«هلأ لوين».يسأل مقابل ماذا كل هذا الموت...؟

أجواء جنائزية، مشاهد سوداء أكثر من ظلامية صانعوها نساء مسلمات ومسيحيات متشحات بالسواد، ذاهبات إلى المقبرة، فذاك الدمار لا يرحم !، هنا وقف فيلم / هلأ لوين/ على مفترق طرق فاصل،

يستصرخ العقول بعد أن دُفعت أثمان غالية من الدماء والبشر بسبب الطائفية، والفيلم يسأل مقابل ماذا كل هذا الموت...؟ لماذا كل هذا التغييب للعقل..؟ لم يفكر أحد ولم يراجع نفسه، إلى أين نحن ذاهبون... ؟ في الوقت الذي يفترض فيه استفزاز العقول، كي تصحو من غفلتها المقيتة تلك التي تعمم الخراب، هذه هي مقولة لخصتها عوالم فيلم /هلأ لوين/ بعد أن أتحفت مشاهديها بملحمة إنسانية امتلأت بالمشاعر والرثاءات، وقذفت بوجه الجميع عالماً من الأسئلة تستهجن الفتنة وأحداثها المريرة، فبعد أن كانت تلك القرية آمنة تجمع أهلها على المحبة، يلوح شبح الطائفية، فتستسلم العقول وينجرف الناس إلى الخراب والمهاوي، فتلك الحرب بددت سلامهم، وحركت في دواخلهم نزعة وحشية عمياء لا ترى هدفاً لها سوى الخراب، كان هناك أمان ومحبة، تحولت إلى اقتتال وكره وقلق، فالعقول غفت وتحركت الغرائز البهيمية وببساطة نسف تعايش أبدي، أما الحياة المشتركة بما تحمله من أفراح وأحلام وأمان إنسانية جمعتهم ذهبت أدراج الرياح، وقد انقلب كل شيء جميل إلى قبح مقيت لانهائي، لم يتمكن أحد القبض على جموحه المجنون لولا أن نساء القرية والأمهات وصلن إلى درجة لا تطاق من القهر، فالخسارة لم تعد محتملة، لكثرة ما فقدوا من أبناء، شاب تلو الآخر، فما كان منهن إلا التفكير بوسائل تخليصهم من هذه الحالة، فسعوا بكل ما أوتوا من قوة باعتبارهن الأكثر خسارة وتأثيراً بالأحداث فحاولن مجتمعات إيقاف هذا الخراب وتعطيل القائمين عليه، وهم الرجال، فما كان منهن إلا تخديرهم وإلهاءهم بالنساء الأوكرانيات، وذلك لحماية أولادهن، ثم العودة إلى تلك الحياة الآمنة، فيصرفون الرجال إلى أشياء عديدة لإيقاف المجازر، وفي أحد الصباحات، يستيقظ أهل القرية وقد نسوا، هل هم مسيحيون أم مسلمون...؟ وهنا يتجلى حل درامي ذو دلالة إنسانية متميزة وأبعاد غنية مكتنزة بالدروس والعبر فبعد نسيانهم يقف أهل القرية عند طرف المقبرة تلفهم الحيرة يتساءلون.. أين ندفن المقتول الجديد..؟ و/هلألوين/ وإلى أين نذهب...؟ لأن الخسارة في منتهاها تؤول إلى الجميع، والإنسان هو من سيخسر، بغض النظر عن جميع الأطراف ودياناتهم، فالخسارة لاترحم أياً منهم، ووضعتهم على قدم المساواة، فيوجز الفيلم نداءاته ودعواته، يتوجه بها إلى المتلقي... إلى أين..؟ كما يلخص أسئلة كبيرة ترتبط بتلك الشروط المجحفة بحق الإنسان والتي أفرزت طائفية حصدت الجميع ونزعت الأرواح والأمان، وقد وجدت الأديان لسلامة روحه، فكيف يتم تصفيتها تحت أي عنوان كان...! وكعادتها المخرجة الفنانة /نادين لبكي / تبدع في أسلوبها السهل الممتنع، المبهر، إذ تستحضر واقعية مغرقة في البساطة والعفوية والحياتية الدارجة والتي تدهش المتلقي في تفاصيل أعمالها المأخوذة من اليوميات وخصوصاً أنها تعتمد على ممثلين جدد، تستفيد من تلقائيتهم وإعجابهم بما يصنعونه، وأسلوبها هنا مزج بين البكاء والضحك المنبعث من مفارقات تبلور مقولة شر البلية ما يضحك / هذا عدا مقاربتها الواقعية لظروف المجتمع العربي كله، عبر تقديمها ما حصل في لبنان عام 2008، ثم تضمين فيلمها مقترحات بقدر ما هي جريئة وغريبة، بقدر ما هي مقبولة لمنطقيتهاو تساؤلها المحق تحديداً عند دخول أحدى الأمهات الكنيسة، تشكو إلى العذراء أما مشاهد الفيلم فاتسمت بكودار أنيقة بنت أبعادها وأعماقها بآلية درامية سينمائية أخاذة، وتركت أثرها العميق في النفوس ووجهت وظائفها المختلفة بمقدرة فنية خاصة دون أن ننسى موسيقا الفيلم، وأغنية الفيلم بكلماتها الجميلة، التي لخصت عالماً بأكمله من التفاصيل الإنسانية التي تتقاطع مع أجواء الفيلم ومقولته، هذا عدا سؤال يبقى يدور في عوالمنا دون طائل، وهو لماذا يكون الاختلاف نقطة ينطلق منها العنف والتعسف المقيت والإقصاء.. ؟ ولماذا لا يكون نقطة نكتشف عبرها مساحات مضيئة تعلمنا وتتكامل معنا ؟! حتى لا تنقلب الأشياء الجميلة إلى نقائضها لأن الخاسر الأكبر هو الانسان‏

أهدت الفنانة /نادين لبكي/ فيلمها إلى الأمهات اللاتي يدفعن ثمن المآسي أكثر من الجميع، وقد كان لهن خطوة خاصة في الفيلم كشخصيات وكأحداث وكمؤثرات في الخطوط الدرامية الأهم ومحركات للأفعال الدرامية الأكثر جذباً فيلم هلأ لوين فيلم انتزع الإعجاب والجماهيرية الواسعة، في أي مكان حط رحاله فيه إضافة إلى الجوائز الكثيرة التي حصل عليها، منها جائزة /تورنتو / الدولي للفيلم في أميركا الشمالية، وهي جائزة الجمهور. إضافة إلى جائزة خاصة ضمن إحدى تظاهرات مهرجان /كان / السينمائي وهي بعنوان /نظرة ما/‏

/هلأ لوين / فيلم سيناريو نادين لبكي /رودني حداد. جهاد جحيلي / وإخراج نادين لبكي.‏

أما الممثلون فهم /عادل كرم / ايفون معلوف /ليلى فؤاد /منذر بعلبكي /خليل أبو خليل /جوليان فرح /ساسين كوزلي /مصطفى السقا /ليلى حكيم /آنجوريحان /كلود باز مسونغ / سمير عوض /زياد أبو عيسى / إضافة إلى نادين لبكي.‏

 

شام نيوز - الثورة