"نيويورك تايمز": المتظاهرون السوريون يميلون الان الى استخدام العنف

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تحقيقاً للصحافي أنتوني شديد يقول فيه ان " الانتفاضة السورية أخذت تميل إلى مزيد من العنف في اشد مناطقها اضطرابا، في ما يؤذن ببداية نضال مسلح متواصل بعد ستة أشهر من الاحتجاجات التي كانت غالبيتها سلمية، حسب أقوال دبلوماسيين ونشيطين ومسؤولين.

 

وتفيد التقارير بتعاظم الاشتباكات في حمص وفي ضواحي العاصمة دمشق ومنطقة حوران الجنوبية وعلى الحدود القريبة من تركيا. وتناقل مسؤولون ودبلوماسيون الأحاديث عما لا يقل عن ثلاث حالات لإيقاع سيارات عسكرية في كمائن – حافلتين وسيارة جيب – في حمص، أدت إلى مقتل خمسة جنود على الأقل.

ويقول بيتر هارلينغ، المحلل في مجوعة الأزمات الدولية الذي تنقل كثيرا في سوريا أنها "ببساطة مصيدة سيقع فيها المحتجون".

ويصعب كثيرا نشر أنباء ما يحدث في سوريا، بالنظر الى ان الحكومة منعت معظم الصحافيين من دخول البلاد، وقال مسؤول في الادارة الاميركية، اشترط عدم الكشف عن اسمه، ان المتمردين المسلحين لا يزالون يعملون في ادلب، في شمال غرب البلاد، فيما يعتقد دبلوماسيون ان اشتباكات متقطعة اندلعت ايضا في درعا، المدينة الجنوبية التي انطلقت منها الانتفاضة، وفي دير الزور، التي تقع في الشرق وتنتشر فيها القبائل، والرستن التي تقع بين حمص وحماة وضواحي دمشق التي تظل اكثر المحليات اضطرابا في سوريا. وهناك اعتقاد بان سكان حمص، بوجه خاص، قد أخذوا يسلحون انفسهم.

وتفيد التقديرات ان عدد المحتجين الذين بدأوا حمل السلاح يظل مجهولا. ولكن رغم ما يبدو انه مبالغات حكومية، فان الهجمات وقعت منذ بداية الأحداث، خاصة في السهوب الجنوبية الفقيرة التي اصابها القحط. الا ان المسؤول الاميركي قال ان مدى تسليح الانتفاضة ارتفع بصورة ملحوظة في الايام الفائتة.

وقال في واشنطن: "لقد شهدنا بالفعل بدايته، وطالما استمر الوضع على حاله فانه سيمضي نحو الاسوأ. وهو تطور يدعو الى القلق".

واضاف: "غير انني لا انوي ان استفيض بالقول ان هذه هي لحظة التحول، ولكني اشعر كما لو اننا نشهد بدايتها".

ويبدو العنف اكثر وضوحاً في حمص حيث يقول النشيطون ان المحتجين يتميزون بافضل تنظيم. فالمدينة، التي يبدو ان الحكومة تفضلها في السنوات الاخيرة، تضم غالبية سنية، واقلية علوية، وهي طائفة اسلامية تختار حكومة الاسد منهاغالبية قادتها. وهناك تقارير متواصلة عن وقوع معارك بالسلاح يبدو انها ذات طبيعة طائفية وعن سقوط قتلى فيها.

وقال المسؤول الاميركي عن حمص: "ندرك جميعا، ومن الواضح تماما، ان هناك توترا وان له جانبين. ونحن لا نريد لحمص ان تصبح مثالا لبقية مدن سوريا. فان حدث ذلك، فان كل شيء سيهوي في اوضاع فوضوية".

وذكر نشيطون حدوث انشقاقات منذ بداية الانتفاضة، وان ظلت القوات العسكرية والامنية متماسكة الى حد كبير. وقال المسؤول ان عدد المنشقين يصل الى 10 الاف أو قريبا من ذلك العدد، وان بضع مئات منهم شكلوا مجموعتين، متنافستين في ما يبدو، يطلق عليهما جيش سوريا الحرة وحركة الضباط الاحرار.

ومنذ ظهورهما في وسط آذار (مارس) اظهرت الاحتجاجات مرونة واضحة، رغم اجراءات الكبت، الاكثر شراسة في المنطقة. غير ان هناك الان شعورا باليأس، اذ تأتي ثم تغيب لحظات تبدو حاسمة، واصبح البعض يرى ان هناك حدودا للاحتجاجات السلمية.

وقال اياد الشربجي، احد النشيطين في دمشق، ان "المحتجين يقولون للسلطات ان لديهم صبر ايوب، وان لديهم القناعة انه اذا توقفت الاحتجاجات فان اعمال الانتقام والقتل لن تبقي احدا على قيد الحياة".

واضاف ان "هذا هو السبب الذي يدعو الناس الى الاصرار على الاستمرار حتى النهاية".

الا ان لؤي حسين، احد كبار المسؤولين في المعارضة، اوضح خياره بشأن ما اذا كان سيواجه احتمال قيام حرب اهلية او التوصل الى اتفاق مع الحكومة.

قال السيد حسين: "اذا تعين علينا الاختيار بين اسوأ الشرين، فسنختار التصالح مع الرئيس. سنصالح ونصفح اذا كان هذا ما نحتاج لعمله من اجل حماية البلاد من الحروب الاهلية والانقسام".

وربما كان التحول الى العنف آتياً بعد ما يعتقد نشطاء، ودبلوماسيون ومحللون انه حملة قمع جديدة مشددة تركز فيها قوات الامن تركيزاً افضل على قادة النشطاء. ففي بلدة داريا، قرب دمشق، اعتقلت قيادة حركة الاحتجاج بأكملها – 20 شخصاً على الاقل – وقتل احدهم. وفي دوما، وهي بلدة اخرى متململة قرب العاصمة، اقيمت خمسة حواجز تفتيش على الطريق الجمعة، وحمل رجال الاستخبارات عند كل منها قوائم باسماء النشطاء الذين كانوا يحاولون اعتقالهم.

روى السيد الشربجي، الناشط من دمشق، ان نشيطاً كان يحمل يافطة اعتقل، ثم القي القبض على 16 آخرين: الشخص الذي اشترى القماشة، والشخص الذي كتب الشعار، وبعض اقاربهم واصدقائهم.

ووصف المسؤول الاميركي التكتيك بانه "اعتقالهم، واحتجازهم و، في بعض الحالات، قتلهم".

واوحى هارلينغ بان استراتيجية هدفها جعل الاحتجاج امراً محفوفاً بمخاطر شديدة.

وقال: "بكل بساطة، النظام يقوم برفع اكلاف المظاهرات السلمية لاجبار المتظاهرين اما على التوقف، وهو ما يحقق الفوز للنظام، او اللجوء للسلاح، وفي هذه الحالة يستطيع النظام تعزيز روايته عن وجود فتنة ويحتمل ان يفوز ايضاً".