هل وصلتكم رسائلهم..؟!


  
لم يخل بيت سوري من لحظة قشعريرة.. وهو يشاهد التفاصيل المروعة التي تكشفت عنها المقبرة الجماعية لعناصر من القوى الأمنية مثلت بجثثها التنظيمات المسلحة في جسر الشغور.. حيث رسائلها تعددت بتعدد عناوينها ووصلت دون تأخير وإن تاهت في بعض مراحلها عن مساراتها.‏ لكن هل وصلت إلى تلك الأصوات المبحوحة التي ما فتئت تطلق أبواق فتنتها..

هل جاءتها السطور المضمخة بدماء السوريين.. وهل حققت مرادها؟‏ لا تبدو الإجابة صعبة ولا هي مستحيلة.. فكلنا يدرك أن هذا الدم لا يعنيهم في شيء إلا بقدر ما يثير من زوابع فتنة وما يحرك من مشاهد تحريض كي يوغلوا في الدم السوري، وكي يتلذذوا بعذاباته وبحالة القلق التي يريدونها أن تتواصل وتستمر.‏ هي مسألة باتت محسومة.. وهلعهم الذي رسمته شعاراتهم يتلاشى ما دام هناك المزيد..

 وكلما خفت سيل الدم.. ارتفع ذلك الهلع وامتد.. تطاول من هنا واستطال من هناك.‏ لا فرق عندهم.. المهم أن يبقى الخيط ممتداً من البداية وأن ينشغل السوريون بتفرعاته وما يوصل إليه.. أن تظل أنظارهم ترقبه إلى ما لا نهاية.‏ ليست الجريمة فقط اقترافاً بشعاً لمجزرة امتد التوحش إلى كل تفاصيلها.. وإلى كل المفاصل في جسد بشري غرست فيها أنياب التجييش والتحريض والإجرام مخالبها، بل هي في الصورة التي أراد القاتلون.. المنفذون والمخططون والمحرضون.. أن يوصلوها.. وفي الرسالة التي كتموا أسطرها خلف رغباتهم الدفينة.‏ لنعد تركيب المشهد.. ففي الجزئيات بعض التفاصيل التي تشوش الرؤية.. ولنعد قراءة كامل الخريطة التي رسمتها الأحداث منذ البداية، وليكن حكمنا تبعاً لذلك.‏

 

اللبوس الذي جاءتنا به كان مختلفاً ومغايراً.. حمل في طياته كل أشكال التلون والتبدل، ومارس اضطهاداً ضاغطاً حتى بدت عملية الفصل والفرز في غاية الصعوبة، ثم تدحرجت بالتتابع إلى أن وصلت الأمور إلى تلك التفاصيل الموغلة في دمويتها ووحشيتها.‏ والسؤال.. هل هذه هي المسارات الطبيعية للمخطط، أم إن ثمة انحرافات حصلت كما يردد بعضهم قادت إلى هذه الحصيلة.‏

ما هو مؤكد أن الجزء الأكبر مما جرى لم يكن وليد المصادفة، ولا هو نتاج فطري أو عدوى لسلسلة من الأحداث إنما شكل في أساسه انعطافاً حاداً كانت خطواته محسوبة بدقة.‏ فانتقاء المناطق يؤشر إلى ذلك.. التكثيف والتواتر في صيرورة التطورات يدفع نحو تأكيده وآليات التحريض وتصعيدها والفبركات المرافقة لها تجزم بنوعية الأجندة وماهية الأدوات.‏ اللجوء إلى التوحش الإجرامي يفضي إلى الاستنتاج أن دورة الإفلاس تتفاعل في مستوياتها المختلفة وتقود في النهاية إلى هذا الشكل.. لكن لم يكن لها أن تكون كذلك لو أن الأمر فقط تدحرج في الأحداث..

 

إنما هناك رسم لبدائل كلما أفلس واحد منها كان هناك البديل الجاهز.‏ واليوم.. ربما القشعريرة التي لامست كل سوري شاهد تلك التفاصيل يدفع إلى الاعتقاد أن الرسالة في الاتجاه الخاطئ والمعاكس.. بل ولدت ردود فعل لا يستطيع أحد بعد الآن أن يتجاهلها وبالمقابل خلفت فرزاً آخر وأخيراً سيكون من الصعب بعده الخلط.. ولابد أن يفك الارتباط بين المطالب وبين تلك الارتكابات.. وهذا ما نتوقعه فعلاً أن ينسحب على أصوات كثيرة آثرت أن تتمسك بحيادها.. فتعيد النظر فيه.. وأن تخرج من المنطقة الرمادية المثيرة للريبة.. أن تعلن براءتها منها.. أن تؤكد انفصالها التام عنها.. وأن لا علاقة - لا قريبة ولا بعيدة - بينهما.‏ أليس هذا أقل الواجب.. أليس هذا حق الوطن عليهم.. وحق الأبرياء الذين ذهبوا وحق الأمهات الثكالى والآباء المفجوعين والأطفال اليتامى.. وصور التمثيل والتنكيل بالجثث.. تلطم مخيلتهم كل صباح
 
على قاسم . الثورة