هالأسمر اللون... والروزانا.. وعاليادي اليادي...أشهرها

ترتبط الأغنيات الشعبية في الساحل السوري بالوجدان الشعبي لأهالي المنطقة وتحولت الى مرآة تعكس العمق الإبداعي الفطري لديهم ولاسيما أنها تمتلك مقومات البقاء والاستمرارية في الذاكرة الشعبية من جيل إلى آخر.

 

ورغم مرور الزمن حافظت هذه الأغنيات على لحنها الأصلي وإذا كان من تغيرات طرأت عليها فقد جاء أغلبها متصلاً بالكلمات التي تؤلفها والتي خضعت لبعض التغيير من وقت إلى آخر فمنها ما تم حذفه أو استبداله أو إضافة مفردات جديدة إليه ومنذ وجودها ارتبطت الأغنية الشعبية بالواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمع فحملت فلسفة الناس وتطلعاتهم للحياة فلم تخل هذه الأغنيات ولاسيما في المنطقة الساحلية من نغمة الحزن فجاءت ضمن مقامات من هذا اللون كالصبا والسيكا ثم تحولت مع الأيام لتأخذ مقامات "البيات والحجاز والرست" وبعدها انتقلت للتخصص بين الحزن والطرب والحماسة والوصف وغيرها.

 

ومازالت هذه الأغنيات الشعبية حية في ريف الساحل السوري حيث يحيي الناس من خلالها مناسباتهم ويعبرون بها عن مشاعرهم الحزينة أو السعيدة.

 

ومن أبرز الأغاني الشعبية التي ظهرت في البيئة الساحلية العتابا والميجانا والدلعونا وأم الزلف واللالا والروزانا وع اليادي وجملو ويامشمل التي تتميز بايقاع خاص وغيرها الكثير من الأغنيات الجميلة والمعبرة عن حياة بسيطة وواقع له خصوصية الريف وجمالياته حيث لكل أغنية قصة وحكاية كانت سببا في وجودها.

 

ويشير الموءرخ حسن إسماعيل في تصريح لوكالة سانا إلى أن اللحن والموسيقا من أهم العوامل المؤثرة في حس الإنسان حتى ان الطقوس الدينية اعتمدت نوعاً من الغناء لتلقى قبول الناس ورضاهم.

 

وقال إن العتابا والميجانا من أهم أنواع الاغنية الشعبية والموال هو مقدمة للأغنية مضيفاً أن الناس كانوا يسمون العتابا والميجانا بـ "المسن" حيث يسن المطرب حنجرته بموال أو بموالين من العتابا مع سبحة ميجانا ثم يبدأ بالغناء مشيراً إلى أن الموال والميجانا كانا بمثابة اختبار أولي لمقدرة المطرب على الغناء وإمتاع الناس ويعدان من حيث توظيفهما من أغاني "الحداء" أي الغناء للقوافل أو أثناء القيام بأعمال تحتاج إلى وقت كالمسير والعمل الطويل.

 

وقد جاء موال العتابا من العتاب والمعاتبة والعتايب ويعني التخاطب الذي يحمل الرغبة في المودة وهو مؤلف من أربعة مقاطع موزونة عروضيا تنتهي الثلاثة الأولى منه بلفظة واحدة متشابهة باللفظ ومختلفة بالمعنى والمقطع الرابع ينتهي بحرف الباء الساكن وأحيانا بحرف الألف الممدودة.

 

أما الميجانا فهي كلمة آرامية وتعني المطرقة الخشبية الكبيرة التي كان يستخدمها الناس في قشر البرغل أو ندف الصوف على المندف وهي كالعتابا موال مؤلف من أربعة مقاطع الثلاثة الأولى تنتهي بنفس اللفظة مع ضرورة اختلاف في المعنى والرابع ينتهي بـ "نا" حتما والاختلاف بين العتابا والميجانا هو في الوزن واللحن فقط.

 

محمود شدود من أهالي قرية العصيبة في ريف مدينة بانياس يبلغ من العمر 98 عاماً ويجيد أداء أغنية "أم الزلف" و"أبو الزلف" التي يقول إنها أغنية السفر الطويل وكانوا يؤدونها أثناء سفرهم للعمل في الأراضي البعيدة وبشكل فردي الأمر الذي يعطي المغني فرصة التكيف بأداء الأغنية أو الموال حسب مقدرته الصوتية أو حاجته للغناء وزمن العمل الذي يؤديه.

 

أما المعمرة خديجة إدريس من منطقة الشيخ بدر والبالغة من العمر 103 سنوات فترى أن لأغنية "عالالا ولالا" وهي من أكثر الأغاني الشعبية المتداولة أشكالاً وتسميات مختلفة ولكل اسم إيقاعه ودبكته التي تعبر عن الحالة التي يعيشها الناس حين أدائها ولها عدة معان منها المرأة المتعطرة.

