشكيل الفريق الاقتصادي الإنقاذي، بمدرب محدد وحكم حازم، يخرج بالكرت الأحمر كل لاعب يسيء لمجرى اللعبة، لأن القصة عض أصابع وليس لإطارها الزماني نهاية معلنة،ولا ضير في الآن نفسه من تفعيل " قانون العيب " من كل الجهات وعلى الصعد كافة، فأن نعْرف لنهدم بما نعرف ولا نعرف فهذا فعل شائن يُذَّم وإن لا يحاكم عليه...وخاصة في أوقات إعادة تشكيل ورسم الخرائط...كل الخرائط.