هل كره تشارلي تشابلن ثورة التكنولوجيا ؟

نعيم ابراهيم
يبدو أن الرسالة إلى الانسانية التي أطلقها تشارلي تشابلن عندما تكلم لأول مرة في خطاب القرن العشرين ، لم تصل إلى عقول كل الناس ، وإن وصلت لم يؤخذ بها إلا من قبل من رحم ربي.
رسالة تشابلن في فيلم ( خطاب الديكتاتور الأخير) كغيرها من رسائل و صرخات عباقرة الارض، ضربت بعرض الحائط ، و داسها كثر من أبناء البشر منذ بزوغ فجر ثورة التكنولوجيا .
يقول تشابلن : لقد طوّرنا التكنولوجيا و لكنّنا أغلقنا أنفسنا فيها .. الاجهزة التي توفر احتياجاتنا قد تركتنا في احتياج .. معرفتنا أصبحت سخرية و لدينا ذكاء صعب و قاس .. نفكر كثيرا و أصبحنا نشعر قليلا .. نحتاج إلى اللطف و الرفق أكثر من الذكاء .. من دون هذه الصفات سوف تكون الحياة عنيفة و سوف نفقد كل شيئ . الطائرة و الراديو قربتنا من بعضنا البعض .. هذه الاختراعات كانت من أجل الخير..من أجل الوحدة و الاخوة لنا جميعا . السؤال الملحاح في كل زمان و مكان و الذي طرحه تشابلن هو ، متى تكون الحياة جميلة و جعلها مغامرة رائعة ؟ لا شك في ان المغامرة و الاكتشاف و فك مغاليق الحياة ، أقانيم لا يستطيع سبر غورها أي انسان ، و لا تعني المعلومات الوفيرة شيئا ذا قيمة في مجتمع لا يحسن استخلاص ما تحتويه هذه المعلومات من مفاهيم و علاقات.
و لذلك تتسع دائرة الفجوة المعرفية نتيجة الثورة الهائلة في التكنولوجيا و ثورة المعلومات و الاتصالات و بعدها الثورة الرقمية. فهل أصاب تشابلن عندما قال ، لقد طورنا التكنولوجيا و لكننا أغلقنا أنفسنا فيها و الاجهزة التي توفر احتياجاتنا قد تركتنا في احتياج . لعله كان محقاً كثيرا في ما ذهب اليه و هو الذي أضحك و أبكى الإنسان دون أن ينطق ببنت شفة في أفلامه، يوم لم تكن ثورة التكنولوجيا قد شقت طريقها الأشمل بعد في جعل الآلة تتكلم و تطير في السماء و تسير في الأرض و تمخر عباب البحار خدمة للبشرية . غير أنّ الذكاء الصعب و القاسي للإنسان كما وصف تشابلن جعل من التكنولوجيا أداة للقتل و التدمير والفناء، فكانت صناعة الطائرات و السفن و الغواصات الحربية و المدافع و الراجمات و الاقمار الاصطناعية التجسسية . و هذا ينافي تماما ما جاء في أول آيات أُنزلت من القرآن الكريم على سيد البشرية، النبي محمد " ص " ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) .. (سورة العلق: الآيات 1 ـ 5). فإذا كان السواد الأعظم من هذه الثورة التكنولوجية التي لا تذكر( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) (سورة الإسراء: الآية 85) ، قد فعل فعله تخريباً و قتلاً و تدميرا و فناء في حياة البشر ، فكيف سيكون عليه الحال إذا امتلك الإنسان كل العلم . حتماً سوف نصل إلى النتيجة التي حذر منها تشابلن و هي: " من دون صفات نحتاجها مثل اللطف و الرفق أكثر من الذكاء، سوف تكون الحياة عنيفة و سوف نفقد كل شيئ " . ما يعني الفناء للبشرية.