هيــام حموي: أنتمي لسورية ولامكان لي غيرها

هيام حموي إنسانة خفيفة الروح، تتحدّث بعفوية وشفافية فُطرت عليها عن تجربتها التي رسمتها المصادفة فتبدو وكأنها تقصّ علينا حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة، تحدّثت عن دمشق وشغفها بها، وعن غربتها التي لم تستسلم لمرارتها لقناعتها أن الثقافة كفيلة باختراق أي حاجز وتطويعه، فهي تتمتّع بثقافة عالية ومتنوّعة، بداية مشوارها الإعلامي كانت مع إذاعة دمشق القسم الفرنسي وبعد تخرجها في جامعة دمشق قسم الأدب الفرنسي، سافرت إلى فرنسا لإكمال دراستها في الماجستير والدكتوراه، وهناك تقدّمت بطلب عمل لإذاعة مونت كارلو في قسم الأخبار وبعدها انتقلت إلى قسم المنوّعات، الذي استغرق تجربتها كلّها، حيث أخذها الوقت والعمل من نفسها ومن دراستها.. ومن مونت كارلو انتقلت للعمل في إذاعة الشرق سنوات عدّة، لتعود ثانية إلى إذاعة مونت كارلو، وتأخذ بعدها قرارها بالعودة إلى دمشق مدينتها التي أحبتها وتعشّقت ذاكرتها، لتساهم في رسم الخطوات الأولى لإذاعة حقّقت حضورها المميّز في مجال الإعلام المسموع واستمرت حتى أصبحت مشروعاً إعلامياً مهماً..
< عند لقائك بهيام حموي تتزاحم الأسئلة في ذهنك حول حضورها الإعلامي الذي حقّقته في العالم العربي، والمعايير التي اعتمدتها في تجربتها التي قاربت الأربعين عاماً؟ واختلاف تجربتها في باريس عن تجربتها في “شام اف ام”، وإلى أي مدى التجربة الأولى خدمت تجربتها الآن، ومن هو المستمع الذي تتوجّه إليه في زمن طغيان الصورة ، ومع ذلك استطاعت هذه الإذاعة أن تحقّق حضورها، فتجيب هيام:
<< بالتأكيد أول فكرة تخطر في البال هي الفرق بين تجربتي هنا وتجربتي في باريس، وبداية يتجلّى الأمر في اختلاف العمر، وإدراك أهمية هذا العمل، فالفرق كبير بين أن أكون في مكان أتشارك فيه العمل مع زميلات لي، وبين شعوري هنا أنني مع أولادي أتابع تجربتهم وأقدّم لهم كل ما يمكن أن يساهم في نجاحهم، فهذا يمثل الفرق الأول والأكبر، طبعاً الخبرة تجعل المرء أسرع بالإنجاز، ويصبح لديه آلية تفكير تجعله يصل للنتيجة بشكل أسرع، وهذا ما يجعل العطاء أكبر، فخلال أربع سنوات في هذه الإذاعة أعتقد أنني أنجزت عملاً مكثفاً يعادل عمل عشر سنوات في الشرق، وهنا يكمن الفرق أيضاً في أن المرء ينتج وينجز أكثر بفترة أقل، كذلك هناك فكرة أنني عندما أكون مع الشباب “كادر الإذاعة” يأتون ويحدثونني عن بعض المآزق والمشكلات، وهنا أقول بيني وبين نفسي، هذا ما يسمّونه الخبرة، وهو أن كل الأجيال رغم اختلاف التفاصيل بين جيل وجيل، إلا أن النفس البشرية هي نفسها، من حيث المشكلات التي يتعرّض لها المرء ومن ناحية التنافس بمهنة تعتمد على الشخصيات، وكيف يمكن للمرء أن يتجاوز أحياناً أنانيته سواء الصغيرة أم الكبيرة حتى يستطيع الانخراط بعمل جماعي، لذلك عندما يسألوني عن أمر ما فهذا يعني أن ثقتهم بي كبيرة وأنا سعيدة جداً بهذه الثقة، إذ أشعر أنه ومن دون أن أصادر تجربتهم جميل أن أقصّر عليهم الطريق، ففي البداية ربما لايقتنعون معي مباشرة لكن لاتمضي فترة طويلة حتى يقولون لي نصائحك كانت صحيحة، ويتمّ تجاوز المشكلات، مهنياً أنا أسعى جاهدة لأن أجعلهم يفصلون بين شخصهم وعملهم وهذا أؤكد عليه كثيراً في التدريب، لأنه يجب تقبّل الملاحظات التي توجّه لنا مهما كانت صغيرة، لأنها ليست انتقاداً شخصياً بقدر ما هي انتقاد لطريقة عمل، اليوم أقابل عدّة أجيال، الجيل الذي كان يسمعني في مونت كارلو القديمة، والجيل الذي سمعني في الشرق، والجيل الذي يسمعني في “شام اف ام”، فثلاثة أجيال أشعر معهم أنني أنتجت، وكما يقولون لا يصح إلا الصحيح حتى لو مرّ وقت طويل حتى يأتي هذا الصحيح.
