واشنطن: عينٌ على المعارضة وعينٌ على المنشقّين

  

الأزمة السورية بين يدي الجامعة العربية إلى إشعار آخر. وراءها يقف الأوروبيون ــ والفرنسيون أكثرهم حماسة ـ والأتراك. ومن بعيد يتفرّج الأميركيون، الأكثر استعجالاً لسقوط النظام السوري. كانوا أول مَن طعن في شرعيته وطلب تنحّيه، وشجع معارضيه على مقاومته

أخلت واشنطن المكان للجامعة العربية لمعالجة الأزمة السورية، وإنهاء النظام بإحلال آخر ديموقراطي محله. بعد إطلاق تحرّك الجامعة في أيلول، ثم مبادرتها وخطتها للتدخّل في الأسبوعين الأخيرين، اكتفت واشنطن بدعم الدور العربي بغية تعزيز حظوظ إطاحة الأسد، مختبئة وراء الاتحاد الأوروبي وتركيا والجامعة العربية. وهي قوى الصف الأول في الوقت الحاضر في مواجهة الرئيس السوري.

كانت واشنطن أول مَن طعن في شرعية الأسد. ثم طلب تنحّيه. ثم عدّه فاقد الشرعية. ثم ألّب معارضيه عليه بالاستمرار في مقاومة النظام سلماً وحرباً. بعدما وضعت هذه السقوف، بات أيّ حلّ عربي متوقع تحتها.
لا تحجب هذا الانكفاء مقاربة واشنطن للمراحل الحالية من الأزمة السورية، وقد اختلط فيها العامل الداخلي بالعامل الخارجي. لم تعد المعارضة ـــــ بقواها المختلفة في المجلس الوطني والهيئة العامة للثورة ولجان التنسيق المحلية، فضلاً عن شخصياتها المستقلة ـــــ وحدها في مواجهة الأسد، بل في الواقع لمست الدبلوماسية الأميركية عجز المعارضة السورية وحدها، وإن بعد ثمانية أشهر من تفاقم الاضطرابات، عن إسقاط نظام الأسد من الداخل، من غير أن يتاح إلى الآن تدخّل خارجي.
شخصيات لبنانية زارت الولايات المتحدة الاميركية في أثناء تحضير الجامعة العربية قرارات 12 تشرين الثاني، عادت بانطباعات تشير الى ان الدبلوماسية الأميركية، تستند في مقاربتها للازمة الى معطيات منها:

 


1 ــ يعتقد الاميركيون أنه سيمر وقت طويل قبل أن تستعيد سوريا استقرارها وتحدّد خيارات نظامها السياسي الجديد. مفاد ذلك أن وقتاً طويلاً ينتظر المعارضة السورية كي تصل، بدعم من المجتمعين العربي والدولي، إلى الخيارات التي تؤول إلى تقويض نظام الأسد في أيّ حال. في المرحلة الغامضة ستغرق البلاد في فوضى حتمية.

2 ــ لم تنظر واشنطن بعطف إلى نظام الرئيس حافظ الأسد، ولا تنظر كذلك إلى خلافة نجله له، رغم انطباعات إيجابية باكرة تعتقد واشنطن بأن الأوروبيين، وخصوصاً الفرنسيين، صدقوها عنه، وعن إمكان التعاون معه وتوقع الانتقال بنظامه إلى مرحلة أكثر انفتاحاً وتعاوناً مع الغرب. وتتيقّن واشنطن من أن الأسد الابن أساء كثيراً إلى السياسة الأميركية في العراق ولبنان، وفي الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي، وأضرّ بها، فضلاً عن تعلقه بتحالفه مع إيران.

3 ــ تعتقد الإدارة الاميركية أن الرئيس السوري يوحي، وهو يواجه أزمة بلاده، بأنه واثق من نفسه ومن قدرات نظامه على المضي في هذه المواجهة، في معزل عن النتائج المأسوية التي قد تترتب عليها الأحداث، وأثرها على علاقته بقسم كبير من شعبه، كما أثرها على سوريا نفسها. وسواء تمكنت المعارضة السورية من إطاحته أم لا، لن يعود نظامه كما كان، ولن يستطيع الرئيس الإمساك ببلاده بعد الآن.

