هؤلاء المفسدون

 

لقد هبت رياح التغيير على مصرنا الحبيبة والتي‮ ‬باتت تحت الاحتلال الغاشم من دعاة الحزب الوطني‮ ‬والذي‮ ‬جثم علي صدورنا قرابة‮ ‮ ثلاثين عاماً،‮ ‬ودفع بمصر الى الخراب والدمار في‮ ‬كل نواحي‮ ‬الحياة،‮ ‬وسخر هؤلاء كل شيء لأهوائهم ونفوسهم المريضة،‮ ‬حتى‮ ‬نشروا الفساد في‮ ‬كل أوجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية،‮ ‬وأصبحت مصر تمد‮ ‬يد الاستجداء طلباً‮ ‬للمعونة الامريكية.

‬ولقد نهب هؤلاء كل خيراتها ومواردها واغتصبوا أراضيها تحت دعاوي‮ ‬التعمير الفاسد واصلاح الأراضي‮ ‬وكسبوا من وراء ذلك مئات المليارات بعد أن باعو تلك الأراضي‮ ‬بآلاف الجنيهات،‮ ‬بالرغم من أنهم دفعوا لها ثمناً‮ ‬بخساً‮ ‬لا‮ ‬يتعدي قروشاً‮ ‬صغيرة،‮ ‬أضف الي هؤلاء من نهبوا أموال البنوك وهربوها الي خارج مصر،‮ ‬وأمام هؤلاء المفسدين علي أراضي‮ ‬مصر الطاهرة العديد من الحواجز والأسوار العالية ليمنعوا وصول الشرفاء الي سدة الحكم،‮ ‬وذلك عن طريق وضع وسن القوانين الشاذة التي‮ ‬لا مثيل لها في‮ ‬دول العالم المتحضر،‮ ‬كتلك القوانين التي‮ ‬تعبر عنها المواد‮ ‬76‮ ‬و77‮ ‬و88‮ ‬من الدستور،‮ ‬وكأن مصر هي‮ ‬عزبتهم وتكيتهم الخاصة التي‮ ‬ورثوها‮ ‬غصباً‮ ‬وطغيانا دون سند قانوني‮ ‬لهذه الملكية المزعومة‮.‬

لقد مارست حكومات الحزب الوطني‮ ‬المتعاقبة علينا كل صنوف الإذلال والقهر واخفاء الحقائق عنا حتى‮ ‬ضاعت كرامتنا،‮ ‬ومن الغريب حقاً‮ ‬ان تلك الحكومات لم تستطع أن تقدم جديداً‮ ‬غير تصديعنا بلغة الأرقام الكاذبة والبعيدة كلياً‮ ‬عن الحقائق،‮ ‬فمن الاعلان عن زيادة معدلات التنمية والاستثمار والتصدير وارتفاع معدلات الانتاج الزراعي‮ ‬لينكشف هؤلاء المخادعون والمنافقون أمام الحقائق التي‮ ‬طفت علي سطح المجتمع المصري‮ ‬لتكشف زيفهم ونفاقهم كارتفاع معدلات البطالة بين خريجي‮ ‬الجامعات المصرية حتي‮ ‬تلك الكليات المرموقة وللأسف الشديد نجد البعض من خريجي‮ ‬هذه الكليات‮ ‬يعمل كناساً‮ ‬أو عاملا في‮ ‬محطة بنزين أو مندوب مبيعات في‮ ‬احدى الشركات أكثر من‮ ‬12‮ ‬ساعة ويتحصل في‮ ‬النهاية على أجر زهيد لا‮ ‬يتعدي‮ ‬300‮ ‬جنيه شهرياً‮ ‬لا تستر رمقه ولا تغطي‮ ‬احتياجاته الضرورية وبالرغم من أن كل هذه الأعمال شريفة ولا‮ ‬غبار عليها إلا أنها لا تتناسب مع خريجي‮ ‬الجامعات.

‬وعلى الجانب الآخر نجد هؤلاء المنافقين من دعاة الحزب الوطني‮ ‬قد عقدوا العزم علي تشغيل ابنائهم المتخرجين في‮ ‬وظائف مرموقة وبرواتب خيالية‮ ‬يسيل لها اللعاب لتصل الي أكثر من‮ ‬5000‮ ‬جنيه أو‮ ‬يزيد،‮ ‬لأن المحسوبية والوساطة قد تفشلت وانتشرت في‮ ‬المجتمع المصري.