< في مونت كارلو والشرق كنت جزءاً من أسرة بينما الآن في “شام اف ام” أنت في حالة خلق لأجيال إعلامية تمثل ذاكرة المستقبل؟ إلى أي مدى تشعرين بمسؤوليتك تجاههم وكم اختلفت هذه المسؤولية ما بين الفترة الماضية والآن؟.
<< أنا لا أشعر أنني أستاذتهم بقدر ما أتعامل معهم كأولادي، وعندما يكون لدى المرء إحساس بالمسؤولية، هذا الإحساس يعيشه بشكل دائم، وهنا تخطر لي فكرة أن هناك بعض الناس كالصبايا مثلاً يظنون أن المدرسة تعني أن يستحضروا الصوت نفسه وطريقة الحكي ذاتها، لكن ما أتمناه عليهن في البداية أن تبحث كل واحدة عن شخصيتها وصوتها الخاص بها، دون أن تشبه أحداً لتكون لها هويتها التي ما إن يسمعها الناس حتى يعرفونها من صوتها وأسلوب تقديمها، كذلك إذا كان هناك ما يمكن أن نسميه مدرسة فإنني أؤكد على البحث عن الإتقان، وعندما أرغب بعمل شيء ما أتمنى أن أتقنه وأقدّمه بشكل صحيح بعيداً عن أي خلل، حتى لو كان هذا الخلل مخفياً وقد لاينتبه إليه المستمع، لكن معرفتي بوجود هذا الخلل كافية لجعلي قلقة وغير مطمئنة على هذا العمل، أنا في حالة بحث دائم عن الأفضل، وهذا ما كان يعانيه معي مهندسو الصوت في مونت كارلو، عندما يسألونني عن خطوات العمل أقول لهم أخبركم في آخر دقيقة حتى يتاح لي الوقت كله لتقديم المادة بما يرضيني إلى حدّ ما.
< المستمعون في سورية يختلفون كشرائح عن المستمعين الذين كنت تتوجهين إليهم في باريس، ماهي الصيغة التي اعتمدتها في برامجك لجذب كل الشرائح لهذه الإذاعة؟.
