هاآريتس - عباس بين الطاعون والكوليرا

عرض محمود عباس في بدء لقائه الاخير مع جورج ميتشل في المقاطعة في رام الله قبل نحو ثلاثة أسابيع على المبعوث الامريكي شخصا غير معروف: 'اعرف من فضلك، ياسر المصري، من رؤوس مجموعة (تكامل9 التي تدعو الى انشاء دولة واحدة على أرض فلسطين التاريخية'. طلب عباس من المصري، وهو سجين محرر من السجن الاسرائيلي، أن يبين لميتشل عن الحركة الجديدة التي تشتمل على جامعيين وأناس من المستوى المتوسط في فتح أناس معتدلين، يئسوا من حل الدولتين. كان هذا هو نهج أبي مازن غير المعتاد لينقل الى البيت الابيض شيئا من خطر وضعه السياسي ومن المزاج الكئيب الذي أصابه في المدة الاخيرة. عرض المصري مدة دقائق طويلة على مسامع الضيوف المتفاجئين خيبة الامل الزائدة من مسيرة السلام عند الجمهور الفلسطيني. في طريق أعضاء الوفد الامريكي الى القدس لاحظوا لافتات كبيرة لحركة 'تكامل' - تؤيد انشاء دولة واحدة بين البحر والاردن. قال المصري في مقابلة صحفية مع صحيفة 'الحياة' (24/7) انه رغم ان 99 في المئة من عناصر حل الدولتين معلومة ومفصلة فان مبادرات في صيغة تفاهمات جنيف قد اصفرت في الادراج. وقال انه لا ينبغي أن نجد في الساحة السياسية الفلسطينية زعيما اكثر براغماتية من الرئيس عباس وأشد تأييدا منه لمبدأ الدولتين. 'اذا لم تكن اسرائيل قادرة على التوصل معه الى اتفاق'، صعب المصري الامر، 'فمع من تريد صنع السلام؟'. اذا أردنا الاستدلال بالضغط الامريكي الذي يزداد على عباس لبدء تفاوض مباشر مع اسرائيل، فان رسالة المصري لم تستوعب في واشنطن. واشك كثيرا في أن يكون اوباما قد فرغ نفسه للنظر في تقرير ميتشل عن الضيف الخاص الذي دعاه الرئيس الفلسطيني الى مكتبه. فالشرق الاوسط يبعد عن برنامج عمل الرئيس الامريكي. كتب ستة مستشارين سياسيين (وفيهم يهوديان)، طلبت منهم صحيفة 'نيويورك تايمز' أن يجودوا على أوباما باقتراح لانقاذ مكانته العامة، كتبوا في الاقتصاد والصحة والتربية والاسكان والبيئة ولم يكتبوا كلمة واحدة في الشؤون الخارجية. اكتفى زعيم العالم الحر اذن بدور حامل رسائل بين رام الله والقدس. نقل اوباما الى بنيامين نتنياهو ثلاثة خيارات عرضها عباس لتمهيد الطريق لمحادثات مباشرة. الاول ارسال رسالة من اوباما الى اسرائيل والفلسطينيين يلتزم فيها ان يتنازل التفاوض انشاء دولة مستقلة في حدود الـ 4 من حزيران/يونيو مع تجميد المستوطنات. والثاني رسالة مشابهة من الرباعية والثالث عقد لقاء اسرائيلي فلسطيني امريكي من اجل اتفاق مسبق على مصدر سلطة المحادثات. أعلم اوباما عباسا بأن نتنياهو رد بـ 'لا' ثلاث مرات. فلتكن 'لا'. سيضطر عباس في الايام المقبلة الى ان يختار بين الطاعون والكوليرا. اما الطاعون فهو الرضوخ لطلب الامريكيين دخول التفاوض بلا التزام مسبق للاستمرار على تجميد البناء في المستوطنات (مع الاستمرار على غض العين عن الاخلال بذلك، وبغير تناول اسرائيلي للورقة الفلسطينية التي تفصل مواقفهم في القضايا الجوهرية). وثمن ذلك اضعاف آخر لمكانته ولا سيما بعد أن دعا زعماء بارزون في فتح وعلى رأسهم محمد دحلان ومروان البرغوثي وأحمد قريع مثل رجل واحد بصوت عال الى رفض الطلب الامريكي. وأما الكوليرا فهي رفض زعيم بلا دولة توجها شخصيا من رئيس أكبر قوة في العالم. وثمن ذلك نصر آخر لنتنياهو في الساحة الدولية الأهم. الدليل المؤيد للقوة يجب ألا يكون وزير الدفاع متضعضعا للمعركة القذرة على منصب رئيس الاركان. يستطيع الفريق المتقاعد ايهود باراك ان يعلم الجنرالات شيئا ما عن تجنيد الساسة والصحافيين في مواجهة الزملاء - الخصوم. لم يكن الاول ولا الاخير الذي جذب كل خيط ممكن والابر ايضا لتقديم احتمالات تعيينه في السباق الى رئاسة الاركان. قال ضابط رفيع المستوى في الخدمة الاحتياطية هذا الاسبوع، إن شخصا عرض نفسه على أنه نشيط في مقر عمل احد المتنافسين ألح عليه أن يساعد على التشهير باللواء يوآف غلانت. حتى لو خرج غلانت من القضية بلا أي عيب، فنشك في أن يكون الشخص الاشد ملاءمة لان يجلس في هذه الايام في أهم مكتب عسكري في الدولة. ففي السنين الطويلة نسبيا التي عمل فيها قائدا لمنطقة الجنوب كان غلانت الدليل المؤيد لاستعمال القوة في الجيش الاسرائيلي لمواجهة الفلسطينيين. ولم يضع فرصة ليعظ المستوى السياسي باطلاق القطاع للجيش الاسرائيلي وللاذن بهجوم عام على قطاع غزة. حتى ان المنسق السياسي الامني عاموس غلعاد، غير المعروف بأنه لين في علاقته بالفلسطينيين، اعتبر متنازلا اذا قيس بغلانت. في نقاش في حلقة هيئة القيادة العامة بمشاركة وزير الدفاع عمير بيرتس، تم في آب (اغسطس) 2006، أبلغ غلعاد ان الادارة الامريكية تضغط من اجل فتح انبوب الاسمنت الى غزة للتمكين من اعادة بناء بيوت ومنشآت حيوية هدمت بقصف سلاح الجو. وذكر منسق العمليات في المناطق، اللواء يوسف مشلب، ان آلافاً من العمال الفلسطينيين العاطلين عن العمل يترقبون فتح الانبوب. وقررت الحلقة انه ينبغي فتح الانبوب واعترض غلانت على القرار في حضرة رئيس الاركان دان حالوتس ورفض هذا الاعتراض. بحسب أمر من غلانت بقي الانبوب مغلقا اكثر الوقت 'بسبب تحذيرات من عمليات'. وحظر أمر آخر منه ـ مخالف لتوجيه الوزير ـ ادخال صحف وأشياء بريدية في القطاع. أربما يكون هذا في الحقيقة رئيس الاركان الذي تستحقه هذه الحكومة؟

هاآريتس - عكيفا الدار - 11 - 8 - 2010