هل تقود الدراما السورية "ثورة" تجسيد الخلفاء الراشدين؟!

 

 

شام نيوز- تيسير أحمد

 

 

إن صحت الأحاديث المتداولة في الوسط الفني السوري، حول حصول منتجي مسلسل "عمر الفاروق" على فتوى شرعية تبيح تجسيد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض) تلفزيونياً فإن ثورة كبرى ستحصل في الدراما التلفزيونية والأفلام السينمائية التي تتناول تاريخ صدر الإسلام، فمنذ اختراع الفن السابع درجت المرجعيات الإسلامية على رفض تجسيد الأنبياء والرسل وآل بيت النبي (ص) والخلفاء الراشدين، لأن ذلك يسيء إلى مكانتهم وقدسيتهم.

غير أن السينما والدراما التلفزيونية الإيرانية تجاوزت فتاوى الأزهر ومرجعيات الجزيرة العربية، وجسدت في سلسلة من المسلسلات التلفزيونية بعض الأنبياء مثل يوسف ويعقوب واسحق والسيد المسيح ووالدته العذراء، وهو ما أثار جدلاً ومطالبات بمنع عرض هذه المسلسلات في القنوات العربية اللبنانية والتونسية والمصرية، لأن فتاوى الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية المتعلقة بحرمة التجسيد جرى التأكيد عليهما في الآونة الأخيرة.

 

صعوبات سابقة

 

وكلنا يذكر الصعوبات التي كادت تفشل فيلم الرسالة للمخرج مصطفى العقاد بسبب تجسيد بعض الصحابة المبشرين بالجنة، وكيف أن هذا الفيلم ما يوال ممنوعاً من العرض في الكثير من السينمات العربية ومحطات التلفزية فيها، وكذلك الضجة التي أثيرت حول فيلم "المهاجر" ليوسف شاهين قبل سنوات نظراً لأنه يجسد بعض الأنبياء ما اضطر المخرج المثير للجدل يومها إلى تغيير أسماء الأبطال وإن احتفظ بجميع تفاصيل العمل.

وفي هذا الموسم الرمضاني عاد الجدل حول تجسيد الخلفاء الراشدين والأنبياء ليشتعل من جديد، مع المسلسل الإيراني السيد المسيح، والمسلسل السوري "القعقاع بن عمرو التميمي"، حيث شكل الأخير محاولة خجولة لتجسيد الخلفاء ، فظهرت أجساد بعضهم دون الوجوه، وهو ما اعتبره الكثيرون خطوة أولى نحو التجسيد الكامل.

وما يجعل المعركة أكثر حرارة هو الحملة التي شنها الأزهر ضد عرض مسلسل يوسف الصديق على قناة ميلودي المصرية، بالإضافة إلى رفض مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر  قبل أشهر قليلة لمشاركة التليفزيون المصري في إنتاج مُسلسل عمر بن الخطاب، حيث طلب بالفعل أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون في مصر حينها من «مجمع البحوث الإسلامية» رأيه في جواز تجسيد شخصية «عمر بن الخطاب» إلاّ أن «على عبد الباقى» - الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية - أصدر قراراً حينها بعدم جواز ظهور الأنبياء وآل البيت والعشرة المُبشرين بالجنة على الشاشة لأن هذا حرام شرعاً، وبالتالى فظهور شخصية «عمر بن الخطاب» في أىّ عمل مرئي ممنوع، وأكد أن المجمع يرفض الأعمال الإيرانية التي تُجسد الأنبياء والصحابة وأنه يرى عرضها حراماً، مُشيراً إلى أن هناك العديد من الفتاوى في العالم الإسلامي ترفض تجسيد الصحابة والأنبياء.

 

شبكة التحريمات

 

وإذا نظرنا إلى المغامرة التي سيقدم عليها تلفزيون الام بي سي و معه التلفزيون القطري في ظل فتاوى التحريم فسندرك اي ثورة ستحصل على أرض الواقع فيما لو تم تجسيد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض).