<< المستمع العربي بالنسبة لي لم يتغيّر، لكن الفكرة أنني أعمل بمكان أشعر بالانتماء إليه، ومن الصعب علي أن أعمل بمكان لا أشعر بانسجامي معه، أنا كنت مدركة أنني أعمل بمؤسسة تمثل فرنسا في العالم العربي، والمطلوب مني أن أقدّم الجميل في فرنسا وبالوقت ذاته أقدّمه لمستمع عربي أرغب بتقديم الفائدة له مما أقدم وليس فقط أن أتحدّث عن فرنسا وجمالها، وكنت أسعى لأن أقدّم الجميل في فرنسا وأدعو لضرورة أن نعمل لتكون بلادنا بهذا الجمال حتى نتفوق عليهم، والحال ذاتها عندما كنت في إذاعة الشرق، لذلك على كل إنسان أن يعرف طبيعة المكان الذي يعمل فيه وماذا يمثل للمستمع، فهذه إذاعة عربية موجودة في المهجر تمثل حالة تواصل بين المغتربين ووطنهم، وهذا الأمر أعطى إضافة لي في عملي أنني سأسلط الضوء على الجوانب المشرقة عربياً في فرنسا، وبالوقت نفسه الجوانب المشرقة عربياً في الوطن أعطيها للوطن الأم، فعندما يعرف الإنسان ماذا يريد تصبح الخيارات أمامه أوسع ويعرف كيف ينتقي موضوعاته، ومثال على ذلك عندما كنت أذهب لحضور المهرجانات كان زملائي المصريون يتغنون بمصر على أنها أم الدنيا، واللبنانيون أيضاً يرون لبنان أجمل بلاد العالم، فمن غير المنطقي والحال هذه أن أتحدث عن مساوئ المهرجان، فكنت أعمد إلى تسليط الضوء على أجمل شيء وأقدمه للمستمع العربي، والأمر يختلف عندما يعمل الإنسان في صحافة محلية لأنه يقع في حيرة بين أن يخدم بلده، وبين أن يقدّم صورة عن بلده، أو عن الثقافة العربية للآخرين، الطريقة التي يتمّ فيها تناول الحدث تختلف، وربما هذا الذي جعلني على مر الإذاعات التي عملت فيها أن أبحث عن الجميل في كل موضوع أقدمه، لدرجة اتهمت أنني أجمّل الأشياء، لكن الحقيقة أنني أبحث عن الجمال في الأشياء حتى التي فيها ملامح سلبية، لا أخبئها، بل أجاهر بها، عندما يكون هناك مناسبة من أجل إصلاحها أمام من يقدرون على الإصلاح، وليس عند من يريدون استغلالها للأذى، فهذه تقريباً كانت فلسفتي في العمل.
في “شام اف ام” وطبعاً في كل مؤسّسة توجد أوجه عدّة للتعاطي مع الأمور، عندما يكون هناك مجال للنقد ننقد لأننا إذاعة محلية، نحاول أن نخدم البلد ونرتقي به، وعندما يكون متاحاً تسليط الضوء على الشيء الجميل نفعل ذلك أيضاً، فكوننا ننقد لايعني أن نغفل الجانب الجميل من الأمور، وأنا لا أستطيع أن أعيش دون أن أرى الشيء الجميل، فمهما كانت الحالة سيئة عندما يقف المرء مع نفسه بصدق يستطيع أن يرى الأشياء الجميلة.
< عندما تأسّست إذاعة “شام اف ام” كان قد سبقها الكثير من الإذاعات الخاصة، وانطلاقاً من تجربتك الإعلامية المختلفة عن رؤية صاحبها، ما الخصوصية التي فكرت أن تمنحيها لهذه الإذاعة لتكون متميّزة عن الإذاعات الأخرى؟.
<< الأستاذ سامر صاحب الإذاعة هو الذي أعطاها هويتها، لكن هذه الهوية تشبه ما أحب أن أعمل به، فهناك قواسم مشتركة عديدة بيننا وإلا لما كنا اتفقنا على العمل، فهو يجهد أن يقدم شيئاً لأوسع جمهور وأعرض شريحة، وهذا أيضاً ما أحبه، والفكرة التي أطرحها دائماً هي تعميم التخصّص على الإذاعات، أي يجب أن يكون هناك إذاعة تسمعها العائلة كلها، فالإذاعة التي تضم فيروز وزياد والطرب الحديث والأخبار والضحك وبعض الأجنبي هذه إذاعة تحاول استقطاب أكبر عدد من المستمعين، وهنا السؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن أن تحبي الإذاعة وسط إذاعات كثيرة، مع الأخذ بالاعتبار سهولة الانتقال إلى محطة أخرى تشدّه أكثر، يمكن هذا الشيء يكون “صوت، كلمة، أغنية..” والآن أصبحوا يبحثون عن الأخبار، فمن الضروري أن الصوت الذي جذبهم أن يبقى يجذبهم بنفس الطريقة، لأنه سيقول شيئاً له معنى، والأغنية تتبعها أغنية جميلة لذلك يجب أن يبقى في البال أن يكون هناك شيء مشوق دائماً وللجميع.
