هذه بنود التسوية ... وهذه إشاراتها

يعتقد مرجع سياسي واسع الاطلاع أن المفاوضات الجارية بين السعودية وسوريا بشأن الملف اللبناني تقترب من لحظة الحسم، كاشفاً عن زيارة حاسمة مرتقبة للأمير عبد العزيز بن عبد الله إلى دمشق لبتّ أمور عالقة تتعلق بما يفترض أنه «تسوية تجنّب لبنان الانهيار». وبحسب المرجع، فإن «المناخات كانت إيجابية للغاية، وهناك إشارات كثيرة تدل على احتمال حصول التسوية، برغم كل الأجواء الملبدة القائمة إلى الآن».
وبحسب المعطيات المتوافرة، فإن قاعدة التسوية تقوم على أسس أبرزها:
أولاً: لا مجال لأي تفاوض أو تفاهم بعد صدور أي قرار اتهامي عن المدعي العام دانيال بلمار. وإن حزب الله يرفض رفضاً مطلقاً وقاطعاً أي نوع من التحاور معه على أساس أنه متهم.
ثانياً: إن التسوية يجب أن تتم قبل صدور القرار الاتهامي، ويجب أن تتضمن إجراءات قد يكون لها تأثيرها المانع لصدور القرار الاتهامي أو تكون حاسمة في وأد القرار في مهده.
ثالثاً: إن التسوية تقوم على أساس إطار عام لحل مشكلة المحكمة والقرار الاتهامي على نحو شامل غير قابل للنقض، ما يعني أن أي تفاهم يجب أن يمنع العودة الى المحكمة الدولية مرة جديدة.
رابعاً: إن التسوية يجب أن تكون مضمونة من جانب سوريا والسعودية وبمباركة إيرانية ودعم عربي ومن بعض العواصم الغربية.

إشارات داعمة للتفاؤل

غير أن المرجع المعني، والذي يظهر تفاؤلاً جدياً بإمكان حصول هذه التسوية، لا يستبعد حصول تعقيدات من النوع الذي يمنع حصولها، لكنه يشير إلى بعض الإشارات الهامة في سياق تبرير التفاؤل ومنها:
أولاً: إن الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، بات على اقتناع تام بأن التسوية أمر ضروري لمنع الانفجار، ولحفظ الوضع القائم في لبنان، ولمنع أي تدهور من شأنه إطاحة كل النفوذ السعودي القائم الآن في لبنان، ولمنع تمدد خسارة العراق باتجاه لبنان.
ثانياً: إن ملك السعودية ردد أمام معنيين من لبنان ومن الخارج أنه مقتنع بأن الآلية القضائية القائمة حالياً، قد تؤدي الى أزمة تطيح كل إرث الحريري، وأنها لن تحقق العدالة وليس بالضرورة أن ينجم عنها معرفة الحقيقة.
ثالثاً: إن الملك السعودي قال أمام مسؤولين لبنانيين إن الجريمة التي وقعت وأدّت الى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، يجب أن تعالج وفق منطق يمنع تحولها الى جريمة متمادية، وإنه أبلغ الى الأميركيين وإلى جهات أخرى، أنه من أولياء الدم، وهو لا يريد للجريمة أن تكون سبباً في سقوط المزيد من الدماء أو الخسائر. ولما سأله أحد ما مباشرة، أجابه الملك: الله يرحم رفيق الحريري.
وفي جانب آخر، يبدو أن هناك إشارات ناجمة عن وجود «مخاوف جدية» في أمكنة أخرى، منها:
أولاً: محيط الرئيس سعد الحريري، ولا سيما من أنصاره المقربين، ومن الطائفة السنية على وجه الخصوص، ما يدفع بقسم كبير من هؤلاء الى دعم التسوية، وخصوصاً أن المواجهة قد لا تبقي شيئاً.
ثانياً: إن التيار المعارض للتسوية، والذي يتلقى الدعم الأميركي المباشر، والتعليمات أيضاً من السفير جيفري فيلتمان، لا يملك حيثية من شأنها تعطيل أي تسوية. كما أن هذا الفريق لا يجيب الحريري عن سؤاله الدائم: وماذا سيفعل الأميركيون إذا استولى حزب الله على البلاد؟ كما أن هذا التيار محصور الآن بفريق القوات اللبنانية ومعها الرئيس أمين الجميل والبطريرك الماروني نصر الله صفير.

قلق أجنبي وإسرائيلي

ثالثاً: إن عواصم أجنبية كثيرة، وأخرى عربية، تعرب عن «خشية حقيقية وجدّية من انهيار عام يصيب التركيبة السياسية والأمنية القائمة في لبنان حالياً إذا قرر حزب الله وحلفاؤه المبادرة على الأرض رداً على أي قرار اتهامي، حتى من دون اللجوء الى السلاح. وهؤلاء يظهرون خشية على تعرض نفوذ دولهم ومصالحها في لبنان الى خطر كبير قد يصل الى حدود خروجهم نهائياً من هذا البلد.
رابعاً: يبدو أن القلق ينتاب دولاً أخرى، من بينها إسرائيل؛ فبينما كانت هي تتوقع أن يؤدي القرار الاتهامي الى انفجار بوجه حزب الله، تحذّر اليوم من أن الانفجار قد يؤدي الى استيلاء حزب الله على كل لبنان وكل مؤسساته السياسية والأمنية خلال وقت قصير، ما يجعل لبنان مركزاً معادياً بكل ما يحتويه، وهو سبب سوف يدعو الى التعجيل بقرار الحرب من جانب إسرائيل، وهي غير جاهزة أبداً لمغامرة بهذا الحجم.

