هلوسات

 

 

بسام جنيد - بلدنا

 

 

 

سأروي لكم بعض المقتطفات مما حصل معي مؤخراً ومن ثم سأدخل في الموضوع:
ـ أحد المعارضين أخبرني أنَّ اقتراحي بتسمية إحدى الجمع بجمعة (الموت لإسرائيل) مرفوض، لأنه قد يزعج بعض الدول التي تدعم الثورة!!.
نسي صديقي أنَّ الحرية التي يموت الكثيرون من أجلها لا تعني بأيِّ حال من الأحوال أن ينتقل الخنوع من حكم حزب ما إلى حكم الداعمين لإسرائيل..
ـ أحد الموالين المعتدلين للغاية، والذي كنت أستمتع بالخلاف معه والحوار، كتب صراحةً أنه أصبح يتمنَّى قتل كلِّ المحتجين أو اعتقالهم والتنكيل بهم..
نسي صديقي أنه تحوَّل رغماً عن أنفه وعن أنف كلِّ مبررات الكون إلى قاتل وشريك مباشر في حرق سورية التي يدَّعي خوفه عليها..
ـ أحد المعارضين خائف على حياته من الإرهابيين الذين يرفض الاعتراف بوجودهم..
صدِّقني لو كنت متوازناً واعترفت بوجودهم لما كانوا بهذه الحيوية
ـ أحد الأصدقاء حذفني وقاطعني حياتياً حين هاجمت المعارض هيثم المالح عندما طالب بالتدخُّل الخارجي وطالب بحذف كلمة العربية من اسم سورية..
نسي صديقي أنَّ المعارضة ليست حزباً، وأنها تيارات متعدِّدة، نجاحها باختلافها، وأنها تستطيع استقطاب الآخر حين تمارس الدور الممحو من الحياة السياسية في سورية منذ عقود وهو (النقد الحقيقي).
ـ الكثير من الأصدقاء الموالين صفَّقوا وابتهلوا لأحد المحللين السياسيين الذي طالب مِن على منبر إعلامي محلي بقتل المتظاهرين، لأنهم حثالة الشعب السوري..
نسوا وهم يصفّقون أنَّ العنف لا يجرُّ إلا العنف، ونسوا أنَّ كلامه الذي أطربهم يهدِّد حياتهم شخصياً، وفيه خطر كبير على سورية التي يحبُّون..
................
أحبائي على رأي نصر الله..
.. الحلُّ الوحيد لها كي تنقذ سورية هو بالاعتراف الجدي بأنَّ كلَّ شيء تغيَّر، وأنَّ في سورية ملايين المواطنين الذين يستحقُّون المشاركة في القرار، ومن دونهم لن ينهض الوطن وبقتلهم سيسقط الوطن لا محالة.
سأتحدَّث اليوم عن المعارضة، وسأصرُّ على حقي في نقدها، متجاهلاً قضية تصنيفي من قبل بعضهم، فهو آخر همي..
أقوم بهذا ليقيني بأنَّ الاحتجاجات في سورية ستكون في مأمن عندما يبتعد عنها فرسان الركوب على الأمواج.. وكي يبتعد عنها هؤلاء يجب أن نعرِّيهم وننقدهم..
أصدقائي.. دعونا لا نختبئ خلف مقولة إنَّ أيَّ نقد للمعارضة هو خدمة للسلطة الحاكمة في سورية..
إنَّ أيَّ نقد للمعارضة لهو تقوية للشارع المحتجّ، وتنظيف لكلِّ ما هو قذر قد يعكِّر عليه نقاءه..
دعونا لا ننسحب خلف مقولات رنانة لمجرد أنها تأتي على لسان أشخاص يكرهون النظام الحالي.
قبل أن أبدأ، أحبُّ أن أذكّر بأنني أتوجَّه إلى قسم محدَّد من المعارضة السورية؛ وهي المعارضة الليبرالية..
هل أطلب الكثير حين أقول إنه يجب على المعارضين قبل الموالين الاعتراض على محاولات إغلاق قناة «الدنيا»؟.. هل في كلامي غموض إلى هذه الدرجة؟.
باختصار، أنا أحاول أن أطبِّق فهمي البسيط للديمقراطية..
هل تعلمون أنَّ نسبة كبيرة جداً من الشعب السوري مقتنعة بأنه في حال نجحت حركة الاحتجاج الحالية في سورية في تغيير المعادلة، فإنَّ حالة من الانتقام والفوضى ستعمُّ البلاد؟.