< برأيك هل أدى بث “شام اف ام” على الستالايت دوراً إيجابياً في انتشارها؟.
<< لا أخفيك أن هذا الموضوع كان موضع خلاف في بدايته مع الأستاذ سامر، لكن بعد أن بدأ البث اعترفت له بصواب رؤيته، فأنا أحب الإذاعة ولم أشعر بيوم أن التلفزيون يقدّم رسالة إيجابية، وربما هذا يعود لأيام الجامعة عندما كنت أعود إلى البيت وأرى الجميع يشاهدون التلفزيون ولا يسمحون لي بالحديث حتى لا أقطع عليهم اندماجهم معهن فكنت أشعر أن هذا التلفزيون يفصلني عن أهلي، وبقيت لا أحبه على مر السنين، لذلك عندما طرح الأستاذ سامر فكرة وضع الراديو على التلفزيون قلت له دعنا نقوي الإذاعة ونطورها أولاً وبعدها نقدمها على التلفزيون - طبعاً من الضروري هنا الإشارة إلى أنه يعيش زمنه وجيله وبلده أكثر مني- فأجابني هذه الفكرة هي التي ستحمل الإذاعة، وتبيّن أنه معه حق، وجميل أن يعترف الإنسان بخطئه خاصة عندما يكون هذا الاعتراف لخدمة المشروع كلّه.
< ضمن الأزمة التي تعيشها سورية والتي أثّرت علينا جميعاً، تحوّلت “شام اف ام” إلى إذاعة إخبارية لتغطية هذه الأحداث، فيما ظللت بعيدة عن هذا الحدث وظلت برامجك تذاع كما هي، بماذا تفسرين لنا ابتعادك عن المشاركة في تغطية هذه الأحداث وما موقفك؟.
<< لا أستطيع القول إنني لم أشارك، فقد شاركت لفترة قصيرة، وكما قلت لك إنني إذا عملت عملاً أحب أن أتقنه، وأنا من الناس على مدى سنوات عملي لا أحب السياسة ولا أفهمها جيداً، وبالتالي لا أحب الدخول إليها، وربما الحادثة الطريفة التي حدثت معي في بداية عملي عندما كانوا يبحثون لتشكيل كادر لإذاعة مونت كارلو، وكنا نمتحن في الأخبار والمنوعات، وحصل أن قدمت نشرة أخبار وكانت حينها حرب فيتنام، فعندما جاء الشخص الذي يصنّف الأصوات قال ما هذا الصوت الذي يجعل المستمعين يحبون أصوات القنابل، بمعنى أنني لا أصلح للأخبار أبداً، فقد تكون ردة فعلي على هذه الحادثة أنني لا أصلح للأخبار وانتهى الأمر. وكم كان يؤذيني منظر الحروب والدمار، كنت أقول يجب أن أفعل شيئاً حتى أهدئ النفوس، فأصدرت فتوى بيني وبين نفسي أنه في الحرب لايوجد جيوش وقادة فقط، هناك أيضاً ممرضات يضمدن الجرحى ورغبت أن أكون تلك الممرضة التي تضمد الجراح بكلمة لطيفة وأغنية جميلة تهدئ النفوس واستمرت مواقفي بهذا الاتجاه. المشكلة أننا غير معتادين على النقاش حيث نخرج من أي حوار بخلاف ومشكلات وخصام، وأنا شاهدت الكثير من الحوارات على التلفزيون الفرنسي يختلفون ويتركون الحوار ويذهبون لكنهم عندما يلتقون فيما بعد يحيون بعضهم ويتحدثون وكأن شيئاً لم يكن. الفكرة إذاً أنني أحب عندما ينتهي النقاش ويكون الجدل وصل بالمتحاورين إلى مطارح بعيدة وغير مجدية أحب أن أوفق بين الناس بأن أضع أغنية تهدئ الروح، أقدم مقولة تدعو للتفكير والوقوف عندها مثل “الوطن فوق الجميع” لكوليت الخوري، فالوطن يجمعنا، والحوار حاجة أساسية ومهمة، فعوضاً عن أن يذهب الجميع إلى المعركة يبقى هناك من يضمّد الجراح وهذا ما فعلته.
