هل الحرب مع إيران خيار ممكن؟

التهديد الأكبر الذي تواجهه اسرائيل، وبصراحة، يواجهه العالم كله، هو إيران نووية". قائل هذه العبارة ليس إلا مت رومني، الرجل الذي من المحتمل أن يختاره الجمهوريون لتحدي باراك اوباما في الانتخابات الرئاسية.
هل يعتقد رومني فعلا بما يقوله؟ هل هو متهور إلى الحد الذي يدفع فيه الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران؟ أم أنه فقط يحاول اجتذاب أصوات اليهود- والتمويل اليهودي لحملته- من خلال ترديد وجهات نظر اسرائيل الساخنة التي تتردد أصداؤها في منظمة "أيباك" ومعهد واشنطن، وإلى حد كبير الإعلام اليميني الأميركي المتطرف؟.
ما هي جريمة إيران في نظر هؤلاء المتشددين؟ هي أنها رفضت الخضوع للهيمنة العسكرية الأميركية في الخليج مع حلفائها سوريا وحزب الله وحماس- وشكلت خرقا للتفوق العسكري الاسرائيلي في شرقي المتوسط. فهل هذا يمثل تهديدا على مستوى العالم؟
وهل الولايات المتحدة واسرائيل مستعدتان فعلا للذهاب إلى الحرب من أجل هذه القضايا؟ لا يبدو الأمر كذلك. كل المؤشرات هي أن الحرب ليست موضع تفكير جدي من جانب الولايات المتحدة أو اسرائيل- ولا بالنسبة لإيران. ففي هذه الدول كلها فقد مؤيدو الحرب حجتهم.
وتفيد مصادر واشنطن أن اوباما منذ وقت طويل قد استبعد استخدام القوة ضد ايران، وهي حرب يعتبرها بالغة الخطورة. وبعد أن وضع حدا للخسائر الأميركية في حرب العراق، يأمل الآن أن ينهي حرب أفغانستان من خلال تسوية تفاوضية. وفتح مكتب لطالبان في قطر- كما يجري بحثه حاليا- يمكن أن يسهل مثل هذه الاتصالات. ومن الثابت أن اوباما لن يدخر جهدا لمنع الولايات المتحدة من الانجرار إلى مغامرة عسكرية باهظة الثمن، ذات نهاية مفتوحة في الشرق الأوسط الأوسع.
بدلا من ذلك، يبدو أنه اختار بهدوء سياسة الاحتواء والردع. ولكن لأنه لا يرغب في الاتهام بأنه ضعيف بخصوص اسرائيل، فهذه السياسة العقلانية لم تعلن على الجمهور. والخط الرسمي للولايات المتحدة هو "كل الخيارات على الطاولة"، ولكن، ولأسباب عملية، فإن الخيار العسكري تم إسقاطه بحزم.
والتلميح بأن صقور الإدارة تعرضوا لهزيمة قد يشاهد من خلال استقالة دينيس روس مؤخرا من وظيفته في مجلس الأمن القومي، كمساعد خاص للرئيس لشؤون الشرق الأدنى. وعاد روس الآن إلى بيته القديم في معهد واشنطن- المنظمة الشقيقة للوبي الاسرائيلي"أيباك"- الذي أسسه مع مارتن إنديك عام ١٩٨٠، بهدف صياغة سياسة أميركا في الشرق الأوسط في اتجاه موال لاسرائيل، بالإضافة لوضع رجالات المعهد في مناصب حكومية كبيرة- وقد نجح في أداء المهمتين إلى حد كبير. وبعودته للمعهد، فهو يواصل عرض وجهات نظره المتشددة وأعلن في خطاب له مؤخرا أن هدف السياسة الأميركية لا يجب أن يكون الاحتواء، ولكن منع تنفيذ البرنامج النووي الإيراني- وبالقوة إن تطلب الأمر.
