واشنطن: شرذمة المعارضة السورية تجــعلنا هامشيين

تقف واشنطن ضدّ الرئيس بشّار الأسد ونظامه. لا تعلن سوى ذلك. غالب الظنّ أنها لا تستطيع أكثر ممّا فعلت في مجلس الأمن، وغير قادرة على خيارات أخرى داخل إدارة تتجاذبها تقديرات متناقضة بين المسؤولين والموظفين الكبار حيال سبل إطاحة الأسد. لكنها تصرّ على رحيله
عاد زائرون لبنانيون من واشنطن بانطباعات تقلّل الاعتقاد بحماسة أميركية لاستعجال إسقاط الرئيس السوري بشّار الأسد، على وفرة ما يعكسه المسؤولون الأميركيون من كره في نظرتهم إليه، وبغضهم لنظام حكمه، فضلاً عن طريقة إدارته الصراع مع معارضيه. لا يبدّد المسؤولون الأميركيون اهتمامهم بأحداث سوريا، ورغبتهم في رؤية الأسد عبر المجتمع الدولي أو أي تطور داخلي يترك السلطة مرغماً. لا يبدون واثقين من أن أياً من هذين التطورين واقعي ومرتقب، لكنه ضروري لحصول انتقال للسلطة في سوريا. تبعاً لذلك تضاعف واشنطن ضغوطها على الأسد ونظامه.
لكنّ زوّار واشنطن، في حصيلة انطباعات استخلصوها من محدّثيهم الأميركيين، يشيرون إلى الآتي:
1 ــ ترى واشنطن في الشرق الأوسط قضيتين ساخنتين هما إيران وسوريا. تتقدّم الأولى على الثانية في الاهتمام والأخطار التي تمثّلها في تهديد السلام العالمي. ومع أنها شاركت في مؤتمري «أصدقاء سوريا» في تونس وإسطنبول في شباط ونيسان، لتنسيق مواقف الغرب والعرب من الأزمة السورية وتجديد دعم المعارضة، بيد أن اللاعبين الرئيسيين الذين يستظلّهم هذا الدعم لا يزالون غير قادرين على إحراز تقدّم حقيقي يُرجّح كفّة المعارضة على الأسد. وتعزو واشنطن السبب إلى شرذمة المعارضة التي لا تزال الجهود الغربية وتلك التي تبذلها الجامعة العربية تعجز عن توحيدها. ليست المعارضة أخصاماً سياسيين للنظام غير موحّدين فحسب، بل يفتقرون إلى التنسيق على غرار علاقة المجلس الوطني بالجيش السوري الحرّ الذي يبدو للخبراء الأميركيين اسماً أكثر منه مسمّى، أو جيشاً حقيقياً له قيادة وأركان فعليان.
وبحسب مسؤول رسمي أميركي للزوّار اللبنانيين، لا اتصال بين المجلس الوطني والجيش السوري الحرّ. كلاهما يعمل باستقلال كامل عن الآخر، خلافاً لما يشيعانه ظاهراً. يتحدّث المسؤول الرسمي الأميركي عن غياب الوحدة والتنسيق اللذين يحيلان التأثير الأميركي في الأزمة السورية هامشياً، رغم استمرار دعم واشنطن المعارضة، وهي أبلغت إلى قياداتها أنها ــ ودول أخرى في حلف شمال الأطلسي ــ جاهزان لتزويد الجيش السوري الحرّ مساعدات تقنية غير قتالية كمناظير ليلية وأجهزة اتصالات وتجهيزات طبية.
2 ــ رغم اعتقاد قليلين في الإدارة الأميركية بأن الموفد الدولي ــ العربي كوفي أنان سينجح في تحقيق وقف دائم للنار، إلا أن معظم الإدارة يرى في المسار الديبلوماسي لأنان الخيار الوحيد المتاح الذي يحمل ــ أو قد يحمل ــ الأمل في أمد قريب. عندما وافق مجلس الأمن في بيان رئاسي في آذار على خطة أنان، كانت المرّة الأولى، منذ اندلاع الأحداث قبل سنة، التي يتوافق بأعضائه جميعاً على إجراء دولي تجاه نظام الأسد لم يتضمّن كل التصلّب الذي توخاه الغرب. تبعه صدور قرارين لمجلس الأمن في نيسان لدعم بعثة المراقبين الدوليين، حافظا على إجماع المجلس على تحرّك دولي بإزاء وقف العنف والدعوة إلى حوار سياسي لانتقال السلطة.
إلا أن الأميركيين يلاحظون أن موافقة موسكو على خطة أنان ستحملها تدريجاً على توجيه انتقاد صارم إلى الرئيس السوري لعدم استجابته تنفيذ الخطة، وتجاهله النصائح الروسية واستمراره في العنف وعدم سحبه الأسلحة الثقيلة من المدن.
