نكاية بالمواطن

أنتمي إلى جيلٍ أصابه رهاب الدولار, حتى إننا لم نكن نسمّيه باسمه, كما لو أنّه "ذاك المرض"، فنشير إليه ببعض صفاته، لا سيما لونه, ليصبح السؤال "بـقدّيش الأخضر اليوم؟", لكن هذه الصيغة الملتبسة والمواربة لم تكن دون شعور بالإثم واستحقاق للعقاب إن شاء الديّان.
بهذا الإرث الطويل من الرهاب، حلّت علينا ملائكة المصارف الخاصة: الأنيقة، المرشدة، الناصحة والمسهّلة لشؤون حياتنا مع ابتسامة ترحيب وكرسي للانتظار مشفوعاً بوابل من الاعتذارات, لذلك عندما عرض عليّ شخصيّاً بنك (ع..) الحصول على بطاقة ائتمان تمكّنني من تسديد مصاريف السفر, وافقت فوراً، رغم ارتفاع نسبة العمولة عن مبلغ هو أشبه بوديعة, لأنّ أحداً في سورية لا يسدّد بالبطاقات.
لكنّني تحولت، بالنسبة إلى المصرف، من زبون يسعون إلى إرضائه، إلى محكوم بقانون انكشاري تطفيشي، وصار مطلوباً مني أن آتيهم بدولارات من السوق السوداء لأسدد ما صرفته من البطاقة قبل ستة أشهر؛ أي قبل العقوبات وإلغاء بطاقات السوريين الائتمانية. أمّا الحجة، فهي تعليمات البنك المركزي.
الحق أنّ السيد حاكم المصرف طلب مني كتاباً في هذا الشأن ليعالج الأمر, لكنّي لن أشغله ببضع مئات من الدولارات, وسأتصرّف مثلي مثل أيّ مواطن عادي, ولأنني كذلك يحقّ لي السؤال عن مصير الثقة بنظام مصرفي يخالف القاعدة القانونية الأهم, والتي تقضي بأن القانون لا يسري بأثر رجعي.
يحقّ لي السؤال عن طبيعة العلاقة مع المواطن؛ هل هو شريك أم غريم؟
هل تستطيع مئات الدولارات, أو حتى آلافها، أن تسدّد فجوة المهربين الكبار؟
ألن ينكفئ المواطن إلى مطمورته, وربما إلى البنك نفسه, لكن على الأراضي اللبنانية؟
لماذا استطاع النظام المصرفي اللبناني أن يظلّ بمنأى عن تقلّبات الظروف السياسية، وقبلها الحرب الأهلية, بينما نشعر هنا أننا على متن مركبة تنوء بأحمالها، فيقوم السائق بتطفيش الركاب, رغم المواثيق.
هل تستطيع مئات الدولارات, أو حتى آلافها، أن تسدّد فجوة المهربين الكبار؟
ألن ينكفئ المواطن إلى مطمورته, وربما إلى البنك نفسه, لكن على الأراضي اللبنانية؟
لماذا استطاع النظام المصرفي اللبناني أن يظلّ بمنأى عن تقلّبات الظروف السياسية، وقبلها الحرب الأهلية, بينما نشعر هنا أننا على متن مركبة تنوء بأحمالها، فيقوم السائق بتطفيش الركاب, رغم المواثيق.
لماذا يشعر المواطن أن العهود التي تربطه بالمؤسسات الرسمية أو شبه الرسمية، لا تحميه من سياسات ارتجالية تبدو كما لو أنها تُرسم نكاية بالمواطن؟
من سيسأل عن مسؤولية خبر أذيع بالأمس عن انخفاض ودائع البنك المعني إلى النصف؟
الجواب: إنه المواطن المذعور! لمَ لا؛ فهكذا تكتمل دائرة النكاية, لكن من سيخرجنا منها لاحقاً؟
من سيسأل عن مسؤولية خبر أذيع بالأمس عن انخفاض ودائع البنك المعني إلى النصف؟
الجواب: إنه المواطن المذعور! لمَ لا؛ فهكذا تكتمل دائرة النكاية, لكن من سيخرجنا منها لاحقاً؟