وأنا أريد ..

ديانا جبور - بلدنا
الشعب يريد.. ثمّ تكرّ سبحة المطالب وتتفاوت الشعارات المرفوعة.
بعض ما صدحت به الحناجر كان يترجم درجة رفيعة من الوعي السياسي والمجتمعي والاقتصادي، بغض النظر عن عموميته وشموليته مختلف أطياف وفئات الشعب السوري.
لكن واقع الحال كان يدلّ على أنّ هذه الشعارات تمثل هذا الجزء من الشعب؛ الجزء الذي نراه أمامنا، وتضاف إليه أطياف غير مرئية من الأسرة المتعاطفة مع ابنها، لاسيما إذا ما أصابه مكروه.
الشعب يريد، وإن كانت، كمقولة، لا تعني أنّ الشعب بكليّته يريد الأمر نفسه، لكنها تحتفظ بمشروعيتها لأنّها تمثل حشداً اجتمع حولها وتبناها، وها نحن نرى بأمّ العين طلائعه. حتى عندما أخذت الشعارات طابعاً شخصانياً أو ثأرياً؛ بل إنّ كثيرين وجدوا بعضها يتجاوز الخطأ السياسي إلى خطيئة الانتحار السياسي.. حتى في هذه الحالة وجدت، شخصياً، أنّ هذه الشعارات تعبّر عن الشعب بفئته المتظاهرة التي ترفعه وتنسبه، بالتالي، إليها صراحة، لكنّ أحداً لا يمكنه الجزم بأنها تختصر مزاج ومطالب الشعب السوري كاملاً.
أنا، مثلاً، كفرد من الشعب السوري، أريد إصلاحاً وتعدًدية وديمقرطية وتداول سلطة، وبعثة الجامعة العربية، لعلّ حضورها يردع تجاوزات تدقّ كلّ يوم مسماراً في نعش الدولة والمؤسسات وحالة التعايش السورية.. لكنّي لا أريد، بأيّ حال، التدخل العسكري الدولي، فكيف إذا كان، منفرداً، يعيد إلى الذاكرة الجمعيّة تجارب مريرة عن فظائع الاحتلال.
إذاً كيف للمرشد العام لحركة الإخوان المسلمين في سورية أن يجزم بأنّ الشعب السوري يريد تدخلاً عسكرياً تركياً؟ ألا يكفيني كلّ ما سبق أن عانيته من مصادرة لرأيي، واختزالٍ لإرادتي ورؤيتي؟
إذا كان عليّ المفاضلة بين مصادرة تتيح لي سلوكاً اجتماعياً حراً، ومصادرة تمنّ على المرأة ببعض حقوقها الفطرية والبدهية، فهل سأختار حركة تطيح بإنجازاتٍ انتزعتها المرأة منذ مئة عام.
للمرشد العام أن يجزم بأنّه يعبر عن إرادة الإخوان المسلمين، طالما أنه يحظى بثقتهم، والدليل أنّه يحتفظ بمنصبه، فقد يكونون بالفعل مع عودة العسكري التركي إلى بلادنا، أمّا أن يقول إنّ الشعب السوري يريد هذا التدخل، فهذا ما يخالف أولى قواعد ديننا الإسلامي الحنيف؛ أي الصدق، لأنني أرى، وأعرف كثيرين مثلي يرون، في هذا التدخل استعماراً، ولم يفوّضوا إلى أحد أن يقول غيرَ ذلك.