ولايزال القتل مستمراً..

 

هل كنا بحاجة الى 391832 وثيقة عن الحرب الأميركية على العراق لنعرف أن إدارة جورج بوش ارتكبت أسوأ جرائم حرب في التاريخ الحديث منذ 1945؟

كانت هناك أدلة كافية لمحاكمة جورج بوش وأركان إدارته بتهمة ارتكاب جرائم حرب قبل نشر ويكيليكس الوثائق (ويقال إن هناك 15 ألف وثيقة اضافية معدة للنشر)، والآن جاءت الوثائق لتحسم الجدال، فإدارة بوش رتبت لغزو العراق قبل إرهاب 11/9/2001، وجاء الإرهاب ليعطيها عذراً فزوّرت أسبابه عمداً، والنتيجة انه في مقابل موت حوالى ثلاثة آلاف أميركي في نيويورك، قتل حتى الآن حوالى 1.3 مليون مسلم، ولا يزال القتل مستمراً، وأسرع لأقول إن إرهابيين يدّعون الإسلام يقتلون مسلمين، ثم أحمّل إدارة بوش المسؤولية لأنها صنعتهم بسياستها المعادية للعرب والمسلمين، وضمنت استمرارهم مع استمرار هذه السياسة.

إذا كان من شيء زادته على معلوماتي الوثائق الأخيرة فهو ان الجرائم ارتكبت عمداً وقتل جنود الاحتلال ألوف المدنيين ونساء وأطفالاً عمداً وفي العلن، ثم كذبت القيادة ولم تنشر كل أسماء الضحايا، فمنظمة إحصاء عدد القتلى البريطانية وجدت ان 160 ألف عراقي، بحسب أرقام الاحتلال قتلوا، ثم اكتشفت ان 15 ألف ضحية لم تسجل أسماؤهم، وقد يبدو الرقم ضئيلاً بالمقارنة مع الرقم الحالي للضحايا، أي 1.3 مليون عربي ومسلم، إلا أنه خمسة أضعاف ارهاب 11/9/2001، وأسأل القارئ ماذا كان حدث لو أن هؤلاء أميركيون، قتلوا في عمل إرهابي أو يهود.

اليمين الأميركي الذي قتل أو شارك في تسهيل القتل لم يختبئ بعد نشر الوثائق، ومجرمو الحرب لم يسرعوا الى تغيير أسمائهم وانتحال شخصيات أخرى، وانما أصبح جوليان أسانج، مدير موقع ويكيليكس، هو المطلوب المطارد، فيغيّر مقرّ إقامته وهاتفه المحمول كل يوم، ولا يجد بلداً يدّعي الديموقراطية والإنسانية في الغرب يحميه من مطاردة عصابة الشر.

في المقابل شبكة التلفزيون فوكس تمثل دعاية 24 ساعة متواصلة ضد كل من يتعرض بانتقاد لحروب بوش، ومعهد «أميركان انتربرايز» الذي قاد الحملات لتبرير الحرب ولا يزال يؤيدها حتى اليوم اقترح شن حرب على ويكيليكس، في حين وجدت صحيفة «واشنطن تايمز» المتطرفة في الوثائق ما يدين إيران، فهي دعمت المسلّحين في تصديهم للاحتلال.

ما الخطأ في هذا؟ سياسة ادارة بوش المعلنة كانت تغيير النظام في إيران وسورية بعد العراق، وإيران ردّت بالدفاع عن نفسها أمام سياسة معلنة بوضوح، ومع ذلك فالمتواطئون في الحرب على العراق يدينون النظام الإيراني بالدفاع عن نفسه، في منطقته بدل أن ينتحر تلبية لرغبات أعداء العرب والمسلمين.

اقرأوا معي مطلع مقال بعنوان «صفحة ترفض أن تقلب» في مجلة «ذي نيو ريبيبلك» الليكوديَّة: جوليان أسانج ومسرِّبو الأخبار المريعون في ويكيليكس لا يفهمون، فبالنسبة الى الأميركيين الحرب في العراق انتهتْ قَضَت مَضَتْ راحتْ. لقد قلبنا صفحة جديدة، تحولنا الى قناة (تلفزيونية أخرى)...

هل كانت هذه المطبوعة الحقيرة التي أيدت الحرب قالت هذا الكلام لو أن القتلى يهود؟ منطق الليكوديين الأميركيين الذين أيدوا الحرب خدمة لإسرائيل والمصالح النفطية يعني إغلاق الملف على الهولوكوست، فعمره أكثر من 65 سنة، لا مجرد خمس سنوات كالجريمة التي ارتكبت في العراق، إلا أنهم لا يزالون يتاجرون بمحرقة تعود الى النصف الأول من القرن الماضي ولا يريدون من العرب والمسلمين التحقيق في محرقة ارتكبت أمس، هذا المنطق يعني أيضاً أن الليكوديين ورثوا العنصرية النازية في تحقير كل دم غير دمهم واستباحته.

ثمة فجور في الحربين على أفغانستان والعراق غير مألوف حتى والمعروف عن الحرب ان أولى ضحاياها الحقيقة، فإذا كان متوقعاً أن يشن اليمين الأميركي هجوماً شاملاً على ويكيليكس وأسانج شخصياً، فإنني لا أفهم ان وزارة الدفاع الأميركية، أو وزارة العدل، في ادارة أوباما تريد التحقيق في نشر الوثائق من زاوية انها تعرّض أمن أميركا للخطر وتهدد المتعاونين مع الاحتلال.

المتعاونون مع الاحتلال يستحقون المحاكمة قبل غيرهم، ولا أنسى العراقيين منهم الذين عادوا الى العراق على ظهر دبابة أميركية. ولكن في أهمية هذا أن نشر ويكيليكس 70 ألف وثيقة عن الحرب على أفغانستان في تموز (يوليو) الماضي لم يؤدِّ الى موت عميل واحد للاحتلال، والمطروح هو مجرد محاولة أخرى لكتم أدلة الإدانة ومحاكمة مجرمي الحرب. وللحديث بقية.

 

جهاد الخازن - الحياة