4 ــ تتهم الولايات المتحدة حزب الله بأنه على علاقة بأحداث سوريا، لكن في نطاق محدود للغاية حتى الآن على الأقل. ويقول الاميركيون ان لديهم معلومات تفيد بأن الحزب يزوّد السلطات العسكرية والأمنية السورية مساعدة تقنية ومعلومات تتصل بتحرّكات معارضي النظام داخل الأراضي السورية، كما في لبنان. وتسهم هذه المساعدة، على ما يقول الاميركيون، في تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية على جبه تجمّعات المعارضين وشبكاتهم، وقنوات الاتصال الدائرة بينهم، وتنسيق العمل الجاري بين المحافظات والأرياف. لكن واشنطن تبدو متأكدة، حتى الآن على الأقل أيضاً، من أن حزب الله لا يزوّد نظام الأسد أسلحة ولا مقاتلين ينخرطون في الصدامات داخل سوريا.

5 ــ لا تزال واشنطن تأخذ على المعارضة السورية عدم تنظيم صفوفها على نحو يمكّنها من تنسيق جهودها في وجه النظام. وتعتقد بأن المعارضة تحتاج بدورها إلى وقت طويل للوصول إلى هذا الهدف، وقبل الاتفاق على خارطة طريق تفضي إلى إطاحة الأسد، لكن تتبعها اندفاع المعارضة ومثابرتها بشجاعة غير مسبوقة بلا خوف في جبه الأسد، لا يحول دون اهتمام الإدارة بظاهرة بدأت تلاحظ أنها تتنامى يوماً بعد آخر، وتبعث الأمل في الرهان عليها، هي «الجيش السوري الحرّ» ونشاطه.

ووفق ما توحي به الدبلوماسية الأميركية، فإن توصّل هذا القسم المنشق عن الجيش النظامي السوري إلى فرض أمر واقع في توازن القوى العسكري في الأزمة السورية، سيحمل واشنطن على الالتفات إليه بجدّية، ودعمه مباشرة أو على نحو غير مباشر، بما يعزّز قدراته للمضي في إسقاط الرئيس السوري من جهة، وتحوّله أداة بديلة قوية في يد السلطة السياسية الجديدة التي يؤمل أن تخلف الأسد.

6 ــ لم يعد لبنان في نظر الأميركيين مكاناً آمناً للمعارضة السورية لإطلاق تحرّكها ضد النظام، وتنسيق جهودها والاتصال في ما بين قواها من المكان الأقرب إلى سوريا، وإلى دمشق بالذات. وتتصل شكوك الأميركيين في أدوار سلبية متفاوتة الأهمية يضطلع بها حزب الله وحلفاؤه، الذين ينشرون سلطتهم ونفوذهم على نطاق واسع من الأراضي اللبنانية، وكذلك السلطات العسكرية والأمنية اللبنانية، التي تحول دون أي نشاط معاد لنظام الأسد، حليف الحكومة اللبنانية الحالية. حمل ذلك عدداً من معارضي الأسد على الانتقال إلى عمّان، فضلاً عن آخرين اتخذوا موطئ قدم لهم في تركيا وفي عواصم أوروبية.

7 ــ لا ترى واشنطن أن الوقت قد حان فعلاً لمدّ المعارضة السورية بمساعدات عسكرية تعزّز مواجهتها نظام الأسد. ولا تزال وسائل توفير هذه المساعدة متعذّرة ما لم تتمكن المعارضة من السيطرة على حيّز جغرافي يتيح لها الاتصال المباشر بالخارج. وهي، إذ تلاحظ توقف التنسيق بين أجهزة استخبارات تركية وسورية في المرحلة الأولى من اندلاع الاضطرابات في سوريا، تسجّل في الوقت نفسه بطء حماسة أنقرة والرياض في استعجال إطاحة الأسد، ولا تعكس تماماً ـــــ رغم المواقف المعلنة ـــــ رغبة جدّية في بلوغ إسقاطه.