هل سيولد نظام عالمي جديد من الرحم السوري؟

 

 

في بادئ الامر ظن حسنو النية ان الاصوات التي انطلقت في درعا في اذار2011 مطالبة بالإصلاح إنما هي تعبير عن مطالب الناس ولا شأن للخارج بها، لكن السلوك الرسمي السوري الذي استجاب للحركة الاصلاحية فضح من كان يخطط لسوريا ويريد تغيير موقعها الاستراتيجي المتمثل في تمركزها حالياً في واسطة عقد منظومة المقاومة للمشروع الغربي، بغية نقلها الى الضفة المعاكسة التي عبر عنها من غير خجل برهان غليون الذي عين في اسطنبول رئيساً لما شكل هناك بإشراف تركي - قطري مباشر وقيادة غربية واضحة، رئيساً لـ"المجلس الوطني السوري".


ان تغير وجه الحركة الاحتجاجية في سوريا بات بشكل اكيد حركة عصيان مسلح ضد النظام ومؤسساته وقتلاً للمواطنين وتدمير ممتلكاتهم، لإظهار النظام بمظهر العاجز الذي عليه ان يرحل، وفي المقابل استمر النظام ممسكاً بتلابيب الامر يعمل على خطين: الاصلاح والامن، وبين هذا وذاك نرى انقساماً واضحاً إقليمياً ودولياً مصحوباً بتحشد في معسكرين اثنين:

 
1) الاول معسكر غربي السياسة والقيادة ويعمل على تغيير نظام سوريا وموقعها الاستراتيجي، رافضاً اي حوار مع النظام إلا تحت عنوان واحد هو كيفية انتقال السلطة الى "المجلس الوطني السوري" ومن يلتحق به او يأتلف معه مما يسمى "معارضات سورية"، وهو يعمل على شيطنة النظام وإظهاره بأنه نظام قتل وإجرام. تقود هذا المعسكر اميركا وتلتحق بها اوروبا الغربية، وعملت بإمرتها ادوات تنفيذية اقليمية، تتمثل بتركيا ودول عربية والجامعة العربية التي باتت دائرة من دوائر الخارجية الاميركية.
 

يعول الغرب على نجاحه في خطته هذه الكثير، لأنه يرى فيها كسباً استراتيجياً هاماً متمثلاً بتحويل سوريا الى اداة في يده تمكنه من السيطرة على المنطقة وثرواتها بعد فشله في الحروب. وستكون النتيجة الاستراتيجية المباشرة لهذا الانجاز توجيه ضربة بالغة الشدة الى منظومة المقاومة التي يعتقد الغرب بأنها ستتفكك ويتحول من يبقى منها جزراً غير متصلة يسهل خنق الواحدة منها تلو الاخرى، ما يمكن اميركا من ربط المنطقة التابعة لها ببعضها البعض، من الشرق، حيث دول الخليج، الى الغرب في الشمال الافريقي. خطة إن نجحت ستؤدي الى تشكل البرزخ الاستراتيجي الممتد من تركيا الى شمال افريقيا عبر الجزيرة العربية واسرائيل، الامر الذي سيعوض كلياً على اميركا خسارتها لحروبها.

 
2) الثاني، معسكر إقليمي مشرقي ويعمل على اصلاح النظام السوري وتطويره وتثبيت سوريا في موقعها الاستراتيجي الحالي، على ان يكون ذلك عبر الحوار الداخلي الذي يفضي الى تعديلات اساسية في القوانين والنظم المتعلقة بالشؤون الداخلية، مع المحافظة على الخيارات السورية القائمة في المجال الخارجي والاستراتيجي، اي الاستمرار بلعب دور مؤثر وفاعل في منظومة المقاومة للمشروع الغربي، والسعي لإقامة "شرق اوسط لأهله" متحرر من الإملاءات والاوامر الاجنبية ومتعاون بصدق وحسن نية مع من يريد التعاون بهذه الصيغة. ويعمل في هذا الخيار النظام السوري مدعوما إقليمياً من إيران وحزب الله، ودولياً من مجموعة البريكس، مع تفهم وقبول من اغلب الدول الاسلامية ودول ما كان يسمى بعدم الانحياز.

 
ان نجاح سوريا والمعسكر الذي يحتضنها في تحقيق هذا الامر سيؤدي الى اقامة منطقة مشرقية متجانسة متكاملة في خياراتها الاستراتيجية تمتد من ايران الى لبنان عبر سوريا والعراق، قادرة على الاستفادة من تحالفات استراتيجية وتفاهمات اساسية مع كل من الصين وروسيا، بما يؤدي الى الحد، ان لم نقل الإجهاز على النفوذ الغربي في المنطقة، وهو ما كانت تخشاه اميركا وتعمل على منعه.
هذا هو لب الصراع الحقيقي اليوم الذي يظهر من المشهد السوري، الحقيقة صراع دولي شامل، صراع بين الغرب الذي ينفذ هجوما للمحافظة على مكتسباته ومصالحه التي مارسها طيلة االقرن الماضي على حساب اهل المنطقة ووحدتهم وحقهم بالحرية واستثمار الثروة، وبين شرق اوسط استفاد من تنظيمه لمقاومة فاعلة وإقامة الانظمة المستقلة، والمتعاونة مع من لا يريد سيطرة واستعماراً، فانبرى للدفاع عن كياناته وحقوقه، صراع ستترتب على نتائجه تحديد وجهة العالم والنظالم العالمي الجديد الذي فشلت اميركا في جعله آحادياً وتسعى لتعويض الفشل بإقامة شرق اوسط يناسبها. فهل ستقدر؟
 

انطلاقاً من موازين القوى المتشكلة لا نرى قدرة لأميركا على النجاح في سعيها، فهي لن تستطيع ان تدخل من النافذة السورية بعد ان خرجت من باب العراق وبعد ان استطاع النظام السوري الصمود والاستمرار هو وحلفاؤه في المواجهة الدفاعية الناجحة، وانتقل الى الهجوم في معرض الدفاع الذي تجلى في السلوك الروسي بإرسال السفن الحربية الى الشواطئ السورية، والسلوك الايراني بإسقاط طائرة التجسس الاميركية والتهديد بالأكثر، والسلوك السوري بالمناورة العسكرية الاخيرة وسلوك التحدي من قبل حزب الله في عاشوراء.


لكل هذا نجد اميركا الآن تتحسب لهذا لفشل وتسعى لإقامة جبهة من "الاسلام السياسي السني" بقيادة الاخوان المسلمين، لمواجهة "الاسلام الشيعي الحركي" بقيادة ايران ودفعهما لصراع ولمواجهة تغيّران وجهة الصراع الحقيقي بما يجعل اسرائيل منسية من الطرفين.