3 ــ تعزو واشنطن استمرار دعم موسكو نظام الأسد إلى تيقّنها من حظوظه العالية في محافظته على منصبه وإمساكه بالسلطة، واقتناعه بأنه سيستعيد الهيمنة على بلاده في نهاية المطاف. وفّرت روسيا والصين الغطاء الدولي للنظام، وزوّدته إيران مساعدات عسكرية وخبراء في تكتيك المواجهة لم يألفه الجيش السوري قبلاً، إذ يخوض لأول مرّة مواجهات عسكرية أقرب إلى نزاع أهلي، منه إلى حرب تقليدية سبق أن خَبِرَها. يلاحظ المسؤولون الأميركيون أيضاً، استناداً إلى تقارير أجهزة الاستخبارات، أن القيادة العسكرية السورية تستجيب على نحو أعمى للنصائح والخبرة الإيرانيتين، وقد حملتا الجيش في الأشهر الأخيرة على تعديل طريقة قيادته المواجهة، كان قد عزّز إجراءاته في الحسم الأمني ضعف الخصم، وتحديداً الجيش السوري الحرّ الذي يفتقر إلى قدرات تمكّنه من الصمود قبالة الجيش النظامي في عديده وعتاده، وانعدام قيادة قديرة ومجرّبة لديه.
وبحسب المسؤولين الأميركيين، يبدو من المستبعد توقع انشقاق قيادات عسكرية عليا مجرّبة عن الجيش للالتحاق بالمعارضة، بسبب مواقعها ودورها الحسّاس في الجيش واستخباراته والنظام.
4 ــ تشعر الإدارة بأنها في وضع صعب حيال الأزمة السورية في ضوء تناقض الآراء داخلها من الخيارات المتاحة، والباب الذي أوصدته موسكو في مجلس الأمن باستخدامها حقّ النقض مرتين قبل موافقتها مرتين أخريين على قرارين لمجلس الأمن أخذا في الاعتبار الصيغ الأكثر ملاءمة لها والأقل اقتصاصاً من الأسد. أصحاب الرأي الذين دعموا الهجمات العسكرية ضد ليبيا أمسوا هامشيين في الإدارة ولا يؤخذ باقتراحاتهم الجديدة، ووزارة الدفاع والجيش والاستخبارات لا يشجعون على هجمات ضد سوريا ويتحدّثون باهتمام عن أسباب تماسك الجيش وعدم انهياره بعد سنة من حرب داخلية استنزفت بعض قدراته ووضعته وجهاً لوجه أمام شعبه، إلا أنه حافظ على تماسكه وقواعده وقطعه وأسلحته، ولم تنشق عنه قيادات عليا لا تزال وفيّة للأسد، كذلك أجهزة الاستخبارات.
يسيطر على الإدارة تفكيرٌ يسود بقوة هو التخلّي عن التدخّل العسكري، بلا إشارات واضحة إلى تبدّل في هذا التقويم، تعزّزه وزارة الدفاع التي تمثّل المعارض الأقوى للتدخّل، متسلّحة بحجّة حاجتها إلى ستة أشهر لإقامة منطقة عازلة جوّية في سوريا، في حين يعتقد الخبراء العسكريون الإسرائيليون بأن إقامتها لا تتطلّب أكثر من أسبوع واحد.
5 ــ لا يقلّل صرف النظر عن الخيار العسكري، في رأي المسؤولين الأميركيين، إصرارهم على تخلّي الأسد عن السلطة والرحيل فوراً. ووفق موظفين أميركيين كبار رافقوا مواقف الرئيس باراك أوباما من التطورات المتسارعة في تونس ومصر وليبيا واليمن، وقبل ذلك قتل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، اقتناعهم بأن كلام الرئيس عن ضرورة رحيل الأسد يقتضي أن لا يؤخذ بخفة. ويقول هؤلاء إن مغالاة الأسد في توسّل العنف واستخدامه طلعات طائرات الميغ من دون إطلاقها النار أو إلقاء قنابل يمثّل تحدياً إضافياً للمجتمع الدولي. لم يكتفِ الأسد بالمدافع الثقيلة والدبابات والطوّافات، وهو يحرّك طائرات الميغ لإلقاء مزيد من الخوف والرعب في النفوس، ويتصرّف بغرور يوحي له بأنه قادر على الإفراط في استعمال القوة. وهو سبب أساسي ــ يضيف هؤلاء ــ لتوقع مزيد من الغضب الأميركي عليه والبحث في تحرّك ما لإطاحته.
لا يعيق تصرّف كهذا خوض أوباما انتخابات تجديد الولاية، لأن الأسد لن يجد نصيراً له في الولايات المتحدة.