لماذا لا نعطي بعض الطمأنينة لهؤلاء ونبدأ بالدفاع عن حق الوجود لأول خصم إعلامي، وهو قناة «الدنيا»..
أنا لا أريد لأحد من المواطنين السوريين أن يعيش اللحظات التي عشتها منذ أسبوعين، حتى لو كان هذا الأحد من أشد المدافعين عن السلطة الحالية..
لا أريد للاحتجاجات أن تستبدل الخوف الذي عشناه ليتحوَّل إلى الطرف الآخر من الشعب السوري، ونصبح نحنُ في مأمن وهم في خطر ورعب دائمين..
إن كنا لا نمتلك شجاعة التسامح وشجاعة الاختلاف وشجاعة العيش المشترك، فلماذا كلّ هذا الموت إذاً؛ مِن أجل مَن؟.
من أجل أن ينعم هيثم المالح وعدنان العرعور ومديرو صفحة (الثورة السورية) وغيرهم بمنظر رموز النظام والكثير من أنصاره وهم خلف القضبان؟..
تذكَّروا هيثم مناع حين كانت دماء أخيه لا تزال طريّة كيف وقف رجلاً حرَّاً وقال: لن نحمل السلاح، ولن نقتل أحداً؛ صوناً لدم أخي..
نعم، هناك فرق شاسع بين أن تكون معارضاً، وأن تكون كارهاً..
أتمنَّى ألا يقابل الوجه القبيح للسلطة السورية الحالية بالوجه القبيح لمعارضتها..
.. الشعب السوري شعب ذكي بطبعه، شعب يعرف ماذا يريد وماذا لا يريد.. من أسف، القتلة هم أيضاً فئة من الشعب السوري.. وبالمناسبة هذه الفئة موجودة في كلِّ بلاد العالم.. إنهم قلّة، ولكن يبدو حجمهم كبيراً بسبب أنهم يقتلون..
هناك مَن يقتل الجيش والأمن، وهناك مَن يقتل المواطنين الأبرياء.. من أسف، الشارع السوري انقسم إلى فريقين؛ كلّ منهما متشدِّد كما الآخر..
عندما يسقط متظاهر على يد الأمن يتسرَّب إلى بعض النفوس إحساس بعدم الغضب، محاولين إقناع أنفسهم بأنَّ الهدف الأسمى هو إنقاذ سورية.. وحين يسقط عنصر من الجيش على يد المتطرِّفين يتسرَّب الإحساس نفسه (عدم الغضب) إلى بعض النفوس، محاولين إقناع أنفسهم بأنَّ الهدف الأسمى هو بناء سورية الحديثة..
أعزائي.. بتنازل بسيط عن الخوف والجبن والغباء سنكتشف جميعاً أنَّ في كلتا الحالتين سيكون الهدف مقتل وطن..
الستالينية لا تنفع هنا.. نحن لا نتحدَّث عن قائد يريد تطبيق وجهة نظره بطريقة قاسية وديكتاتورية.. الحديث هنا يدور حول طرفين إن اعتنق كلاهما الستالينية فعلى سورية التي ندَّعي بأننا نعشقها، السلام..
أيها الصديق الموالي امتلك شجاعة الوقوف في وجه مَن تواليه، وأخبره أنك ترفض قتله أيَّ مواطن سوري.. وإن أجابك بأنه يحارب المتطرِّفين كي يحميك، أخبره أنَّ سبعة أشهر ونصف من انهيار الوضع الأمني لها مدلولان لا ثالث لهما: إما أنه فاشل في حمايتنا.. أو أنه يكذب.
أيها الصديق المعارض، امتلك شجاعة الوقوف في وجه مَن تواليه، وأخبره أنك ترفض ردَّات الفعل المسلَّحة، وترفض التدخُّل الخارجي.. ترفض التشنُّج والتعصُّب الأعمى.. ترفض إدارة صفحة (الثورة السورية) الغبيّة، كما ترفض المجلس الوطني لأنه أثبت إفلاسه.. وإن أخبرك أنه اضطرَّ إلى حمل السلاح للدفاع عنك، أخبره صراحةً أنك خرجت بكلِّ جرأة وشجاعة كي تبني وطناً، لا كي تحرقه.. إنه يكذب عليك، وهو من أشدِّ السعداء بدمك الذي ينزف، لأنه ببساطة رصيده الوحيد.