هااريتس – ميناحيم كاهان - هكذا أصبح الجولان «نظيفاً من العرب»

روّجت إسرائيل، على مدى عقود، رواية مفادها أنّ سكان الجولان هجروا قراهم فراراً من المعارك إلى داخل سوريا، وأنهم لم يعودوا إليها بعد الحرب. ولكن الحقيقة هي تطبيق اسرائيل لسياسة «ترانسفير» ممنهَجة مارستها في حق سكان الجولان فور السيطرة عليها، لتكون «نظيفة من العرب»،.

ويؤكد شهود عيان ووثائق عسكرية اسرائيلية أن عشرات الآلاف من المواطنين السوريين تعرّضوا لعمليات ترانسفير وإجلاء قسري من جانب القوات الإسرائيلية بطريقة «تذكّر بما حصل مع سكان اللدّ والرملة عام 1948»., فيما كانت اسرائيل تؤلف روايتها عن الهجرة الطوعية للسوريين من الجولان.

البداية كانت مع وزير الدفاع في حينه، موشيه ديان، الذي شرح في مقالٍ بعنوان «اليوم السابع»، نشره بعد شهرين على انتهاء حرب 67 في مجلة «لايف» الأميركية، كيف أنّ الجيش السوري «سحب معه (أثناء تراجعه) السكان المدنيين» الذين خافوا من تعرضهم للقصف الإسرائيلي.... بعد ذلك، تبنّت الشخصيات السياسية والعسكرية الإسرائيلية هذه الرواية، فقدمتها أمام المحافل الدولية على أنها حقيقة ما حصل إبان الحرب. وهكذا ردّ سفير اسرائيل لدى الأمم المتحدة في حينه، جدعون رفائيل، على المذكرة التي توجه بها نظيره السوري إلى الأمين العام للمنظمة الدولية احتجاجاً على طرد المواطنين السوريين من الهضبة بالقول : " إن معظم سكان الجولان هربوا قبل انسحاب القوات السورية" ويستشهد الكاتب بمقتطفات صحافية إسرائيلية من تلك الحقبة، تعتمد الرواية نفسها، ليدلّل كيف تسلّلت أدبيات المؤسسة الرسمية إلى وسائل الإعلام وأقلام الكُتّاب الصحافيين. حتى إنّ تلك الرواية المزيّفة أطبقت حتى على عقول المؤرخين والباحثين، وهو ما وصل إلى الكتب المدرسية.
على ان بعض الكتّاب والمؤرّخين كانوا على علم مسبّق بعدم موضوعية ما يكتبون، إلا أنهم آثروا الالتزام بالرواية الرسمية لأسباب مختلفة. وينقل الكاتب عن أحد المؤرخين قوله إنّ مسايرته للتيار القائم كان بسبب الخوف من تصنيفه «مؤرّخاً يسارياً».
هذا لا ينفي حصول عمليات نزوح طوعي لسكان الجولان أثناء الحرب، ولكنها لا تشمل كل السكان. فجنود وضباط إسرائيليون شاركوا في الحرب، يؤكدون فيها أنّ عدداً لا بأس به من المواطنين السوريين بقوا في أرجاء الهضبة خلال الحرب. كما انهم خرجوا من بيوتهم تجنباً للقصف، وانتظروا في محيط القرى من أجل العودة إلى بيوتهم بعد انتهاء المعارك.

ويقول احد الضباط: "هذا هو السلوك الذي واجهناه في شمال الضفة، وقد كان شائعا جداً. الناس يهربون من بيوتهم لكنهم يبقون على مسافة تسمح لهم برؤية بلدتهم لمراقبة تطور الأمور".
ووفقا للإحصاءات السورية التي جرت في أعقاب الحرب، بلغ عدد النازحين من الجولان نحو خمسين ألفاً، ما يعني أن عدد الذين طُردوا وهُجّروا قسراً بعد الحرب يتجاوز السبعين ألف سوري.
العقيد شموئيل أدمون، أصدر في 16 حزيران 1967، أي بعد أربعة أيام على انتهاء الحرب، أمراً يعلن فيه الجولان منطقة عسكرية مغلقة يُمنع دخول أو خروج أيّ شخص منها وإليها إلّا بإذن خاص منه، تحت طائلة معاقبة من يخالفه بالسجن 5 أعوام.
هكذا قُيِّدَت حركة المواطنين السوريّين، واستحال دخولهم إلى قراهم بعدما بدأ الاحتلال يعترض عودتهم، ويطلق النار ويأسر كلّ من يحاول دخول الجولان.
وتظهر الوثائق الحكم العسكري عن تلك الفترة كيف جرى اعتقال عشرات الأشخاص يومياً ممّن حاولوا العودة إلى بيوتهم... وفي موازاة ذلك، بدأ الجيش الإسرائيلي بهدم القرى ليفرض واقعاً يحول دون عودة الناس إلى منازلهم. ويقول إلعاد بيليد، قائد الفرقة العسكرية الـ36، التي تسلمت مسؤولية منطقة الجولان خلال فترة عشرة أيام بعد الحرب، إن وحدات خاصّة تابعة للجيش كانت مهمّتها «تنظيف» المنطقة من سكّانها العرب. ونحو نحو 20 ألف سوري بقوا في هضبة الجولان في الأيام الأولى للحرب، لكنهم هُجِّرُوا وهربوا حينما رأوا الجرافات تدمر القرى، ولم يكن لديهم أيّ مكان يعودون إليه.
ويؤكد تسفي رسكي، الذي كان قائداً لأحد القطاعات العسكرية داخل الجولان بعيد الحرب، ما صرّح به بيليد. ويقول في هذا السياق، "لقد فجّرنا البيوت فور انتهاء المعارك، تقريباً في كلّ مكان استطعنا فيه ذلك".

ويروي جنود آخرون أنهم كانوا يرون السكان المحليّين يزرعون حقولهم في الأسابيع التي تلت الحرب، وكانوا يطلبون إليهم مغادرة المكان باتجاه الداخل السوري، ويصطحبونهم إلى القنيطرة. وهكذا لم يبقَ، حتى نهاية صيف عام 1967، سكان سوريون في أرجاء الجولان، إلى أن أصدر قائد المنطقة، في 27 آب، أمراً صنّف فيه مئة قرية وقرية في الجولان في خانة المهجورة وممنوع الدخول إلى نطاقها».
لم يحصل الجيش على الهضبة نظيفة من العرب مثلما أراد أن يحصل نائب رئيس شعبة العمليات في حينه، الجنرال رحبعام زئيفي، ..الا انه عمل جاهدا على ان تصبح كذلك

هااريتس - مناحيم كاهان - 2 - 8 - 2010 .

 

.