هدايا

 

رغم الأزمة الاقتصادية، أو ربما بسببها ينشغل البريطانيون في الحديث عن الهدايا التي تلقاها رئيس الوزراء السابق توني بلير خلال عشر سنوات من توليه الحكم وإقامته في 10 داوننغ ستريت مقر رئاسة الحكومة البريطانية.

 


العناوين ملفتة وجاذبة للقراءة، لكن المحتوى مضحك ويؤكد أن الرجل المتهم بالاحتفاظ بهدايا قيمة كان يجب أن تودع في خزينة الدولة، هو سياسي نظيف اليد أو مجرد مبتدئ في الفساد، لأن الهدايا التي تثار الضجة حولها لا تتعدى بضع ساعات من النوع الرخيص وجهاز كمبيوتر يملك مثله وأحسن منه موظف صغير في شركة تأمين، وآلات موسيقية أرى الكثير منها في أيدى طلبة الجامعات المحبين للموسيقى.

  


هكذا هم الانجليز، يعملون من الحبة قبّة، ويضخمون الهفوات لتبدو وكأنها جرائم كبرى. وربما يكون مفيدا لهم أن يطلعوا على التجربة العربية ليعرفوا ماهية الفساد الحقيقي، ويروا كيف تتحول الأوطان بسمائها ومائها وترابها وناسها إلى هدايا تقدم إلى زعماء دول في احتفالات رسمية مهيبة يغطيها الإعلام، ويمتدحها كتاب الصحف، وتفخر بها النخب.

  


مسكين هو السيد بلير الذي يرتشي بساعة من بيرلسكوني لا يزيد ثمنها عن ثلاثمئة وخمسينا جنيها، وغيتار من مغني لا يتجاوز ثمنه اربعمئة جنيه، وخنجر من مسؤول عربي لا قيمة حقيقية له لأنه مجرد تحفة، وأكاد أجزم بأن المسؤول الذي يقدم الخناجر هدايا هو أيضا تحفة.

 


أزعم أيضا أن بريطانيا مسكينة، وتستحق الشفقة (رغم وعد بلفور)، فالبلد كلها، قامت ولم تقعد بسبب هدايا تلقاها رئيس الوزراء ببضع مئات من الجنيهات، ما يعني أن بريطانيا لا عظمى ولا ما يحزنون، وما يؤكد تفوق العرب وتميزهم على سائر الأمم، ففي بلادنا يستطيع مدير مخفر أن يرتشي بالملايين، ويستطيع مسؤول حكومي أن يسرق عشرات الملايين، ولا تهتز الدول، ولا تنشغل النخب في الحديث عن هذا الموضوع التافه.
ننصح الإنجليز بايفاد متدربين إلى الدول العربية ليتعلموا ميدانيا كيفية النبوغ في الفساد.

الحياة الجديدة "الفلسطينية" - فؤاد ابو حجلة