‬لقد أصبحنا‮ ‬يا سادة في‮ ‬مجتمع شاذ تحكمه طبقة لا تشعر بأي‮ ‬ضيق أو صعاب بل‮ ‬يعيش هؤلاء عيشة ترف بعيداً‮ ‬عن المعاناة التي‮ ‬تحياها كل فئات الشعب المصري‮ ‬المطحون وهي‮ ‬في‮ ‬الواقع تمثل عيشة خيالية لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يصدقها عقل،‮ ‬حيث‮ ‬يمتلك هؤلاء العديد من القصور والتي‮ ‬تحصلوا عليها ببضعة آلاف من الجنيهات وفي‮ ‬الحقيقة‮ ‬يصل ثمن الواحد منها أكثر من‮ ‬10‮ ‬ملايين جنيه اضافة الي المنتجعات السياحية والطائرات الخاصة،‮ ‬كذلك فوجئنا بعدم كفاية القمح،‮ ‬وهذا‮ ‬يمثل عاراً‮ ‬حقيقياً‮ ‬على النظام وحكومات الحزب الحاكم المتعاقبة لأنها لم تدرك أنها تستطيع الاكتفاء الذاتي‮ ‬من القمح وأننا كنا في‮ ‬المقام الأول بلدا زراعيا منتجا ومصدراً‮ ‬للقمح وأوراق التاريخ تشهد على ذلك،‮ ‬حيث كانت مصر هي‮ ‬سلة الغذاء للعالم في‮ ‬عصر الامبراطورية الرومانية،‮ ‬فلماذا لا ندعم المزارع المصري‮ ‬حتى‮ ‬نشجعه على زراعة القمح ونكتفي‮ ‬ذاتيا‮.. ‬ولا نلجأ الى الاستيراد من الخارج ونتعرض الى سياسة السوق الفاشلة وجنون الأسعار العالمية،‮ ‬إضافة الى‮ ‬غياب الشفافية والاعلان عن الحقائق دون مواربة،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬أدى الى انهيار المجتمع المصري‮ ‬في‮ ‬كل صنوف الحياة وجميع القطاعات‮ "‬كالتعليم،‮ ‬الزراعة،‮ ‬الصحة،‮ ‬البحث العلمي،‮ ‬الطرق،‮ ‬المواصلات،‮ ‬والمرور‮.. ‬الخ‮" ‬التي‮ ‬باتت معوجة عن مسارها الحقيقي‮ ‬والنظيف.

 ‬وأمام كل هذه المشاكل والتحديات لم تستطع أي‮ ‬حكومة من الحكومات المتعاقبة أن تضع خطة للاصلاح للتغلب عليها وتحقق الرفاهية التي‮ ‬تمثل النهاية الطبيعية للتنمية الحقيقية،‮ ‬والسؤال الذي‮ ‬يطرح نفسه،‮ ‬لماذا لم تنجح تلك الحكومات المتعاقبة في‮ ‬تنفيذ سياسة الإصلاح؟ والجواب بسيط جداً‮.. ‬لأنه أولاً‮ ‬تعمل تحت سياسة‮ "‬طبقاً‮ ‬لتوجيهات الرئيس‮!" ‬دون أن‮ ‬يكون لها خطة للإصلاح نحو التجديد،‮ ‬ثانياً‮ ‬ان مصر تعمل بسياسة الحاكم الفرد‮.‬

لقد وصل الشعب المصري‮ ‬العظيم الى حالة التمرد على هذه الأوضاع الفاسدة،‮ ‬وبدأت رياح الاصلاح والتغيير لتحمل البشرى الطيبة بأن الجميع بات‮ ‬يدرك أن المسؤولية واحدة ويجب أن‮ ‬يشارك فيها كل أفراد الشعب لتصحيح هذه الأوضاع الشاذة وهذا الفساد المستشري.‬ولماذا نستسلم أمام هذا الطغيان وهذا الفساد الذي‮ ‬ينشره هؤلاء المفسدون.

 وبدأ الجميع‮ ‬يتساءل‮: ‬هل خلقنا عبيداً‮ ‬ليدوس علينا هؤلاء المخربون والمفسدون بأحذيتهم ويخرجوا لنا ألسنتهم التي‮ ‬باتت طويلة في‮ ‬كل شيء لاتنطق إلا كذبا ونفاقا،‮ ‬وصنعوا لنا لغة الأرقام الكاذبة بأن الشعب المصري‮ ‬يستمتع بحياته وأن الحياة لونها بمبي‮.. ‬مع أن الحقيقة المؤلمة التي‮ ‬لا‮ ‬يراودها أي‮ ‬شك أن أكثر من‮ ‬30٪‮ ‬مصاب بفيروس سي‮ ‬وأكثر من‮ ‬25٪‮ ‬مصاب بالسرطان الذي‮ ‬لا‮ ‬يرحم طفلا ولا نساء ولا رجالا ولا شبابا،‮ ‬كذلك تمرد الشعب المصري‮ ‬الذي‮ ‬يظنه هؤلاء أنه انشغل بالبحث عن قوت‮ ‬يومه والذي‮ ‬صار البعض‮ ‬يتحصل عليه من صناديق القمامة ليسد رمق جوعهم.

‬لقد جاءت أيها السادة ساعة الصفر وهبت رياح التغيير الحقيقية على المجتمع المصري‮ ‬لتزيل وتمحو كل هؤلاء المنافقين المأجورين من على الطريق وتزيل كل صنوف القهر وتعيد للمواطن المصري‮ ‬كرامته ليحيا عزيزا وحرا على أرضه بعد أن‮ ‬يرحل هؤلاء المفسدون الذين جثموا على صدورنا وأضاعوا عزة مصر وكرامتها‮.. ‬لأن ارادة الشعب فوق كل ارادة تصديقا لقول الشاعر أبو قاسم الشابي‮:‬ ‮"‬إذا الشعب‮ ‬يوما أراد الحياة فلابد أن‮ ‬يستجيب القدر ولابد لليل أن‮ ‬ينجلي‮ ‬ولابد للقيد أن‮ ‬ينكسر‮"‬

 

الوفد - د. عادل العطار