فمواقف علماء الاسلام والمرجعيات الفقهية تنقسم إلى ثلاثة مواقف:

الأول: المنع المطلق، فلا يجوز -عند هذا الفريق- تمثيل أشخاص الصحابة بالكلية، وهو ما يراه عدد من علماء الأزهر، منهم الدكتور أحمد عمر هاشم، والدكتور عبد الصبور مرزوق، والدكتور عبد العظيم المطعني، والدكتور عبد الفتاح عاشور، والدكتور محمد سيد أحمد المسير، وهو ما مال إليه الدكتور أحمد الريسوني من علماء المغرب، وهو أيضا رأي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية، ومثلها: الشيخ ابن باز والشيخ عبد الرازق عفيفي، والشيخ عبد الله بن غديان والشيخ عبد الله بن قعود، بل صدرت فتوى من هيئة كبار العلماء بالسعودية بذلك، واستندت لجنة البحوث والإفتاء إليها في فتواها.

الثاني: الإباحة المطلقة، وهو مذهب علماء الشيعة، نقله عنهم الشيخ فيصل مولوي في إحدى فتاواه.

الثالث: حرمة تمثيل البعض وإباحة تمثيل الآخرين. وفيمن يحرم تمثيله رأيان:

الأول: الخلفاء الراشدون وآل البيت.

الثاني: العشرة المبشرون، ومنهم بالطبع الخلفاء الراشدون وآل البيت.

ويمثل هذا الفريق الشيخ القرضاوي، والشيخ فيصل مولوي، والمفهوم من كلام الشيخ ابن عثيمين، ودار الإفتاء المصرية، ومجمع البحوث الإسلامية ولجنة الفتوى بوزارة الأوقاف الكويتية وغيرهم.

أدلة القائلين بالتحريم:

ويستند من يقول بالتحريم مطلقا إلى ما يلي:

1- أن كل من بُشِّر بالجنة لا يجوز تمثيل أشخاصهم، لا فرق في ذلك بين درجاتهم؛ فبشارته بالجنة تمنع تمثيله. وهو رأي كثير من علماء الأزهر ممن قال بالتحريم.

2- ما قد ينتج عن تمثيل أشخاصهم من الامتهان والاستخفاف بهم، والنَّيل منهم؛ إذ يقوم بدورهم -غالبا- أناس بعيدون كثيرا عن التدين والالتزام بأوامر الله؛ وهو ما قد يولد السخرية من الصحابة والدين وتعاليمه، مع ما في ذلك من ظهور سب الصحابة بتمثيل دور المشركين معهم. وهو ما قالته لجنة الإفتاء والبحوث وهيئة كبار العلماء بالسعودية.

3- أن المفاسد المترتبة عليه أكثر من المصالح، وما كانت مفسدته أرجح فهو ممنوع، فإن قال البعض: إن في تمثيل حياتهم إظهارا للأخلاق والسلوكيات الحميدة، فهذا مجرد افتراض ينفيه واقع التمثيل. وهو ما قالته لجنة الإفتاء والبحوث وهيئة كبار العلماء بالسعودية، وعدد من علماء الأزهر.

4- أن تمثيل الصحابة إنزال لمكانتهم العالية التي وهبهم الله تعالى إياها في قرآنه، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. وهو رأي هيئة كبار العلماء بالسعودية، والمفهوم من كلام عدد من علماء الأزهر.

5- أن غرض التكسب والتربح سيطغى على تقديم الصورة الصحيحة؛ وهو ما يدفع القائمين بالإنتاج والتمثيل في التلاعب في سيرتهم، والتجار بما يناسب الربح والاتجار بعيدا عن الدقة العلمية. وهو مستند هيئة كبار العلماء بالسعودية.

6- ما حدث من قيام البعض من تمثيل الصحابة وسبهم وقذفهم والاجتراء عليهم، بل استخدام الحبكة الفنية ومهارات الإخراج في التلفيق والتشويق بهدف الإقناع والتصديق. وهو ما قاله الدكتور عبد العظيم المطعني.