< وماذا تخطّط هيام لتطوير العمل في هذه الإذاعة باعتبار أنها تمثل موقعاً هاماً بين الإذاعات؟.
<< إن شاء الله عندما تهدأ الأمور في البلد وأنا متفائلة رغم كل القسوة التي نعيشها لأننا نعرف أنه عندما يكون هناك جرح أو مرض، هناك فترة يصل الألم للذروة ثم يبدأ الشفاء، وأنا أنتظر أن ينتهي هذا الألم للتحضير لشيء له علاقة بفكرة (من هلق لبكرا) التي قدمناها في رمضان الماضي باستضافة الدكتور حمدي خشان مدير مركز البناء الإنساني، والتي تتحدث عن كيفية بناء أفكار نخطّط عبرها لحياتنا، الشباب مثلاً الآن يعيشون أزمات مختلفة، ومن الضروري إعداد هذه الأجيال بطريقة سليمة، وبإعطائهم أملاً بالمستقبل، يجب أن نقول لهؤلاء الشباب: إذا كانت الدنيا مغلقة فهناك شبابيك وأبواب بإمكاننا فتحها إن أردنا.
< إلى أي حدّ أنت متفائلة بالجيل الجديد الآن سواء الإعلامي أو على أي صعيد، دعينا نقول من خلال الحراك الشعبي الذي كانت مبادراته أغلبها من الشباب؟.
<< أنا ألقي المسؤولية على الأهل لأنه لو كان هناك حوار أكثر بين الأهل وأولادهم كان يمكن أن تكون النتائج أفضل، ولعلنا نعتبر في أيامنا المقبلة مما يحصل ونكون أكثر صحوة لأنفسنا ولأولادنا، خاصة في مرحلة المراهقة وهي مرحلة صعبة وكل الناس يمرون بها، وبالمقابل هناك بعض الأهالي يتحدثون مع أولادهم بطريقة حضارية وجميلة يعوّدونهم كيفية الحوار وإبداء الرأي ومن الضروري أن تتضمن الحالة الحب والحزم، وهنا يحضرني حديث جرى بيني وبين مخرج مسلسل (سوق الورق) أحمد إبراهيم أحمد حيث طلب مني أن أقرأ الجملة الأخيرة من العمل التي يراها مناسبة للحالة التي نعيشها، فوجدت في عبارة “الوطن يسامح لأنه يحب” شيئاً مهماً، والفكرة التي طلب مني أن أقولها أنا مقتنعة بها جداً لأنه يجب الجمع بين الحب والحزم، والوطن يحتاج للحب والحزم، والتعامل مع الأبناء يحتاج للحب والحزم، بمعنى أنه يجب ألا يدفعنا الحب للتخلي عن واجباتنا.
< قلت لي إنك حاولت أن يكون حضورك بهذه الأزمة من خلال الأغنية والكلمة التوجيهية، برأيك إلى أي مدى هناك من يصغي لهذا ضمن هذه الأزمة، وإلى أي مدى تجد صدى لدى الآخرين؟.
<< أنا أعرف أنه يوجد أشخاص يظنون أنه ليس لي موقف مما يحصل، لكن من وجهة نظري ورداً على سؤالك فإنني إذا قلت الجملة مرة واحدة، يمكن أن يسمعها عشرة أشخاص أو تبقى بذهن عشرة أشخاص لكن طريقة تكرارها على طريقة الإعلانات تجعلهم يعتادون سماعها ويرددونها، فمثلاً كثيراً ما أسمع أشخاصاً يردّدون عبارة كوليت خوري (ويبقى الوطن فوق الجميع) وهذا يؤكد أن هناك من يسمع..
