هل يمكن لساعي البريد أن يخطئ في العنوان

ساهرة صالح. شام نيوز
على فرض بأنّ ساعي البريد يعرف منطقته زنكا زنكا و دار دار , فهل من الممكن أو من المسموح أن يخطئ ؟
هذا على ما يبدو قد حصل مع بعض الدول العربية التي اختارت أن تلعب دور ساعي البريد عندما بدأت باستخدام وسائل إعلامها الأكثر شهرةً و خبرةً , لتفعيل ما يسمى بالتصّعيد غير المباشر للعواطف الثورجية عند الشباب السوري من خلال التركيز على مشاهد من الثورات العربية مع بعض الموسيقى التفاعلية و بثّها يومياً و على مدار الساعة , وتتدعي من بعدها الحيادية و المهنية , بالإضافة طبعاً إلى ممارسات أخرى لن أتي على ذكرها هنا كونها أشهر من أن يكتب عنها ...
ولكن يبقى الغريب هو هذه الرغبة المسعورة لنقل الثورة الى سوريا وبسرعة , حتى قبل أن تظهر نتائجها في الوطن العربي على أرض الواقع , فنحن جميعا بتنا نعرف الأسباب لهذه الثورات و لكننا مازلنا نجهل النتائج و إن كنا نتوقعها ...
وبالأمثلة تعرف الأشياء , فمثلاً كي لا نذهب بعيدا , ثورة مصر سنة 1952 التي قام بها الضباط الأحرار بقيادة اللواء محمد نجيب و على رأسهم جمال عبد الناصر كانت تنادي بالحرية و الديمقراطية و حكم الشعب نفسه بنفسه و ما إلى ذلك من شعارات ثورية , وفعلاً تم الإطاحة بالملك فاروق و حكمه الفاسد , و سميت مصر بالجمهورية بعد أن كانت مملكة .....
و توالت السنين على الثورة المصرية المجيدة إلى أن اتضح أن من نتائجها أيضاً هزيمة ال 68 و النظام الإستخباراتي القمعي الذي أسس له عبد الناصر شخصياً ولم يكن موجودا قبله ,و أيضا أولاد الثورة السادات و مبارك وما وصلت اليه مصر على أيديهم ...
وهنا للتوضيح , ليس لدي أدنى رغبة في التعرض لمصداقية ثورة ال 52 ولكن فقط للقيمين عليها , و كيف أمكنهم الإخلال بوعودهم و وضع مصر وشعبها في غير مكانهما ...
وهذا يقودنا بالتالي إلى أنّ الثورة شيء و من قام بها شيء أخر , فلطالما اُستغلت المعاني السامية للثورة و حاجات الناس , لتحصيل رغبات شخصيّة للبعض و استُخدمت الشعوب وقود لتزكيتها و إعطائها صفة الشرعية أمام العالم ...
ولكن لسوء الحظ ,كانت السنين الطويلة هي وحدها الكفيل بكشف الحقائق ,وهنا أعود على ذكر,عدم إمكانية تصدير أو استيراد أي ثورة ...
فهذا مناف لمنطق الثورات نفسه , و هذا أيضا ما يعيه جيدا من يحاول تصدير الثورة الى سوريا , لذا نجد عنده هذه الرغبة المسعورة كما ذكرت سابقا بالإسراع في نقلها قبل أن تضع أوزارها في الوطن العربي و تتضح نتائجها ...
كمن يحاول أن يهرب مادة ممنوعة و بالسرعة الممكنة قبل أن تتمكن الجهات المختصة من كشفه ...
فنحن جميعا نرى ما يحدث في ليبيا و بدأنا نستشعر النتائج , كما أننا بدأنا نشعر بالخوف على الشعب المصري و اليمني مما نراه من تخبط و عدم استقرار في هذه الدول وسيرها المباشر باتجاه حروب أهليّة لا تنتهي إلا بتقسيمها إلى دويلات ...
أما تلك الدول العربية التي اختارت خوفاً و طمعاً , أن تلعب دور ساعي البريد , فمن الواضح أنّها لم تخطئ المكان فقط عندما وجّهت جهودها إلى سورية , بل أخطأت الزمان أيضا ...
لهذا بقي لنا أن نقول لهم : إن لم تستطيعوا لشدة ضعفكم إلا أن تحتموا تحت العباءة الأمريكية , فسورية ستبقى رغماً عنكم وعن أسيادكم , عصية على الأزمات , لأنكم لن تعرفوا لها مكاناً ولا زماناً , فهي في كلّ الأماكن و كلّ الأزمان ....