"وليس غداً" لزياد الرحباني في "أعياد بيروت"

زياد

لا تزال العلاقة القائمة بين زياد الرحباني وجمهوره متينة، على الرغم من التأخير كلّه الذي بات يشبه سمة من سمات حفلاته المختلفة، وعلى الرغم من "تأفّف" بعض الجمهور من هذا التأخير أيضاً. لكن ظهور الفرقة الموسيقية على خشبة المسرح كافٍ لإزالة كل توتر أو ضيق، لأن الجمهور نفسه لا يزال قابلاً لتحويل الانتظار إلى مدخل طبيعي للتواصل مع الفنان، وعلى جعل المسافة الزمنية مجرّد تهيئة نفسية وروحية وفكرية وانفعالية لتقبّل نتاجاته، القديمة والجديدة، وللتمتّع بها استماعاً ومشاركة وانجذاباً.
مساء أمس الخميس، كان لجمهور زياد الرحباني موعد مع إحدى الحفلات المنضوية في إطار "أعياد بيروت" (الواجهة البحرية لبيروت). ذلك أن الرحباني اختار هذا المكان وتلك المناسبة لإطلاق مسار جديد له في رحلة جغرافية ـ فنية حمّلها اسم "وليس غداً"، كان يُفترض بها أن تبدأ في إهدن في 2 آب 2014 (احتفال "إهدنيات")، لكنها تأجّلت إلى يوم أمس بعد تعرّض الفنان إلى إصابة في يده. غير أن الأهم من هذا كلّه كامنٌ في الحفلة بحدّ ذاتها، التي أرخت نوعاً من رفاهية في التعاطي الجماهيري مع زياد الرحباني، كظاهرة وكفنان وكمبدع متعدّد الاتجاهات (تأليفاً وتلحيناً وتعليقاً انتقادياً لاذعاً)، والتي جعلت الأمسية تفعيلاً لهذا التواصل المشهود له بمتانته وحُسن تطوّره وفعاليته.
المقطوعة الموسيقية الأولى امتصّت آثار انزعاج معهود لدى أناس متشوّقين دائماً إلى زياد الرحباني، الذي أطلّ عليهم بعد وقت قليل، محاولاً ـ كعادته ـ مزج الكلمة بالموسيقى والغناء، وإلغاء كل حدود قائمة بين الفن والتعليقات الساخرة والانتقادية والسجالية التي يُلقيها هنا وهناك. فعلى مدى ساعة كاملة، وقبل دخول أعضاء الفرقة الموسيقية إلى المسرح، استمع الجالسون على مقاعدهم بعضاً من تلك النكات الساخرة عبر شريط تسجيليّ، التي يولّفها الرحباني بأسلوبه المعروف، والتي يستلّها من تفاصيل الحياة اليومية. الأغنية الأولى ("من يوم اللي تكوّن يا وطني الموج" لجوزف حرب) شكّلت مدخلاً جميلاً، أتبعها الرحباني بـ"ضاق خلقي" ثم "أهو دا اللي صار"، ليستكمل تقديماً قادراً على إيجاد المفاتيح اللازمة للدخول إلى أعماق المستمعين، علماً أن ندى أبو فرحات قدّمت الأمسية بقراءة واقع لبناني مشوب بالخراب الفعليّ، المنبثق من ثقافة الرحباني في مقاربة أحوال البلد وناسه، ومن تفكيكه وبلوغ بواطنه لإظهار العفن الكامن فيه.