7- أنه لم يتبق لنا في عالم الأسوة والقدوة إلا الصحابة، فمن الأولى أن نبتعد عنهم، وإن كان هناك إفلاس في موضوعات جيدة في الفن، فلتكن بعيدة عن هؤلاء الصحابة.. وهو ما ذهب إليه الدكتور أحمد عمر هاشم.

8- أن القدرة على تمثيل الصحابة بأشخاصهم عمل صعب فنيا؛ إذ إن الله تعالى وهب الصحابة قدرات خاصة كي يكونوا أهلا لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يمكن تصوره في العمل الفني.. ولا يجوز التعرض بالتمثيل لهم، استنادا لقوله صلى الله عليه وسلم "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا من بعدي.. فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم" أخرجه الترمذي. وهو رأي الدكتور عبد الفتاح عاشور.

9- أن هؤلاء الكتاب والفنانين ينقصهم أدنى فنيات وأدوات كتابة التاريخ، فضلا عن كتابة السيرة التي لا يمكن معالجة حياة هؤلاء بعيدا عنها؛ فهم جزء لا يتجزأ من السيرة النبوية الشريفة التي لا يصح كتابتها أو الخوض فيها بعيدا عن التزود بأدوات علم الحديث من جرح وتعديل، وهو مستند الدكتور عبد الفتاح عاشور أيضا.

10- أن الفن في الإسلام متحرر من هذه المادية المغرقة، وبعيد عن التوثين والتجسيد وعبادة الفرد للفرد.

11- وإذا كنا في زماننا هذا نفزع من تهمة تسمى الازدراء برمز الحكم.. فكيف بالازدراء برموز الإسلام؟!. وهو رأي بعض علماء الأزهر.

12- القول بتحريم تمثيل الصحابة مستند على قاعدة درء المفاسد، واتقاء الشبهات؛ فالقول بتجسيد حياتهم تمثيلا قول محفوف بالأخطار العظام، وإذا سلمت شخصية فلن تسلم أخرى، وإذا وجدنا من يفهم ويعلم سيرتهم اليوم، فلن نجده غدا، بل وستظل تصورات الفنانين لأشخاصهم نهبا لكل شارد ووارد؛ فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. وهو ما استند إليه الدكتور المسير.

أدلة من يحرم تمثيل بعض الصحابة دون غيرهم:

ويستند من يفرق بين العشرة المبشرين، أو الخلفاء الراشدين وآل البيت إلى:

1- أن كبار الصحابة لهم مكانة أكبر من غيرهم تمنع من أن يقوم بدورهم أحد، ولكن يشترط فيمن يقوم بتمثيل غيرهم أن يكون حسن السيرة والاستقامة. وهو ما اشترطه الشيخ القرضاوي.

2- إن كان الأولى عدم تمثيل أشخاص الصحابة، فإنه إن كان التمثيل لن يقلل من شأنهم فلا يمكن الحكم عليه بالحرمة، وليس في قيام شخص بدور آخر فيه نوع من الكذب؛ لأنه معلوم أنه ليس هو الشخص، وهذا هو المفهوم من كلام الشيخ ابن عثيمين.

 

 

وعليه فإن تجاوز كل هذا التراث الفقهي وكل هذه الفتاوى يعد نقطة تحول كبرى في ذهنية الفقهاء وطرائق تفكيرهم وزاوية نظرهم للأمور، كما أنه يحرر معه مجموعة من المفاهيم والتقييدات المرتبطة بحرمة التجسيد، والغريب أن الشارع العربي، لا يعبأ كثيراً  بالأدلة الفقهية، وهناك الكثير من المشاهدين الذين لايرون مانعاً من تجسيد الخلفاء الراشيدين فبعض المبشرين بالجنة جرى تجسيدهم في السينما والتلفزيون منذ فترة زمنية طويلة ولم يحصل ما يدل على ازدرائهم أو الانتقاص من مكانتهم.

(ملاحظة.. في الفيديو المرافق آراء مواطنين سوريين في قضية تجسيد الخلفاء في التلفزيون)