 

وترى إدريس أن أغنية "عا اليادي اليادي" التي تعد من الأغاني اللطيفة بلحنها وإيقاعها من أبرز أغاني الدبكة ومعناها شبك الأيادي للدبكة بينما تتميز أغنية "ليا ليا يا بنيا" وفق ما تقوله إدريس بلحن وإيقاع واحد وبالتالي دبكة واحدة هي "الكرجة" وتضيف.. كنا نعني بها سابقا "أيتها البنية" عندما كان يتلاقى شباب وصبايا القرية إضافة إلى معنى آخر "تميلي وارقصي أيتها البنية".

 

ولأغنية "يامشمل يا مشمالي" إيقاع خاص هادئ وطويل ونغمة حزينة على مقام الصبا حيث تصفها إدريس بأنها من الأغاني الجميلة التي تتحدث عن الصبايا اللواتي يشملن الزرع خلف الحواصيد حيث كان الشباب يمتدحون صفات ومحاسن تلك الصبايا بكلمة "يا مشمل" وتضيف ادريس بأنها كانت تعني أحياناً التعبير عن أم فقدت ابنها الذي ذهب شمالا أيام الحرب حيث تستيقظ القرية على بكائها.

 

وهناك أغان أخرى مثل أغنية "شليفك يا زين يا بو الميجنا" التي كان يرددها المغني قديما عندما كان يريد شرح أحواله لأحبابه وأغنية "يا هويدلك يا هويدلي" التي انتشرت في الداخل والسواحل وحتى البوادي وجاءت لتمثل طلب التأني والهدوء في حالات العشق عند الشباب كيلا يخسر الأحبة بعضهم في حين تدل أغنية "جملو" على التغني بالمرأة الجميلة والتودد لها.

 

وتختلف عنها أغنية "عالروزانا" التي تحمل في مقاطعها ولحنها نوعاً من الرومانسية فهي ليست أغنية للدبكة ولا تغنى في المراسح بل تغنيها الفتاة وهي تصنع طبقا من القش وعندما تنقي الحصى من الحنطة وربما تغنيها الأم وهي تهز سرير طفلها لينام.

 

أما "أغنية بيش الغواري" التي ظهرت مؤخراً على لسان أحد المطربين تحت عنوان "مسعد يا تنور" فقصتها ان المرأة في الزمن القديم كانت تضع على جبينها قطعة دائرية من الذهب مرصعة بالحجارة الكريمة تسمى الناطور وكانت تحيط بها قطع ذهبية صغيرة على شكل هلال تسمى الغواري.

 

 

ويعزو البعض السبب في نسيان هذه الأغنية والابتعاد عنها لصعوبة أدائها أو تأليف المقاطع عليها لأن من يغني بيش الغواري يجب أن يكون شاعراً ومؤلفاً محترفاً و"بيش الغواري" هو سؤال يصر الشاب من خلاله على سؤال الفتاة كم هو مهرك أو كم يريد أهلك مهرا لك.

 

أما أغنية "سكابا يا دموع العين سكابا" فيراها المطرب الشعبي المعروف سليمان الشعار من منطقة القدموس الذي تجاوز 84 عاماً صديقة ورفيقة الناس في أحزانهم عند الوفاة أو الفراق أو عند الحوادث المؤسفة وهي منتشرة في الساحل السوري والداخل أيضاً حيث يقول.. في أغلب الأحيان لا تتم إقامة مراسح الدبكات عليها لأنها ترافق المآسي والأحزان وتغنى على المقامات الحزينة "الصبا والسيكا" ويتألف المقطع من أربعة أشطر ينتهي المقطع الأخير بـ "نا".

 

في حين تعد أغنية "عل آسمر اللون" من الأغاني الشعبية غير المخصصة للدبكة وربما هي أقرب لشرح الأحوال مثل "شليفك يا زين وسكابا" ولها أكثر من لحن وتنتشر في سورية وفلسطين ولبنان والعراق.

 

ويؤكد الحضور القوي لأغانينا الشعبية بأنها كانت موظفة توظيفا دقيقا ومرتبطة بحياة الناس وبيومياتهم وقضاياهم ومواسمهم وقد قام كثير من الشعراء الشعبيين بتخليد الكثير من الأحداث السياسية بقصائد طويلة تداولها الناس في سهراتهم ومناسباتهم وهذا ما يمكن ملاحظته ومعاينته عند السوريين فكانت هذه الأغنيات امتداداً لجذور الأجداد وما زالوا محتفظين بهذا التراث فيعيشونه وكأنه جزء لا ينفصل عنه.

 

 

سانا