ولا تفكر اسرائيل بالحرب ضد إيران، وليس أكثر مما تفكر الولايات المتحدة. وتهديداتها الصاخبة هي، للمفارقة، مؤشر على أنها لا تخطط لهجوم. فعندما قصفت المفاعل النووي العراقي عام ١٩٨١، والموقع النووي السوري المزعوم عام ٢٠٠٧، فعلت ذلك بسرية كاملة ودون تحذير مسبق.
وإشارات رئيس الوزراء نتنياهو المحمومة الى خطر "وجودي" من قنبلة ايرانية يجب، كما أعتقد، أن تتم قراءته ليس على أنه مقدمة لحرب، وإنما على بديل عن الحرب. وما يقصده هو تخويف إيران والضغط على القوى الغربية لفرض عقوبات أشد عليها. والابتزاز يفعل فعله. فقد مرر اوباما قانونا بعقوبات أحادية جديدة على البنك المركزي الإيراني، المحور المالي للتحويلات النفطية.
وهناك جدل حاد يجري في اسرائيل بين الجنرالات والسياسيين. وشبه نتنياهو في تحذير بهولوكوست جديد، رئيس إيران محمود أحمدي نجاد بهتلر. ولا يتفق جنرالاته معه. وقالوا إن هجوما يقومون به سيؤخر البرنامج النووي الايراني عاما أو عامين، وهو سيدفع بإيران للسعي بأي ثمن للحصول على قنبلة نووية. ويدرك الجنرالات أن قيام اسرائيل بتحويل دولة أكبر حجما وأغنى بكثير منها إلى عدوة "أبدية" هو في منتهى الحماقة، كما أن عدد سكان إيران عشرة أضعاف سكان اسرائيل.
مئير داغان، مدير الموساد السابق، قال إن حربا مع إيران ستكون "كارثة". وطريقته البديلة في التعامل مع المشكلة كانت اغتيال علماء إيرانيين وإتلاف حواسيب إيران بدودة ستوكسنت وغيرها من الفيروسات، وتخريب مؤسساتها ونشر القلاقل بكل الطرق الممكنة. ويوصي بحرب "شبحية"، وليس بحرب إطلاق نار.
وفي خطاب وجهه تامير باردو، مدير الموساد الحالي، إلى تجمع للسفراء الاسرائيليين نقل عنه قوله :"مصطلح "خطر وجودي" يستخدم بحرية أكبر من اللازم". وقال أحد السفراء الحاضرين للإعلام الاسرائيلي إن ملاحظات باردو تلمح إلى أنه"لا يعتقد أن إيران نووية تشكل خطرا وجوديا على اسرائيل".
وحتى لو أن أحد الأطراف- اسرائيل والولايات المتحدة وإيران- تريد الحرب فعلا أو تتوقعها جديا، فهناك دائما إمكانية بأن تندلع الحرب بشكل عارض. واستهداف البنك المركزي الإيراني والتهديد بمقاطعة صادراتها النفطية، وهو ما تقترحه دول غربية، سيخلق جوا من الهستيريا القومية الذي قد يشعل مواجهة. وقد حاولت إيران أن تستجر التهديدات الغربية من خلال تهديدها بإغلاق مضيق هرمز، لكن أي محاولة جادة لفعل ذلك ستشعل المنطقة كلها بالنيران- وهو بالتأكيد آخر ما تريده إيران أو الولايات المتحدة. وفي رأيي، لا يجب قراءة الكثير في المناورات البحرية الأخيرة في الخليج، أو تجربة صواريخها الجديدة. فقد أجرت مثل هذه المناورات في الماضي.
الاحتواء والردع هما كما هو واضح السياستان الأفضل من خوض الحروب. لكنهما لا تخلوان من الصعوبات. فإقامة القواعد لنظام ردع مشترك يمكن أن تكون خطوة مخادعة. والشهور الأولى، وربما السنوات الأولى، قد يثبت أنها خطرة إلى أن يُستكمل النظام، ويتفهم الجانبان القواعد كلها. ومن أجل أن تكون الخطة آمنة، هناك حاجة ملحة لإنشاء "خط ساخن" بين الجانبين.