خامساً: إن الولايات المتحدة لا تقدّم أي إجابة عن أسئلة قوى محلية وإقليمية تتعلق بالخطوات التي تنوي واشنطن اتخاذها إذا أقدم حزب الله على خطوات ميدانية تطيح الحكم القائم. وإن المسؤولين الأميركيين يكتفون بالإشارة الى المجتمع الدولي والقرارات التي سوف تصدر عن الأمم المتحدة وخلافه، وهو الكلام الذي لا يعني شيئاً لفريق السعودية والحريري. بل هو يشير إلى أن واشنطن لن تفعل أكثر مما فعلته في 7 أيار، لناحية الاكتفاء ببيانات الإدانة.

إطار التسوية

وبحسب الجهات المعنية، فإن المفاوضات الجارية حتى الآن تركز على سلّة من البنود، فيها شق يتصل بالتحقيق الذي يديره بلمار، وشق آخر يتعلق بالوضع الحكومي والسياسي في البلاد. وواضح أن هناك من يسعى إلى مقايضة قد لا تكون كما يتمناها فريق الحريري.
لكن هذه البنود تتضمن بوضوح الآتي:
ـــــ إعلان لبنان تخلّيه عن التفاهمات الموقعة مع الأمم المتحدة بشأن قيام المحكمة ونزعه الشرعية الدستورية عن كل ما حصل سابقاً، وذلك ضمن سياق ينتهي الى خطوات في المجلس النيابي.
ـــــ إعلان لبنان وقف مساهمته المالية في تمويل المحكمة من خلال قرار يصدر عن المجلس النيابي وبالتالي عن الحكومة.
ـــــ إعلان لبنان سحب القضاة اللبنانيين الممثلين في المحكمة وترك أمرها الى الجهات الأخرى في العالم.
ـــــ إقرار تفاهم سياسي داخلي لتنظيم عملية «إبطال مسبق لأي قرار اتهامي»، ما يعني إعادة الاعتبار إلى الوضع الحكومي بطريقة فاعلة أكثر، وبما يترافق مع تفاهمات على خلق مناخات من الثقة تتيح لرئيس الحكومة القول إنه يقوم بعمله من دون عرقلة كما يفترض الآن.
ــــ التفاهم ضمناً على صيغة تضمن الاستقرار الحكومي والأمني والسياسي لفترة قد تمتد الى موعد الانتخابات المقبلة وخصوصاً الانتخابات الرئاسية.

سيناريو اليوم التالي

وإذا ما قيّض لهذه التسوية أن تكون، فإنه يمكن تخيل الجلسة الأولى من تنفيذها على النحو الآتي:
التاريخ: عشية صدور القرار الظني؟
المكان: قاعتان في الضاحية وقريطم حيث توضع شاشة كبيرة في كل منهما.
المتحاوران: السيد حسن نصر الله والرئيس سعد الحريري.
جدول الأعمال: شروط تسوية تمنع انفجار البلد بسبب المحكمة.
السيد نصر الله يضع أمامه أوراق التفاهم السوري ـــــ السعودي، فيما ينهمك الحريري بتركيب سماعات خفية في أذنيه (Ear phone) حيث يكون على الطرف الآخر السفير جيفري فيلتمان.
يرحب السيد نصر الله بالحريري ويكرر أمامه أن حزب الله لا يريد إلا التهدئة، وأنه مستعدّ للمساعدة حيث يجب، لتجاوز تداعيات أي قرار يتخذه الحريري.
يستمع الحريري ويدخل مباشرة في الموضوع:
ـــــ أنا مستعدّ، لكن ماذا سوف تقدمون لي في المقابل؟
ينظر السيد نصر الله أمامه ليراجع ورقة حول مطالب متوقعة من الحريري ويقول له:
ـــــ إن كل ما يتعلق بالمقاومة وبسلاحها وعملها وأمنها، ليس للتفاوض هنا أو في أي مكان، فما الذي تبحث عنه؟
لا ينتظر الحريري السؤال حتى يبدأ الكلام:
ـــــ أنا أعرف ذلك، لكنني هنا بصدد سؤالك عن مصير الحكومة، وهل تقدمون لي العون في مواجهة العراقيل التي تقوم في وجهي.. يعني هل تقبل يا سيد بما يفعله معي شربل نحاس...هل تقبل...
يصمت الحريري قليلاً، ليتبين أنه يستمع الى فيلتمان يقول له بإلحاح:
Who is Sharbel? Ha! Ask him about arms-
يخفض الحريري رأسه ويميل جانباً ويتحدث بصوت خافت كي لا يسمعه نصر الله، ويتوجه الى فيلتمان:
ـــــ تعال أنت واسأله عن السلاح أو أرسل له إسرائيل لتأخذ السلاح، أنا هنا أسأل عن الممكن وعما يعنيني، شربل نحاس هو مصيبتي الكبرى...
يستمر الحديث لوقت طويل، لكن ثمة ما هو بحاجة إلى تدقيق: هل هناك إمكانية للمساومة على رأس شربل نحاس؟ يعني هل يقايض حزب الله ملف المحكمة بملف الإصلاحات الداخلية الضرورية؟ هل بمقدوره ذلك، وإذا رفض، فماذا بإمكان الحريري أن يفعل؟
هذا هو السؤال الفعلي قبل صدور القرار الاتهامي، أما إذا صدر القرار ولم تكن التسوية قائمة، فلذلك حديث آخر، حيث لا حوار ولا من يحاورون!

 

شام نيوز- جريدة الأخبار