< ما مدى رضاك عن تجربتك؟ وكم حقّقت من الأفكار التي رسمتها بذهنك؟.
<< ما يمكنني قوله إنني بذلت جهدي لأحقّق ما أريد وأطمح، وإذا لم أصل لغايتي فمعناه أنني لا أستطيع أن أفعل أكثر مما فعلت، هناك شي له علاقة بالكتابة، فأنا إذا لم أجبر على الكتابة لا أكتب مع أنني أعشقها تقريباً بمستوى الإذاعة وأتمنى أن أحقّق فيها شيئاً، فلديّ عدة أفكار جميلة يجب أن تخرج للناس لأنه ربما يقرؤها أحد ما وتفتح لهم آفاقاً أخرى يكملون مشوارهم من خلالها، كما حصل معي عندما قرأت كتاب “الأمير الصغير” وفتح بذهني أفكاراً كثيرة، فبقدر ما حقّقت في مسيرتي مع الراديو لا يمكنني القول إلا أنني عملت جهدي وما زال عندي أفكار لبرامج كثيرة، فكل يوم لديّ تصور لشكل إذاعي، وبقدر ما تفسح لي الحياة من مجال لتحقيق هذه الأفكار سأسعى لتوظيفها لتتحقق..
< وبالنسبة للكتابة ألم تفكري بعمل خاص بك.. رواية، شعر، قصة؟.
<< شعر لا، لأن الشعر له ناسه، حتى أنني لا أدري كيف يصبح الإنسان شاعراً، بالنسبة لي الشعر هو ما يجعل الإنسان يشعر أن العالم أرحب، فإذا قرأت قصيدة ما فإنني من خلال اللغة المكتوبة فيها أشعر أن الدنيا ليست هذا المحيط الضيق فقط، بل إنها اتسعت لمساحات أكثر، وفتحت لي أبواباً، لا أدري إذا كان ما أكتبه يشبه الشعر لكن أراه يليق أكثر لرواية أو قصة أو حتى سيناريو لكنه لا يشبه الشعر..
< وهل تفكرين بكتابة سيناريو؟.
<< نعم لأن واحدة من الروايات الخمس عشرة وهي عدد من الروايات التي بدأتها ولم أكملها تصلح أن تكون رواية بوليسية أو لها علاقة بالإرهاب، فهذه يمكن أن تكون سيناريو فهي مشوّقة كفكرة وهي مستقاة من الواقع..
< خلال الأحداث التي تعيشها سورية الآن سافرت إلى باريس هل ترغبين بالحديث عن هذه الزيارة؟ وبماذا اختلف إحساسك بهذه المدينة التي قضيت فيها جزءاً كبيراً من حياتك؟.
<< لا أخفيك أنني بزيارتي الأخيرة لباريس كان بالي مشغولاً جداً على الشام. ورغم إيماني الكبير بالشام وبسورية حاولت أن أحمي نفسي مما كنت أشاهده على الشاشات هناك، ففي اللحظة التي خرجت فيها من مطار دمشق كان لون السماء يتراوح بين الزهر والبنفسجي على روز على أخضر على أزرق.. لا أعرف أن أحدّده بالضبط، لكنه كان لوناً عجيباً هنا بدمشق، وعندما رجعت من باريس كان لون السماء غريباً لا أذكر أنني رأيته هكذا من قبل أو أن اشتياقي الكبير للبلد رأيته هكذا لا أدري، لكن ما أستطيع قوله أن كل ألوان الحياة كانت موجودة بهذه السماء وعندها دمعت عيوني وشعرت كم أنتمي لهذا البلد، وأنه في هذه اللحظة ليس من مكان لي إلا هنا.
شام نيوز. البعث