هل نحن بمأمن من الزلازل؟؟!!

تيسير خلف- شام نيوز

 

يثير زلزال اليابان (التسونامي) الكثير من الشجون والأفكار حول دور الزلازل في التاريخ البشري، وخصوصاً بالنسبة للحضارات القديمة.

زلزال اليابان ليس حالة فريدة في تاريخ البشرية، فهناك تأكيدات تتحدث عن زلازل كبرى غيرت خرائط وأنهت شعوباً وحضارات، ولا تستغربوا أن منطقتنا العربية في فترات سابقة كانت مسرحاً لمثل هذه الزلازل المدمرة، فهناك نظرية تعتقد بأن غرق مدينة دلمون الأسطورية في الخليج العربي، والمعاصرة لأساطير السومريين، ناتج عن زلزال (تسونامي) كبير جداً. كما أن زلزالاً كبيراً أصاب الإسكندرية فأدى إلى غرق مكتبتها الشهيرة ودمار منارتها التي كانت تعد من عجائب الدنيا السبع.

فعلى الرغم من الهدوء والاستقرار الذي تعيشه منطقة شرق المتوسط في القرنين الماضيين إلا أن هذا لا يعني أنها منطقة استقرار أبدية، فالزلازل كانت تصيبها بين الفينة والأخرى، بعض الزلازل عادي يسفر عن تهديم البيوت والبعض الآخر  مدمر يبتلع مدناً بكاملها.

ولنستعرض بعض ما جادت به كتب التاريخ عن الزلازل التي أصابت بلاد الشام خلال ألف عام..

 

زلزال الأمويين

يذكر المؤرخون السريان أنه في مطلع عام 749 ميلادي وقع زلزال في بلاد الشام تركز في الجنوب أدى إلى حدوث تسونامي كبير، وغرق مدن في مياه البحر واختفاء مدن أخرى حول ساحل بحيرة طبريا. وإلى هذا السبب يعزو علماء الآثار اختفاء حواضر كانت قائمة على الساحل الشرقي من بحيرة طبريا مثل مدينة بيت صيدا ومدينة جرجيسا ومدينة سوسيا، الواردة في أخبار الفتوح الإسلامية.

لقد دلت عمليات التحليل الآثاري التي قامت بها جامعات عالمية على وقوع هذا الزلزال المدر فعلاً وتركز تأثيره بشكل كبير جنوبي دمشق باتجاه البحر الميت، حيث دلت الدراسات الجيولوجية إلى ارتفاع قشرة اليابسة في شمالي بحيرة طبرية مما أدى إلى ابتعاد موقع مدينة بيت صيدا الواقعة على تل عامر في الجولان السوري المحتل حوالي كيلو متراً واحداً. كما أدى هذا الزلزال إلى اختفاء مدينة سوسيا التي كانت تسمى في الفترة الإغريقية هيبوس. فبعد هذا التاريخ اختفت هاتان المدينتان نهائياً من كتب التاريخ والجغرافيا وأصبحتا أثراً بعد عين.

والأمر نفسه ينطبق على مدينة طبريا على الساحل الغربي للبحيرة فقد دمرت كلياً ولم يعد لها مجدها إلا في العصر الفاطمي بعد حوالي قرنين من الزمان.

ويذكر المؤرخون السريان المعاصرون لذلك الزلزال أخبار الكوارث التي حلت بدمشق وما حولها وبعض المدن السورية الأخرى، وتحدثوا عن قرى ومدن كاملة اختفت عن الوجود وعن فناء معظم سكان جنوبي بلاد الشام عن بكرة أبيهم.

وهذا هو السبب الذي يعتقد بعض الباحثين أنه يقف وراء انهيار الخلافة الأموية التي سقطت بعد هذا الزلزال بأربعة أشهر فقط، حيث دخلت قوات أبي مسلم الخرساني إلى دمشق وباقي المدن الشامية دون قتال يذكر. فالكارثة كانت كبرى، بل أكبر من أي هزة سياسية مهما كان نوعها.

طبعاً اختفت أخبار بلاد الشام وفعاليتها الحضارية مدة قرنين من الزمن وربما أكثر من ذلك، فالشام وخصوصاً جنوبها كانت شبه خالية من السكان، حتى أن أحد المؤرخين العرب تحدث عن أن الغوطة كانت خالية من السكان وأن مدينة دمشق كان يعيش فيها ثلاثة آلاف فقط عندما دخلتها قوات السلاجقة بقيادة أتسز بن أوق الخوارزمي.

 

زلزال عام 1759

ولم تنقطع الزلازل ولا الكوارث الطبيعية التي تفنن المؤرخون العرب في تعداد تأثيراتها الكارثية كسقوط منارة جامع أو انهيار قباب خان أو سقوط سقف مدرسة على طلابها. ولكن الزلزال  الأكبر والأكثر تدميراً كان زلزال عام 1759 ذلك الزلزال الذي ابتلع مدينة كاملة من مدن الجليل وهي مدينة صفد، كما دمر معظم المباني في دمشق وريفها وفي الجولان وحوران والجليل.

وقد وثق هذا الزلزال أكثر من مؤرخ وتحدثوا عن خسائره الكبرى التي لم تحتملها بلاد الشام في ذلك الوقت إذ خسرت الدولة في ذلك الوقت ثلث السكان، وفرغت الكثير من القرى من سكانها وتعطلت الكثير من الأراضي ما أوقع ولاية دمشق في ذلك الوقت بأزمة مالية كبرى أدت إلى إعادة توزيع الأراضي على ضباط عثمانيين وهو ما أدى إلى ظهور الإقطاع في جنوبي بلاد الشام بعد أن كان معدوماً بشكل شبه كلي.

وهذا لم يكن آخر زلزال يضرب المنطقة ففي الثلث الأول ضرب زلزال منطقة جنوبي دمشق ولكنه لم يكن بقوة الزلزال السابق ولكنه أيضاً أثر في تركيبة السكان وملكيات الأراضي وأدى إلى حركة هجرة من بعض المناطق السورية البعيدة إلى المناطق المنكوبة التي خليت من سكانها وقد كان من نتيجة هذا الزلزال دخول قوات إبراهيم باشا المصري واحتلال بلاد الشام لمدة تقارب السنوات العشر.

الزلازل ظاهرة طبيعية ملازمة لكرتنا الأرضية، ولا توجد منطقة خارج هذا الخطر، وقد علمنا التاريخ أن لا نطمئن لهدوء زائف أو استقرار خادع في طبقات الأرض.