نيويورك كانت المحطة الأولى للسوريين في الولايات المتحدة...

تلاميذ في المدرسة السورية في نيويورك مطلع القرن الماضي

في عام 1919 كتب الدكتور فيليب حتي الأستاذ في جامعة كولومبيا أن السوري الذي يعيش داخل وخارج أرضه ثلاثة أنواع: سوري سوري، وسوري مصري، وسوري أمريكي مشيراً إلى المهاجرين السوريين في تلك الفترة إلى مصر وأميركا، ومميزاً بين هذه التصنيفات الثلاث على ان السوري الذي ما زال داخل سوريا يعاني من الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية السيئة في تلك الفترة مما جعل منه مناضلاً وصبوراً بطريقة غير متوقعة، والسوري المصري هو المفكر المبدع الي لم يجد في سوريا ظروفاً ملائمة لتنتشر إبداعاته، والسوري الأمريكي الذي هاجر بحثاً عن العمل وطمعاً بظروف اقتصادية أفضل، وهذه التصنيفات ربما تبرر الأسباب التي دفعت بعددٍ كبيرٍ من السوريين للهجرة خارجاً بسبب الظروف السيئة التي كانوا يعيشونها.

ولعل الجميع يتساءل كيف بدأت الهجرة خارج سوريا خاصةً إلى الأمريكيتين؟ ومن هي أول عائلة هاجرت وتركت بلدها؟ وما المصير الذي كان بانتظارها؟ ماذا عملوا في ذلك الوقت؟ أين استقروا؟ كيف قابلهم الأمريكيون؟ وغيرها من التساؤلات.

لقد اكتشف السوريون أميركا في العقد الثامن من القرن التاسع عشر فكانت أول عائلة عربية هاجرت إلى الولايات المتحدة، وليس سورية فقط، هي عائلة آل عربيلي، وهم من بلدة عربين القريبة من دمشق، حيث وطأت أقدامهم مرفأ نيويورك عام 1878.

وبعد ذلك أخذت هجرة السوريين تزداد تدريجياً حتى العقد العاشر من القرن التاسع عشر فبدأت تتخذ شكل دفعات كبيرة متلاحقة حسب ما ذكرت مجلة "الوحدة العربية" في عددها الصادر في تشرين الثاني عام 1948، ولعل المعرض الذي أقيم في شيكاغو عام 1893 كان أحد الحوافز لازدياد تلك الهجرة إذ ان الكثيرين جاؤوا بقصد عرض البضائع الشرقية من مصنوعات الأراضي المقدسة، واستمر سيل المهاجرين حتى بداية الحرب العالمية الأولى حيث ضيقت الحكومة الأمريكية قانون المهاجرة فقضت على الهجرة السورية.

استقر معظم السوريون في المدن الكبرى كنيويورك وديترويت وبوسطن وغيرها.. تكاد لا تخلو منهم واحدة من المدن الكبرى التي كان يزيد عدد سكانها عن مئة ألف نسمة في وقتها، ويمكن تقسيم مناطق استقرار السوريين حسب ثلاث مراحل، فالمهاجرون في المرحلة الأولى  من هجرتهم استقروا في شارع واشنطن في نيويورك ومن هذا الشارع أخذوا يتسربون إلى مختلف المدن في الولايات المتحدة، وكانت حرفتهم مقتصرة وقتئذ على التجول في الشوارع لبيع الصلبان والسبحات والأواني الصدفية والزهور المجففة وما ماثلها من المصنوعات الشامية، وتعد هذه المرحلة الأولى من حياة المهاجر السوري هي المرحلة الرومانسية بما رافقها من نوادر وأخبار تدل على ما عاناه المهاجرون في تلك المرحلة.

وتعد بدايات القرن العشرين بدايةً للمرحلة الثانية من حياة المهاجرين وفيها أسس السوريون المحلات التجارية لبيع البضائع الكتانية المطرزة ومعاطف النساء المصنوعة يدوياً فكان لهم الفضل الأكبر في تطور تلك المدن، وقل من تعاطى منهم بالصناعة أو الزراعة، في حين تعتبر المرحلة التي تلي الحرب العالمية الأولى هي المرحلة التي استقر فيها المهاجرون السوريون  الأوائل تماماً في الولايات المتحدة، حيث حصلوا على الجنسية الأمريكية وصاروا من اصحاب الأملاك والعلامات التجارية ورؤوا أنه لا بد لهم من مجاراة أولادهم المولودين في الولايات المتحدة والذين انغمسوا في الحياة بتلك البلاد مما جعل العلاقات مع الوطن الأم سوريا أخف في تلك الفترة، لكن هذا دفعهم من جهة أخرى على العمل بجد والاثبات للجميع أنهم على نفس المستوى مما خلق ابداعات كثيرة وتجارات ناجحة واسماء مشهورة في أميركا من اصل سوري.

فوصول آل عربيلي ومن تبعها من العائلات السورية إلى الولايات المتحدة نشر إبداعات السوري في جميع ارجاء العالم وجعلت من تحديهم للحياة في مكان مختلف كلياً عن وطنهم الأصلي المبرر الأكبر لسماعنا كل يوم عن اسمٍ سوري جديد يضاف إلى الأسماء اللامعة في إحدى مجالات الإبداع.

 

 

شام نيوز